يتصدر الإرهاب قائمة أبرز المشاكل التي تعانيها الدولة اليمنية منذ سنوات طويلة، وبات رابطاً مشتركًا للكثير من القضايا المهمة المطروحة أمام طاولة الدولة الجديدة لبحث سبل محاربتها والقضاء عليها على طريق التأسيس لدولة مدنية عصرية ذات أمن واقتصاد قويين، يساهمان وبفاعلية في خلق أعمدتها النهضوية على مختلف الأصعدة، بما فيها التعايش السلمي والفكري وسيادة القانون، وتحقيق المطالب الشعبية الواسعة والملحة بضرورة إيجاد دولة قوية تمثل الإنسان اليمني، وتعيد له كرامته وهويته المفقودة. ولعل التطرف الفكري الدخيل على المجتمع اليمني المشهود له تاريخياً بسلميته وإيجابيته في التعايش مع الآخر أياً كان فكره ومعتقده كمجتمع خلاق لثقافة إنسانية أممية, فضلاً عن عوامل أخرى كانت نقطة الانطلاقة بالنسبة للإرهاب الذي ما لبث أن تحول إلى غول بفعل عوامل عدة في مقدمتها الاستخدام الخاطئ للفعل السياسي والاستغلال الممنهج لأحد أكثر شعوب العالم معاناة نتيجة الجهل والأمية والفقر. وللخطر الكبير الذي بات يشكله الإرهاب والتطرف الديني على اليمن كوطن ودولة ومواطن خاضت الدولة حرباً واسعة منذ مطلع العام الحالي ونجحت في أحيان كثيرة في إلحاق هزائم بعناصر القاعدة لكن الحقيقة أن تلك الحرب لم تكن وحدها ناجحة للحد من هجمات القاعدة التي زادت حدتها على رجال الأمن والجيش، الأمر ذاته الذي دفع بالكثيرين إلى المطالبة بضرورة أن يساند العمل العسكري أعمال أخرى وفق خطة تستهدف مجالات التنشئة والتعليم والتربية ومرافق صناعة الوعي والثقافة حتى يتم محاصرة الإرهاب الفكري أولاً ثم القضاء عليه ميدانياً. الجمهورية التقت عدداً من المتخصصين في المجالات العسكرية والقضائية والثقافية والفكرية في استطلاع رأي حول كيفية القضاء على الإرهاب في السطور التالية : عمل سياسي وإعلامي في البداية العقيد محمد عبدالعزيز خبير ومحلل عسكري طالب بالدور الفاعل للدولة لحماية اليمن ممن أسماهم بالدخلاء على الدين والقيم الإنسانية والوطنية , كما طالب بأن يكون العمل السياسي والإعلامي مساهماً في إنجاح الحرب على الإرهاب إلى جانب العمل العسكري وليس معرقلاً ومحبطاً، بالإضافة إلى ضرورة أن تتحد القوى السياسية وكافة التنظيمات السياسية ومكونات العمل المدني في وجه الإرهاب، و أن يشكلوا جميعاً تحالفاً أبدياً ضده وضد منابعه والأنماط التي تولد الإرهاب، ويجب إيجاد آلية لذلك والجميع مسئول إزاءها. وشدد على أهمية إدخال الحرب على الإرهاب والتطرف الفكري في المناهج التعليمية لخلق وعي رشيد مدني ومتحضر يكون خير ضامن لسلامة الوعي اليمني من هذه الخروقات الدخيلة عليه , فضلا عن إنشاء مراكز بحوث متخصصة بدراسة القاعدة دراسة متكاملة لتكون مرجعًا لذوي القرار في البلاد . حرب ثقافية وتوعوية إلى ذلك قال وزير الأوقاف السابق القاضي حمود الهتار : إن الأعمال الإرهابية بكل تأكيد ستؤثر على الأمن العام في البلاد والسلم الاجتماعي وحتى على دور القوات المسلحة والأمن ونفسيات أفرادها في حماية البلاد ومكتسباتها إذا لم تقم الدولة بدورها المناط في ملاحقة الإرهابيين ومحاكمتهم وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم الرادع , وتعزيز أدوارهم البطولية يأتي من هذا المنطلق . وقال « نحن في وزارة الأوقاف والإرشاد كنا أعددنا استراتيجية وطنية للتربية والتعليم والثقافة والشباب والإعلام والإرشاد لجميع مكونات الشعب اليمني السياسية والدينية والاجتماعية للوعي بأهمية مواجهة الأفكار المتطرفة التي يعمل أصحابها على نشرها بكل الوسائل والطرق لكن ذلك لم يكتمل » . وأوضح أن ما ساعد الإرهابيين هو هشاشة الأوضاع في البلاد, وهنا يؤكد على ضرورة أن تتبنى الدولة خطة فكرية لمواجهة تلك الأفكار عبر المدارس والجامعات والأندية والمساجد ووسائل الإعلام , وعبر كل الوسائل المتاحة لمناقشة تلك الأفكار وتبيين أخطائها وذلك لخلق وعي وطني يسهم في التصدي لها كونها تستهدف دماء الناس وأرواحهم، وأمن واستقرار البلاد ومستقبل أبنائها وللتوضيح بأن محاربة الإرهاب واجب جمعي على الدولة والمجتمع. وبين الهتار “ أن الإرهابيين لديهم أفكار متطرفة وخاطئة يعتقدون أنهم يتقربون إلى الله زلفى من خلالها وهنا لابد من توضيح خطأ هذه الأفكار والمعتقدات التي تدفعهم إلى النيل من الآخرين، بالإضافة إلى أنهم يرون أن أبناء القوات المسلحة يقفون دون تحقيق مخططاتهم وبالتالي يعمدون إلى الانتقام منهم واستهدافهم عبر هجماتهم الإرهابية . واستطرد “ بالرغم مما قامت به القوات المسلحة والأمن من عمليات تطهير مختلفة ضد الإرهابيين لكن القوة العسكرية وحدها غير كافية لمواجهة الإرهاب الذي يجب أن يحارب على أكثر من محور , ولذلك فإن مكافحة الإرهاب إذا لم تسر على المحاور العسكرية والثقافية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية فلن يكتب لها النجاح . حرب متواصلة وفق خطة من جانبه محمد النعيمي المتحدث باسم اللقاء المشترك قال الإرهاب آفة خطيرة يهدد الوطن ومستقبله , وطالب بعقد اجتماع وطني لكافة القوى الوطنية لمناقشة سبل محاربة الإرهاب على مختلف الأصعدة وإيجاد خطة عمل متواصلة لمكافحة الإرهاب بشتى الوسائل وليست آنية. وأضاف أن الأعمال الوحشية التي ترتكبها عناصر القاعدة ضد الآخرين تنم عن أفكار تشبعوا بها لا تمت للعقل والمنطق بصلة وخارجة عن سياق الواقع وتكشف مدى أخلاقياتهم وعلى الجميع أن يتحصنوا من هذه الأفكار ومراجعة الفتوى الدينية والأفكار الدينية بحد ذاتها. منزلق خطير محمود الجنيد محلل أكد أن اليمن في طريقها إلى منزلق خطير وعلى الجميع العمل بروح توافقية لتجنيبها هذا الخطر الذي بات يشكل أرقاً للكل في المنطقة والعالم أجمع، مشدداً على ضرورة وضع خطة وطنية لمراجعة كافة القضايا العالقة بما فيها الإرهاب وعلى الكل أن يقف موقفاً جاداً من هذه الخطة بعيداً عن الذاتية والانتهازية في سبيل التحول الجاد نحو الدولة المدنية المبنية على أسس علمية وعملية وفعلية للصالح العام . واختتم أن الحرب ليس بالبندقية فقط لكنها على حرب الجوع والبطالة والفساد الضارب في مناحي الحياة السياسية والاجتماعية واذا ما أصلحت هذه المشاكل كان النجاح , واذا ما أردنا الانتصار على هذا الشر علينا تصحيح الوضع من الداخل , ويجب عمل مراجعة شاملة من خلال التوعية لذلك أولاً. كشف الغطاء السياسي الدكتور عبدالكريم دماج - رئيس منتدى الحوار الفكري قال : إن كل الجهود العسكرية التي تقدمها الدولة من أجل القضاء على الإرهاب مهمة جداً لكنها ليست كافية أمام هذا الكم الهائل من التحريض الفكري للقوى الظلامية في كل الوسائل والطرق المتاحة لها والتي قادت إلى زراعة فكرة خبيئة في عقول الشباب واستغلت بذلك عدة عوامل يعانيها المجتمع اليمني ككل . وأضاف أن هذه القوى مهما كانت وحشيتها من السهل القضاء عليها إلا أنها تخدم أجهزة سياسية تشجعها وتحميها لذا يجب رفع الغطاء السياسي عنها ويجب إدانة هذه الأعمال من قبل كافة القوى السياسية الأمر الذي تلكأت بعض القوى عن إصداره فيما صمتت الأخرى ما يعني صحة دعمها للإرهاب بطريقة أو بأخرى . على الكل الاصطفاف في وجه الإرهاب وخصوصاً القوى الدينية في كل مرافق الحياة اليمنية، على اعتبار أن الإرهابيين خطابهم ديني ما خلق تشويشاً لدى الوعي العام الناشئ بحقيقة الدين الخالص . وتساءل: من أين أتى هذا الإرهاب مؤكداً أن دراسة بينت أن أعمار الإرهابيين صغيرة ما يعني استهدافهم من خلال خطاب ديني تحريضي بعدما تخلت الجهات المسئولة عن دورها في تحصين الشباب فكرياً وتركت الساحة للمتعصبين والمتشددين الحالمين بوهم من خلال خطاب ليس واقعياً ولا علمياً جاء في فترة صراع سياسية وفرض رؤية للإسلام على نحو مناف له , لذا يجب مراجعة المناهج الدراسية حتى تعكس روح التسامح والتنوع . وكشف أن هناك جامعات ومعاهد دينية تعمل بعيدًا عن إشراف وزارة التربية والتعليم والجهات المسئولة حيث تقدم مادة دراسية مغلقة لصناعة عقول مغلقة ومحرضة ومن هنا كانت أرضاً خصبة لصناعة الإرهاب، وطالب بضرورة إشراف الحكومة عليها وعلى مناهجها التعليمية. واختتم “ أدعو إلى وقفة مسئولة من الجميع لمعرفة من أين تخرج الإرهابيون وفي أي بيئة تم صناعتهم كون الإرهاب صناعة متقنة صناعة عقائدية وفكرية وغسيل دماغ وهذه عناوين لعمل استراتيجية لمواجهة الإرهاب . ثورة علمية وتنموية بدوره عبدالله الأملس عضو لجنة الرقابة على مخرجات الحوار الوطني ووكيل وزارة التربية والتعليم شدد على أهمية أن تسير الحكومة على خطين متوازيين في بناء الدولة والآخر للمعارك الصغيرة التي تثار منها الإرهاب وذلك اكتساب للوقت ولتحقيق نجاحات مختلفة على أكثر من صعيد، ودعا إلى تشكيل هيئة لمكافحة الإرهاب ويجب أن تكون الجامعات والمعاهد تحت رقابة الدولة كاملة ومعالجة حاضنة الإرهاب بتحصين المجتمع والشعب حتى لا تتكرر هذه المآسي حد قوله . مسئولية جمعية وختاماً دعت الحملة الشعبية لمناصرة الجيش والأمن ضد العنف والإرهاب علماء اليمن وعلى الأخص (جمعية علماء اليمن, وهيئة علماء اليمن, ورابطة علماء اليمن) للخروج عن صمتهم تجاه جماعات العنف والإرهاب, وأن يقولوا ما أمرهم الله به في مواجهة جرائم القتل الإرهابية البشعة التي يتعرض لها أبناء الشعب اليمني. وطالبت الحملة في بيان لها علماء اليمن إعلان موقف صريح وواضح للأمة حول الإرهاب والتطرف والجرائم التي ارتكبتها عناصر تلك الجماعات في بلادنا, كون الجماعات الإرهابية ترتكب جرائمها تحت مبررات دينية تستوجب أن يخرج العلماء عن صمتهم ومواجهة مزاعم تلك الجماعات وجرائمها. كما طالبت حكومة الوفاق العمل على جعل المساجد دور عبادة وتسامح ومنابرها مواقع مواجهة وتصد للتطرف والإرهاب, وأن لا يكون بعضها منابع لهما، مشددة على ضرورة جعل المساجد في مقدمة الصفوف لمواجهة التطرف والإرهاب, ذلك لأن الجماعات الإرهابية التي اختطفت الدين الإسلامي اتخذت منه غطاء لتبرير جرائمها. وقالت إن تزايد أعمال العنف والإرهاب واتساع نطاقهما, وارتفاع وتيرة الحروب الصغيرة وجرائم القتل البشعة ضد منتسبي القوات المسلحة والأمن والمدنيين العزل من أبناء شعبنا اليمني تفرض علينا جميعا أن المشاركة الفاعلة في دعم الجيش والأمن ضد الإرهاب كواجب وطني, وضرورة مجتمعية تستوجب مشاركة كل الفئات, وبكل الوسائل, ذلك لأن خطر الإرهاب والقتل العبثي لم يعد يقتصر على استهداف منتسبي الجيش والأمن, وإنما أصبح الجميع عرضة للموت على أيدي عناصر الإرهاب. وانطلاقاً من استشعار حالة الخطر القصوى للإرهاب والعنف المتصاعد والذي يهدد بتقويض بنيان الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية والاقتصادية والمدنية والسعي لنشر الفوضى والموت في كل أرجاء اليمن دعت الحملة الشعبية كل أبناء اليمن للمشاركة في التصدي للجماعات الإرهابية وجعل الحرب على الإرهاب شعبية شاملة بكل الوسائل, وفي كل مناطق اليمن. وأكدت : إن المواجهة مع الإرهاب ينبغي أن لا تقتصر على استخدام السلاح ومقاتلة عناصره, وإنما لابد من حشد كل القدرات الرسمية والشعبية وفي مقدمتها وسائل الإعلام الرسمية والأهلية والحزبية لخلق رأي عام مناهض للإرهاب ومساند للجيش والأمن ضد الإرهاب والتصدي لكل جماعات العنف. ودعت الحملة الشعبية وسائل الإعلام إلى توخي المسؤولية المجتمعية الشاملة في مواجهة الإرهاب وعدم الانجرار إلى المهاترات أو أي شكل من أشكال التوظيف السياسي أو الحزبي أو المذهبي للأعمال الإجرامية التي يرتكبها الإرهابيون, وتوخي الدقة والمسئولية في التغطيات, وفي خلق رأي عام وطني متجانس ضد العنف والإرهاب , كما دعت مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها الأحزاب والتنظيمات السياسية للمشاركة الفاعلة في الحملة الشعبية لدعم الجيش والأمن, والالتزام بسرعة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني بما فيها البنود المتعلقة بالحرب ضد الإرهاب, والعمل على سرعة إصدار قانون مكافحة الإرهاب المعلق في مجلس النواب منذ سنوات. وحثت مكونات المجتمع اليمني على المشاركة في المجهود الشعبي لدعم الجيش والأمن، والاستجابة لدعوة الرئيس عبد ربه منصور هادي للاصطفاف الوطني من أجل محاربة الإرهاب, ووقف النزاعات المسلحة, وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي تمثل خارطة طريق لبناء الدولة اليمنية المنشودة.