ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    شاهد:الحوثيون يرقصون على أنقاض دمت: جريمةٌ لا تُغتفر    ليست السعودية ولا الإمارات.. عيدروس الزبيدي يدعو هذه الدولة للتدخل وإنقاذ عدن    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    "امتحانات تحت سيف الحرمان": أهالي المخا يطالبون بتوفير الكهرباء لطلابهم    "جريمة إلكترونية تهزّ صنعاء:"الحوثيون يسرقون هوية صحفي يمني بمساعدة شركة اتصالات!"    "الحوثيون يزرعون الجوع في اليمن: اتهامات من الوية العمالقة "    صراع على الحياة: النائب احمد حاشد يواجه الحوثيين في معركة من أجل الحرية    البريمييرليغ: السيتي يستعيد الصدارة من ارسنال    زلزال كروي: مبابي يعتزم الانتقال للدوري السعودي!    الوكيل مفتاح يتفقد نقطة الفلج ويؤكد أن كل الطرق من جانب مارب مفتوحة    الارياني: استنساخ مليشيا الحوثي "الصرخة الخمينية" يؤكد تبعيتها الكاملة لإيران    الرئيس الزُبيدي يثمن الموقف البريطاني الأمريكي من القرصنة الحوثية    مانشستر يونايتد الإنجليزي يعلن رحيل لاعبه الفرنسي رافاييل فاران    ارتفاع طفيف لمعدل البطالة في بريطانيا خلال الربع الأول من العام الجاري    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يعزي في وفاة الشخصية الوطنية والقيادية محسن هائل السلامي    أمين عام الإصلاح يبحث مع سفير الصين جهود إحلال السلام ودعم الحكومة    كريستيانو رونالدو يسعى لتمديد عقده مع النصر السعودي    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    المنامة تحتضن قمة عربية    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    بريطانيا تؤكد دخول مئات السفن إلى موانئ الحوثيين دون تفتيش أممي خلال الأشهر الماضية مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الولايات المتحدة: هناك أدلة كثيرة على أن إيران توفر أسلحة متقدمة للمليشيات الحوثية    مجازر دموية لا تتوقف وحصيلة شهداء قطاع غزة تتجاوز ال35 ألفا    اليمن تسعى للاكتفاء الذاتي من الألبان    طعن مواطن حتى الموت على أيدي مدمن مخدرات جنوب غربي اليمن.. وأسرة الجاني تتخذ إجراء عاجل بشأنه    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بيان عاجل لإدارة أمن عدن بشأن الاحتجاجات الغاضبة والمدرعات تطارد المحتجين (فيديو)    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ليفربول يسقط في فخ التعادل امام استون فيلا    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    استعدادات حوثية للاستيلاء على 4 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك بصنعاء    ما معنى الانفصال:    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    سيف العدالة يرتفع: قصاص القاتل يزلزل حضرموت    مقتل عنصر حوثي بمواجهات مع مواطنين في إب    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع ''صنعاء القديمة''    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوضاع اليمن قبل قيام الثورة..
كيف حكم الاستعمار والأئمة اليمن سنوات من الظلم والفقر والجهل باسم الدين؟
نشر في الجمهورية يوم 26 - 09 - 2014

يحتفل اليمنيون هذه الأيام بالذكرى ال52 لثورة ال26 من سبتمبر المجيدة وهم يعيشون تحديات كبيرة تذكرهم بيوم انطلاق ثورة ال26 من سبتمبر عام 1962 عندما حاولت القوى الإمامية إجهاض الثورة وواصلت حشودها وهجماتها حتى عام 67م عندما عملت على حصار صنعاء لأكثر من سبعين يوماً لتنتصر في الأخير إرادة الشعب اليمني وتترسخ مداميك الثورة السبتمبرية ..
لتسليط الضوء على أهم المحطات التي حكم من خلالها عهد الإمامة اليمن كان لابد من رصد لبداية وكيفية حكم الأئمة لليمن وكيف حكم الاحتلال البريطاني جنوب الوطن من خلال السطور التالية:
أولاً:
جاءت بداية القرن العشرين واليمن مجزأ إلى جزئين رئيسيين المناطق الشمالية يحكمها الأتراك والمناطق الجنوبية موزعة بين مجموعة من السلاطين والمشايخ تحت الحماية البريطانية المسيطرة على مدينة عدن منذ1938.
وفي 1904 دعا يحيى ابن الإمام المنصور محمد حميد الدين بالإمامة لنفسه وواصل الحرب على الأتراك إلى أن عقد معهم صلحاً في عام 1911م. وقد قامت الدولة العثمانية وبريطانيا بعقد اتفاقية لترسيم خط حدود بين المناطق التي يسيطر عليها كل طرف لأول مرة بتاريخ اليمن. وفي نوفمبر 1918م دخل الإمام يحيى صنعاء ليستلم ما كان تحت سيطرة العثمانيين من المناطق التي خضعت لحكم الإمام يحيى حكمها بأساليب بالية وقاسية حكم بها الأئمة الذين سبقوه معتمداً على القبائل الموالية له في ضرب القبائل غير الموالية، وفي فرض الاستقرار والأمان في مملكته فلم يستفد من الأساليب الحديثة التي أدخلها الأتراك في حكمهم الثاني إلى اليمن بل عمد إلى إلغاء جميع النظم الإدارية وأساليب التعليم الحديثة. ففرض حصاراً رهيباً على البلاد وعزلها عن كل ما يمت إلى العالم بأي صلة .حاول المستنيرون، والعلماء مراجعة الإمام في ذلك ولكن دون جدوى ، فكانت ثورة 48 التي فشلت وتولى السيف أحمد بن الإمام يحيى السلطة بعد مقتل والده والذي كان على نفس عقلية أبيه والذي نكل بكل من اشترك في الثورة وواصل منهج والده وكانت هناك أكثر من محاولة للقضاء عليه ثورة 1955م 1959م 1960م وحتى وفاته 1962م لا يوجد في طول البلاد وعرضها سوى مدرسة ثانوية واحدة هي المدرسة العلمية بصنعاء ومستشفيين اثنين لا تزيد سعتهما على مائتي سرير فقط وطريق أسفلتي واحد بطول مائتين وثلاثين كيلو متراً ولم تكن الإنارة بالكهرباء معروفة إلا في أحياء معينة من مدن صنعاء وتعز والحديدة.
كيف حكم الإمام يحيى اليمن؟
منذ دخول الإمام يحيى صنعاء 1337ه - 1920م حتى معاهدة الطائف 1353ه 1934م عالج شئون الدولة الداخلية بمزيد من الظلم والاستبداد الفردي مستغلاً الدين ومستثمراً نضال الشعب اليمني ضد الأتراك غير مستفيد مما خلفه الأتراك إلا ما كان له علاقة بضبط الضرائب وتحويل المباني أو المخازن على استخدامات على غير ما كانت عليه.
دخل الإمام يحيى صنعاء بنفسية كئيبة وروح مظلمة وتسلم السلطة وهو أسير ذهنية قديمة متزمتة تنفر من كل جديد أو غريب فلم يستطع أن يرقى بنفسه وطموحه إلى مستوى العصر يتفهمه ويستوعب منجزاته ويستفيد بما يجد حواليه وحاول أن يحكم بنفس القاعدة والأساليب البالية والقاسية التي حكم بها الأئمة الذين سبقوه معتمداً على القبائل الموالية له في ضرب القبائل غير الموالية وفي فرض وبسط نفوذ مملكته ولم يحاول تكوين جيش نظامي مثل بقية الدول لولا أن مفتي إب القاضي يحيى الحداد نبهه إلى خطورة الاعتماد على الجيش البراني ونصحه بضرورة تكوين جيش نظامي حديث كما نصحه باستبقاء بعض الضباط الأتراك لتدريب وتنظيم الجيش النظامي. حتى بعد أن عقد معاهدة مع إيطاليا واتفق معها على تزويده بالأسلحة دفع 60ألف فرانصة كدفعة أولى لتسليح الجيش، وحصل على 3 طائرات كنواة أولى لقوات جوية، أرسل عشرة أشخاص ليتدربوا عليها عادوا بعد ثلاث سنوات وعندما سقطت إحدى هذه الطائرات اعتبرها شؤماً وألغى الصفقة وأوقف الطائرات عن العمل.
فعند مجيئ البعثة العسكرية العراقية إلى اليمن في أربعينات القرن العشرين وصفوا الجيش اليمني بالآتي: « تدريب الجيش كما شهدناه في بدء زيارتنا لليمن، هو القيام بمسيرات وإتقان بعض الإيعازات والحركات التركية، التي كانت موجودة في الدولة العثمانية ويدير هذا الجيش بقية من الرجال العثمانيين والعسكريين الذين آثروا البقاء في اليمن وهم مازالوا حتى الآن يحملون الشارات والرتب العثمانية ويرتدون اللباس العثماني»
كذلك ظل الإمام يستعمل دفاتر الدولة العثمانية وأوراقها حوالي أربعين سنة.
كما عمل القاضي راغب بك ( التركي ) وزير الخارجية على إكمال مظاهر الدولة بإقامة علاقات وعقد اتفاقيات مع بعض الدول الأجنبية. هذان هما فقط المظهران من مظاهر الدولة الحديثة فقط اللذان وافق الإمام يحيى على إيجادهما أما ما عداهما فقد كان سلوكه وأسلوب حكمه تجسيداً لقسوة الحياة وطبيعة التفكير والسائد في المناطق المنغلقة على نفسها وقد فرض حصاراً رهيباً على البلاد وعزلها عن كل ما يمت إلى العالم الخارجي أية صلة.
انغلاق وضيق أفق الإمامة
حقيقة ارتكب الإمام يحيى أخطاء كثيرة كان بعضها يرجع إلى ضيق الأفق والانغلاق وطبيعة الاستبداد والبعض الآخر إلى سوء النية والترفع فوق الشعب.
- لا تعليم حتى المدارس التي تركها العثمانيون تحولت إلى سجون أشهرها مدرسة الصنائع التي حولها إلى سجن الصنائع الذي ظل حتى قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر. وإهمال التعليم وجعله مقتصراً على فئة معينة يرجعه الريحاني إلى: «رغبة الإمام في عدم تعميمه حتى ينفرد به فيصبح أعلم قومه».
- ولا صحة اللهم وجود بعض الأطباء الإيطاليين الذين يعدون بأصابع اليد يقومون بمعالجة أسرة الإمام الصحية.. وصف طبيب إيطالي لأمين الريحاني الوضع بقوله :«لا طب عندهم ولا دواء... والأمراض المتفشية في اليمن تفشياً مريعاً هي الجدري وحمى التيفود والملاريا، والأهالي فقراء ولا يحصلون على قوتهم الضروري إلا بشق الأنفس». وهذا الطبيب الإيطالي الذي خلف الطبيبة الفرنسية كلودي فايان في رسالة إليها قال فيها: « إن الأمر يزداد سوءاً منذ سفرك إن وباء التيفوئيد منتشر ولا وجود للأدوية ..لا شيء ..لا شيء ..لا شيء..!!» وقد وصفت الطبيبة الفرنسية وضع النساء في عهد الإمام بقولها: «قد يخيل للإنسان أنه يستطيع أن يتصور فظاعة وشناعة كهذه ولكن مشاهد هؤلاء النسوة في هذه الزرائب أكثر سوءاً من كل ما قد يخطر على البال رأيت بأم عيني امرأة تحتضر وهي راقدة فوق برازها رأيتها تنهض وتستند على كوعها وتتناول طفلها المبلل وهي في النفس الأخير تتضرع وتتوسل».
- عزلة اقتصادية حتى محصول البن كانت تحتكره شركة يونانية وتتلاعب بسعره بسبب عدم معرفة اليمنيين القليلة بالسوق وعدم وجود رأس مال لديهم.
فرض ضرائب جائرة
- فرض ضرائب جائرة مع فقر شديد يعم الجميع فهذا مواطن من منطقة يريم يذكر لأمين الريحاني «لا غنم عندنا ولا بقر ولا ماعز ولو كان عندنا فليس من يرعاها، شبابنا في عسكر الإمام ، وأولادنا هاربون من التجنيد والعمال أخذوا أغنامنا كلها زكاة وضرائب لبيت المال».
راجع الإمام أحد أصدقائه من جور الضرائب التي يفرضها على المواطنين وطلب منه أن يخفف منها أجابه بقوله: « هل رأيتهم يحملون البصائر ويعرضون أرضهم للبيع؟»
ومن الأخطاء التي ارتكبها الإمام يحيى
وزع الإمام يحيى أبناءه على ألوية المملكة فأحمد في تعز والحسن في إب وعبد الله في الحديدة والمطهر في حجة والذين زاولوا من الظلم والجور والتعسف ما هو معروف وعبرت عنه قصائد الأدباء والشعراء وبالذات قصائد عبد الرحمن الإرياني التي تداولتها الجمعيات الأدبية والسياسية التي انتشرت في مختلف المدن. حتى أن نظرته إلى هذه الألوية بقدر ما تدر عليه من دخل فمثلاً البيضاء كانت جزءاً من لواء ذمار وطلب عبدالله بن أحمد الوزير مبلغ ألفي ريال للجيش المرابط في البيضاء كرواتب فأجابه الإمام يحيى بقوله : « إذا كانت وارداتها لا تفي بمصاريفها فلتلحق بإخوتها».
أما مارب فقد سمع الإمام يحيى يقول :«ما معنا فائدة من مأرب هذه تخسرنا كل سنة خمسة ألف ريال معاشات ونحن ما فيش معنا منها مدخول ماعدا نشتيهاش» .
تعيين بقية أبنائه وزراء
ومن الأخطاء عين الإمام بقية أولاده وزراء لوزارات وهمية لا وجود لها في الواقع أو يمكن القول أن بعضها مجرد مكاتب لإدارة صغيرة لمكتب وزارة في مديرية من مديريات الجمهورية.
ألقاب مملكة في غير موضعها
ومن ناحية أخرى شكل أولاد الإمام والمسئولون والمتنفذون في تلك الأولوية وتلك الوزارات بسلوكهم وتصرفاتهم إشكالات وتنافساً مع بقية كبار موظفي الدولة. وكان على جميع الحكام والعمال أن يراجعوا في قراراتهم وأحكامهم إلى الإمام .
نظام الرهائن
هي وسيلة لجأ الإمام لفرض سيادته، وضمان إخلاص وطاعة القبائل والجهات المختلفة اليمنية ، فقد كان يأخذ رهينة من شيوخ القبائل أو أصحاب النفوذ في الجهات المختلفة وهي دائما ما تكون الابن أو الأخ أو أقرب الناس إلى الشخص الذي يرغب الإمام في إخضاعه له . وكان يحتفظ بهذه الرهينة في صنعاء أو الحديدة أو أي مدينة بعيدة عن مركز أو وطن الشخص نفسه وكانت أعمارهم تتراوح بين العاشرة والثامنة عشرة ويمثلون كل القبائل.
ولاية العهد
كان أكبر خطأ جعله ولاية العهد لابنه أحمد فقد كان هذا الخطأ انتهاكاً واضحاً لمفهوم الإمامة أو في الحكم بناء على القواعد الأصولية عند الزيدية التي ترفض ولاية العهد وتقر اختيار المؤهلين للحكم، فالإمام المنصور اختير من فرع من آل القاسم لم يسبق أن تورط في الحكم طيلة أربعة قرون، واختيار الإمام يحيى نفسه كان لمشاركته لوالده في الحكم والنضال ضد العثمانيين طيلة سنوات حكمه الأربع عشر حتى توفي 1323ه/1904م في قفلة عذر فاختيار يحيى ليخلف والده رغم تحفظ بعض العلماء عليه للأهلية التي أظهرها الرجل ففي ظرف خاص ومرحلة مهمة لها مبرراتها، ولم يكن يحيى نفسه في الواقع قد اختير من قبل ولياً للعهد أو أن شيئاً من هذا القبيل قد أثير في هذه القضية في حياة والده هكذا اتخذت رغبة الإمام في تعيين ابنه الكبير السيف أحمد ولياً للعهد مساراً لم يكن في حسبانه فبالإضافة إلى موقف كبير من العلماء الذين استهجنوا الإقدام على مثل هذه الخطوة فقد أثار حفيظة آخرين وبالذات عبدالله الوزير الذي كان يرى في نفسه أو أسرته بديلاً منافساً.
سياسة الإمام يحيى الخارجية
الإمام كان يعتبر عدن والمحميات جزءاً من مملكته وظل يطالب بها ولكنه فشل في تحقيق أي انتصار عسكري حاسم على بريطانيا في التخوم الجنوبية وفي 1928م هاجم الإمام الضالع وردت بريطانيا بقصف الطيران على المدن اليمنية ( الضالع - قعطبة - ذمار - يريم - تعز -إب) حتى انسحب الإمام من هذه المناطق.
وعلى الرغم من عدم اعتراف الإمام يحيى بالاتفاقية الأنجلو تركية التي تحدد خط الحدود بين الشطرين إلا أنه في 1934م عقدت معاهدة أنجلو يمنية لمدة 40 سنة اعترف فيها بالوضع القائم كما هو عليه.
وفي 1938م هاجمت بريطانيا شبوة وزعمت أن بينها ومنطقة شبوة معاهدة شرف ، واتضح أن الغزو البريطاني كان بهدف الكشف عن البترول واستخراجه .
كان من الممكن أن يتحقق حلم هذه الطلائع اليمنية التي كانت على جانب من الاطلاع والفهم بالتطورات الجارية في العالم وتأثرت بها واحتكت بالإدارة التركية أو البريطانية واستفادت منها لو كان الإمام يحيى صادقاً فيما بذله من عهود ووعود لهذه الطلائع وغيرها أثناء دعوته للإمامة خاصة وقد دانت له كثير من المناطق بالطاعة والولاء وقدم رؤساؤها لتهنئته ومبايعته كان من الممكن أن يتحقق ذلك لو كان متجاوباً مع هذه الطلائع وله نفس تفكيرها وطموحها لكنه كان على عكسها ونقيضها لم يحتك مثلهم بإدارات حديثة ولا تأثر بما يحدث في العالم من تطورات ولا مؤمناً بالأخذ بأساليب الحكم الحديثة من إدارة ودستور وبرلمان وجيش في بناء الدولة.
لقد جاء من مناطق جبلية منغلقة على نفسها ومنعزلة عن المناطق التي عاشت ردحاً من الزمن تحت الحكم التركي ولم تكن على صلة مثلها بما يجد في العالم.
ولد هذا الأسلوب من الحكم ردود فعل معاكسة لدى مواطنين اتخذت أكثر من شكل وأكثر من أسلوب باختلاف دوافع السخط والتذمر ونوعية الاضطهاد الذي يعانون منه ومثلما اختلفت بواعث التذمر وأساليب الاحتجاج من قبل المواطنين اختلفت أساليب الانتقام منهم وفقاً لاختلاف مواقفهم ومكانتهم الاجتماعية.
سخط عليه المستنيرون والعلماء من أبناء المدن بالذات أبناء صنعاء وذمار لتزمته وانغلاقه وكانوا يرون أنفسهم أكثر تطوراً وتفهماً وانفتاحاً على العالم ولأساليب الحياة الجديدة منه فراحوا يضيقون به ذرعاً وبما يمارسه من تزمت وانغلاق وربط طاعته بطاعة الله سبحانه وتعالى فأخذوا ينتقدون تصرفاته وسلوكه ليفضحوا القداسة التي يغلف بها تصرفاته وأد طموحهم ركبت تطلعاتهم وتحرض العامة عليهم بما يوجه إليهم من تهم والتقصير في أداء الشعائر الدينية واتهم الذين تقدموا له بالنصح بمحاولة اختصار القرآن وتحت هذه التهمة زج في السجن بكل من الحاج محمد المحلوي وعبد الله العزب وصالح السنيدار وأحمد المطاع ومحمد المطاع والشماحي.
ولما لم تجد نصائح المخلصين أو شكاواهم آذناً صاغية عند الإمام ووقع من ثم تحت سيطرة الأبناء. فكانت ثورة 1948م الدستورية والتي كانت بداية النهاية لنظام الإمامة الذي استمر فيه آل القاسم من القرن 17.
الإمام أحمد
تمكن السيف أحمد من القضاء على ثورة 48 والتنكيل بقادة الثورة بالإعدام والسجن، وقام بنقل العاصمة إلى تعز. وعلى الرغم من اشتهاره بالكرم وتقريب العلماء والأدباء إلا أنه كان ينزع إلى التفرد بالرأي وكان مزاجه الحاد هو الطاغي على شخصيته. فمنذ توليه أمر الإمامة اقتفى سيرة والده متخذاً من سياسة العزلة منهجا في الحكم لإدارة دفة الدولة. فبعد انتصاره اتخذ تعز عاصمة له واستبعد صنعاء بسبب النهب الذي لحق بها بعد إسقاط الحكومة الدستورية حتى أنه رفض استقبال المبايعين له من فقهاء صنعاء بحجة أنه نال الخلافة “بنصرة الله من البغاة”. وأناب أخاه الحسن عنه على صنعاء وهو المعروف بشدة البخل والتشدد على الناس.
وبالرغم من قسوته وشدته إلا أن حركة 55 كادت تطيح به لولا ذكاؤه في التخلص من قادتها وأعدم أخويه العباس وعبدالله وقائد الحركة أحمد الثلايا. وبعد فشل الحركة زادت رغبته بانتهاج سياسة العزلة وحاول تثبيت أركان نظامه المهزوز في أعين الناس بنسج قصص أسطورية حوله ك«أن جسده مصرف» أي لا تخترقه العيارات النارية، وحكايات أقرب ما تكون إلى الخيال من الواقع، بوصفه واحداً من الأئمة الذين يمتلكون كرامات وخوارق للعادة تؤهله للإمساك بزمام طائفة من الجن تخبره عن كل شاردة وواردة تحدث في أرجاء مملكته . وعليه فقد تكنى أحمد رسمياً بالناصر ثم أصبح يعرف شعبياً بلقب: « أحمد يا جناه”. أما علاقته الخارجية فقد انضم إلى الحلف الثلاثي ( مصر -السعودية -اليمن ) 1956م وحصل على دعم من المملكة ثلاثة ملايين دولار تم بها شراء صفقة الأسلحة السوفيتية وانتهى هذا الحلف لاحقاً. كذلك انظم إلى الاتحاد العربي بين اليمن ومصر وسوريا وانسحب، ودخل في خلاف مع جمال عبد الناصر وكذلك ارتكب نفس غلطة أبيه في ولاية العهد لابنه البدر. وكانت محاولة اغتياله في الحديدة 1961م تعجيلاً في نهاية حكم الإمامة.
ويمكن أن نورد هنا بعض الشهادات التي أتت من غير اليمنيين والتي كانت شاهدة على وضع اليمن في عهد الأئمة التي تجمل الوضع المأساوي الذي عاشه الشعب اليمني تحت حكمهم ردحاً طويلاً من الزمن.
فهذا أمين الريحاني يذكر أن من يريد أن يرى كيف كانت الحياة في القرون الوسطى فعليه بزيارة اليمن فيذكر :«وكأنك في السياحة في تلك البلاد السعيدة ، تعود فجأة إلى القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي ) لا مدارس ، ولا جرائد ، ولا مطابع ، ولا أدوية ، ولا أطباء ، ولا مستشفيات في اليمن ، إن الإمام هو كل شيء هو العالم ، والطبيب، والمحامي، والكاهن».
مملكة إقطاعية
أما الطبيبة الفرنسية تعبر عن الوضع بتعبير مشابه فتقول : « مهما يكن من أمر فإن اليمن التي تساوي ثلث مسافة فرنسا ويسكنها نحو خمسة ملايين مواطن ما زالت تعيش في ظلام القرون الوسطى وهي من وجهة النظر السياسية مملكة إقطاعية اقتصادها قائم على الزراعة والحرف. واحتياجاتها لهذه الأسباب قليلة ولا يدخلها إلا القليل من المهندسين والأطباء الأجانب وهي لهذا ميدان مفيد جداً للباحثين في أصول السلالات البشرية ومميزاتها إذ لم يعكره أي شيء غربي على الإطلاق».
وتقول : « من النادر الدخول إلى اليمن أو الخروج منها عن غير طريق عدن. فليس من خط جوي منتظم يمر فوق الأراضي اليمنية. ورغم أن في مدن اليمن الرئيسية الثلاث: صنعاء والحديدة وتعز، مطارات صالحة لنزول الطائرات فلا تستعملها إلا طائرات الإمام لأنها محرومة من المؤسسات اللاسلكية التي تفرضها اللوائح الدولية».
ما أثار مشاعر بومدين
وهذا الزعيم الجزائري هواري بومدين عندما زار اليمن عام 1962م بعد قيام الثورة وكان في حينها نائبا للرئيس الجزائري وكما هو معروف تضحيات الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي بلد المليون شهيد وزار صنعاء والحديدة وتعز صدم الواقع المعاش في بلادنا مشاعر الثائر هواري بومدين عندما وجد جزءاً من حياة القرون الأولى لا تربطه أية رابطة بحياة القرن العشرين لم يكن هناك أية طرق رئيسية مسفلتة سوى طريق الحديدة صنعاء التي فرغ الصينيون لتوهم من شقها وسفلتتها وما عداها لا توجد طريق رئيسية أو فرعية حتى ترابية بين المدن الرئيسية أو داخل المدن وشاهدوا المواطنين الذين يتوافدون من مختلف مناطق القبائل بصورة جماعية للتهنئة بالثورة باسم القبيلة وهم شبه عراة وأقدامهم الحافية تثير أثناء سيرهم نحو القصر الجمهوري سحباً من الأتربة تسد الأفق فقال بومدين معلقاً على ذلك: «إذا كان الاستعمار يصنع هكذا في الشعوب فعلينا نحن الذين حاربنا الاستعمار أن نصنع له تمثالاً»
حامد الجمال يقول: حين اندلعت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962 رسم الثوار أهدافاً معينة حرصوا على تطبيقها في المستقبل.
كان من بين تلك الأهداف التحرر من الاستبداد، وبناء جيش وطني قوي لحماية البلاد، ورفع مستوى الشعب اقتصادياً وحراسة الثورة ومكاسبها، إضافة إلى إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف، والعمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة، واحترام مواثيق الأمم المتحدة.
وحين اندلعت ثورة 26 سبتمبر، رسم الثوار أهدافاً رئيسية لهم، منها بناء الدولة المدنية، وتحسين الوضع الاقتصادي لليمنيين، وبناء جيش قوي يحمي البلاد من أي تدخلات خارجية، معلنين نضالهم حتى تحقيق هذه الأهداف، وعدم التخلي أو التنازل عنها.
فهذه الثورة التي فجرها أحرار اليمن يوم الخميس 26 سبتمبر 1962م.. كانت ثورة ضد التخلف الإمامي الذي طبق الظلم والظلام على الشعب اليمني وتأمر مع الاستعمار البريطاني لأجل الحفاظ على حكمه والبقاء أكبر فترة في ظلمه وجبروته فجاءت ثورة 26 سبتمبر حاملة العلم والمعرفة والخير لليمن فطردت الظلمة وحكام الطاغوت الإمامي و إلى الأبد، ولم تمض على قيام الثورة السبتمبرية إلاّ سنوات قليلة حتى تفجرت ثورة 14 أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني في المحافظات الجنوبية والشرقية من اليمن وكانت مدينة تعز هي المفتاح لثورة ال14من أكتوبر فمنها انطلق الثوار إلى جبال ردفان ومن هناك أُعلِنَتْ الثورة وكانوا قادة الثورة قد شكلوا قيادة لهم في مدينة تعز ومن هناك تم إمداد الثوار بالمال والعتاد وفي الوقت نفسه كان الشعب اليمني يدافع عن ثورة 26 سبتمبر في المحافظات الشمالية والغربية ويقاوم الاحتلال البريطاني في المحافظات الجنوبية والشرقية من اليمن الكبير، ورغم تكالب أعداء الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وتآمرهم عليهما إلا إن الشعب اليمني اثبت جدارته وقدرته على إدارة الأزمات والدفاع عن حقوقه المكتسبة والوطنية وبفضل من الله تعالى ثم الدعم الأخوي الذي قدمته جمهورية مصر العربية بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر.
لقد استطاع الشعب اليمني آن ينتصر على الإمامة وطرد المستعمر البريطاني البغيض فأشرقت نور الحرية على ربوع اليمن من المهرة إلى صعدة ولكن كما يقولون (الحلو ما يكتمل) عند خروج الاستعمار البريطاني من المحافظات الجنوبية والشرقية تحت وطأت الضربات الموجعة التي وجهها إليه الثوار الأحرار أبطال اليمن الميامين استغل انشغال اليمنيين بالدفاع عن الثورة وعاصمتها الوحدوية صنعاء سلم الحكم إلى جناح المقاومة اليمنية الجبهة القومية والتي كان يسيطر عليها القوميون العرب وهم على خلاف مع زعيم الأمة الرئيس جمال عبد الناصر وبدورها الجبهة القومية ذات التوجه الماركسي والفكر الاشتراكي أعلنت قيام الجمهورية في المحافظات الجنوبية والشرقية بدلاً من العمل على دمج الثورتين تحت مظلة واحدة بعد أن تم تخليص الوطن من الحكم الظلامي والاستعمار البغيض ، وظل الوضع على هذه الحال حتى تم القضاء على الحكم الكهنوتي البغيض ومرتزقتهم وأرست الثورة دعائم بقائها.. وبدأت الدعوة إلى توحيد الوطن من خلال تنفيذ أهداف الثورة اليمنية المجيدة وشكلت اللجان وبدأت المحادثات بين قادة ثورة 26سبتمبر و14 أكتوبر واستمروا في مد وجزر اليمن أرضاً وإنساناً حتى تحققت الوحدة يوم 22 مايو1990م وتم إعلان الوحدة اليمنية المباركة تتويجاً لأهداف ثورتي 26 سبتمبر العظيمة و14 أكتوبر المجيدة.
ضربات موجعة للاحتلال البريطاني في جنوب الوطن
أما في الجنوب فمنذ إقدام بريطانيا في يناير 1899م على احتلال عدن بالقوة بعد رفض المواطنين التنازل عن عدن مقابل مبلغ من المال وكان هدفها جعل عدن محطة للتموين بالماء والوقود لأساطيلها التجارية المتنقلة بين موانئ بريطانيا وموانئ مستعمراتها في الهند والصين، وربطت عدن إدارياً بالإدارة البريطانية في الهند ثم ربطتها بالتاج البريطاني مباشرة.
لذا فقد عملت بعض الشركات البريطانية والهندية المتخصصة في الملاحة وتموين السفن على فتح فروع لها في عدن لتقديم الخدمات المطلوبة واللازمة للسفن من تموين وإصلاح وتفريغ، وكانت الوسائل المتبعة لتوفير هذه الخدمات للسفن التجارية بدائية وشاقة. ترتكز على سواعد العمال وعضلاتهم ، وكان أبناء المناطق الوسطى في إب وتعز والبيضاء هم الرافد الأساسي لهذه الشركات.
وكانت عدن تعتبر متقدمة ومتطورة قياساً ببقية المدن اليمنية وعلى الرغم من توافد الشركات الملاحية الدولية إلى عدن والتي خلقت فرص عمل كثيرة إلا أن مقاليد أمور عدن السياسية والإدارية والاقتصادية بما فيها الوظائف الكتابية مع الشركات الأجنبية انحصرت جميعها بأيدي الهندوس وحدهم وشاركهم بعض اليهود في النشاط التجاري.
أما ما قدمته بريطانيا لعدن والمحميات من خدمات فلا يساوي شيئاً مما كانت تجنيه منها فكان يوجد ثلاث مدارس ابتدائية ومدرسة ثانوية ومستشفى واحد ومنح للدراسة لبعض أعضاء النوادي الأدبية.
حاولت بريطانيا في 1954م دمج مستعمرة عدن والمحميات في كيان سياسي واحد إلا أنه فشل بسبب التركيز على إعطاء حق الانتخاب لسكان عدن من أبناء الجالية الصومالية والهندية وحرمان أبناء المحميات والمناطق الشمالية من ذلك فكان بداية النضال الذي تزعمته نقابات العمال وظهرت الجمعيات والأحزاب والصحف ، وحاولت بريطانيا بالترغيب والترهيب وأد نشاط القوى الوطنية إلا أن قيام ثورة 26سبتمبر التي وفرت القاعدة الخلفية والمساندة لثورة 14أكتوبر عملت على قيام الجمهورية وطرد المستعمر وبدء العمل في سبيل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية .
الوضع السياسي والاقتصادي بعدن والمحميات
عندما أقدمت بريطانيا في يناير 1839م على احتلال عدن، كان قد سبق ذلك محاولات من قائد الحملة البريطانية تستهدف إرغام المواطنين على التنازل عن عدن مقابل مبلغ من المال، وعندما رفض المواطنون ذلك أقدمت على احتلالها بالقوة بعد قصفها بمدافعها الثقيلة واستمرت المقاومة المسلحة حتى عام 1841م بصورة متقطعة وقام بها المواطنون في لحج وأبين وسقط الشهداء في ساحل صيرة وكان هدفها من وراء ذلك الاحتلال أن تجعل من عدن محطة للتموين بالماء والوقود لأساطيلها التجارية المتنقلة بين موانئ بريطانيا وموانئ مستعمراتها في الهند والصين وبورما وبالتالي لتتمركز فيها قوات عسكرية بريطانية كنقطة حراسة لهذه السفن العابرة إذا ما تعرضت لأي عدوان وقد ارتبطت عدن إداريا بعد احتلالها بالإدارة البريطانية في الهند أهم مستعمرة بريطانية والتي كانت تتبعها إدارياً كل المستعمرات والمحميات البريطانية الكائنة بين مصر والهند.
بعد احتلال بريطانيا لعدن عملت بعض الشركات البريطانية والهندية المتخصصة في الملاحة وتموين السفن على فتح فروع لها في عدن لتقديم الخدمات المطلوبة واللازمة للسفن من تموين وإصلاح وتفريغ.
فقد أقامت هذه الشركات لنفسها في عدن مكاتب إدارية ومراكز للفحم الحجري الذي تستخدمه السفن كوقود لها وورشات صيانة ومنازل لسكن موظفيها وحاويات من محطات التموين إلى السفن وكلها تتطلب عمالاً وموظفين ليعملوا في هذه المرافق فأوجد ذلك نشاطاً تجارياً وعمالياً وعمرانياً في عدن واجتذبت إليها رجال أعمال وعمالاً على حد سواء.
كانت الوسائل المتبعة لتوفير هذه الخدمات للسفن التجارية بدائية وشاقة إذ تستخدم الزنابيل الخزفية أدوات لنقل الفحم الحجري وسواعد العمال وعضلاتهم هي الوسائط في هذا العمل الشاق ولتوفير الخدمات المطلوبة لتزويد السفن بالوقود بأقصى سرعة ممكنة.
وقد وجدت هذه الشركات العاملة في محطة للتموين في أبناء المناطق الوسطى مثل العود والرياشية وخبان وعمار وتعز و إب وجدت فيهم حاجتها من العمال في مجال التموين ووجدت حاجتها من العمال في مجال الصيانة والتحق بالعمل في القوارب البخارية البحرية وورشات الصيانة وخدماً في المنازل والفنادق أبناء الحجرية.
وقد بنت هذه الشركات منازل صغيرة للعمال العاملين في القوارب البخارية وبنت براقات واسعة للعمال الذين يقومون بتفريغ السفن من الفحم أو تزويدها بها مستخدمين الزنابيل الخزفية بنت لهم جميعاً هذه المنازل في جحيف بجوار مستودعات الفحم والأرصفة الخاصة بذلك ليكونوا على استعداد في أي ساعة يطلب منهم العمل في الليل أو النهار.
لذا كانت عدن منذ ذلك الحين تعتبر متقدمة ومتطورة إذا قيست ببقية المدن والموانئ اليمنية الأخرى أو بأية مدينة أو ميناء في الجزيرة العربية وكل ما وجد في عدن من عمران وأعمال أوجده النشاط الملاحي وحده وتمخض عن وجود محطة للتموين فيها .
ولكون عدن إدارياً مرتبطة بأهم مستعمرة بريطانية وهي الهند فقد قدم إليها وتوافد عليها كثير من أبناء الهند الهندوس والمسلمين ومن أبناء المستعمرات الأخرى وبالذات ما كان يعرف بالصومال البريطاني وتوافدوا إليها جمعياً للعمل فيها، كما توافد إليها كثير من أبناء المناطق اليمنية المجاورة والقريبة من الشمال والجنوب على حد سواء وبنسب مختلفة خاصة وقد تطلب عمل تمويل السفن الاستعانة بمئات العمال كان غالبية العمال من أبناء المناطق الشمالية العود والرياشية وعمار وسبب حاجة الشركات آنذاك لهذا النوع من العمل والأيدي العاملة كانت بريطانيا تنوي بسط حمايتها على مناطق العمال هذه التي توفر للشركات حاجتها من العمال كما يقول ضابط سياسي بريطاني في عدن هو الكولونيل جيكوب: «كان خط حدودنا مع الأتراك يقع في أماكن اصطناعية وغير طبيعية وفيها الكثير من المضايقة وتقع بعض المناطق مثل جبن في الجانب التركي وهي المنطقة التي تمد عدن بالكثير جداً من الحمالين للفحم كما تمتد السفن التجارية التي تعبر المحيط بالرجال المطلوبين لإحراق الوقود المحرك للآلات البخارية».
التحاق العمال اليمنيين بالبواخر الأوروبية
كان الكثير من اليمنيين يلتحقون بالبواخر الأوروبية للعمل في إحراق الفحم تحت الخزانات المولدة للبخار في سطوح البواخر لأن الأوروبيين لا يستطيعون تحمل الحرارة بجانب الخزانات خاصة وهم يزودونها بالفحم باستمرار إلى جانب حرارة المنطقة من السويس إلى الهند إذ كانوا يتعرضون للموت إذا قاموا بتلك الأعمال ، لذا كانت البواخر تستخدم اليمنيين والهنود للقيام بتلك الأعمال وقد استغني عنهم عندما حل النفط محل الفحم وقد استقر كثير من اليمنيين في الدول الأوروبية ومستعمراتها منذ ذلك الحين.
بقيت عدن محطة لتمويل السفن بالفحم كوقود لمحركاتها حتى بداية الخمسينات إلا أنه بعد نهاية الحرب العالمية الأولى أنشأت الشركة الإنجليزية الإيرانية ( أنجلو إيران) أول خزانات في جحيف مستودعات للنفط لتموين السفن التي بدأت تستخدم النفط بدلاً من الفحم.
وفي عام 1944م أنشأت شركة ( كالتكس) الأمريكية مستودعات للنفط خاصة بها كما بنت رصيفاً خاصا بها إلى جانب الخزانات في المنطقة المعروفة دكة كالتكس وفي عام 1950م أنشأت شركة أمريكية أخرى ( استاندرد فالكيوم) مستودعات للنفط.
وبسبب هذا النشاط التجاري العالمي الذي اتسع بين الشرق وأوروبا وبعد أن حل النفط محل الفحم كوقود للسفن أنشأت شركة ( أنجلو إيران) مصفاة الزيت في عدن الصغرى البريقة خاصة وأن عدن كانت أكبر الموانئ العالمية وتقع في أهم الطرق البحرية رست في ميناء عدن عام 1958م ستة آلاف باخرة مقابل ألفي باخرة عام 1938م.
فشل بريطانيا في تغيير هوية عدن
منذ عام 1889م تولى إدارة ميناء عدن مجلس خاص مكون من مختلف الشركات الأجنبية وبالدرجة الأولى الشركات البريطانية التي استغلت الميناء وهذا المجلس مستقل لا يتبع الحكومة عدن كما أن دخل الميناء كان لصالح هذه الشركات التي يتكون منها مجلس الأمناء.
إلا أن مقاليد أمور عدن السياسية والإدارية والاقتصادية بما فيها الوظائف الكتابية مع الشركات الأجنبية انحصرت جميعها بأيدي الهندوس وحدهم يشاركهم بعض اليهود والبهرة في النشاط التجاري .
بقيت عدن والمحميات على هذه الحالة أكثر من قرن كامل لا تملك من أمر نفسها ولا لأي من أبنائها أو لغيرهم من أبناء اليمن رأي فيها.
أما ما كانت تقدمه بريطانيا من خدمات لمستعمرة عدن أو ما قدمته حتى نهاية الحرب العالمية الثانية هي ثلاث مدارس ابتدائية في المدن الثلاث: عدن، المعلا، التواهي ومدرسة ثانوية في عدن ومستشفى واحد ( المستشفى الأهلي) وقد قامت النوادي الأدبية التي أسست في مطلع الثلاثينات خدمات في مجال التعليم بإرسال الطلبة لتلقي دراستهم العليا في الخارج أكثر مما قدمته بريطانيا في هذا المجال.
ومع تشكيل النقابات العمالية بدأت الأمور تتغير في عدن وإقرار انتخابات بلدية حاولت به بريطانيا حصر التصويت فيه للهنود والصوماليين إلى جانب أبناء عدن وحرمان أبناء المناطق الشمالية والمحميات منه وبدأ النشاط السياسي يتبلور وتشكلت الأحزاب والجمعيات.
تفجر صراع سياسي على الساحة بين الجمعية العدنية المطالبة بالحكم الذاتي لعدن وبين رابطة أبناء الجنوب المطالبة باتحاد الإمارات المحمية في كيان واحد وكلاهما ضد الوحدة اليمنية .
وحاولت بريطانيا انتهاج سياسة التسفير ضد العمال من مواليد الشمال بسبب فشلها في تغيير هوية عدن العربية فهذا أحد البريطانيين يعترف بذلك قال : «إن أبناء الشمال حافظوا بكثرة تواجدهم على هوية عدن العربية إن لم تقل اليمنية وإلا لكانت عدن بدونهم مقاطعة هندية أو صومالية لكثرة وجود الهنود والصومال فيها وبمنحهم كل حقوق المواطنة مثلهم مثل أبنائها» إلا أن النشاط النقابي كان له أكبر الأثر في الجنوب بالرغم من طرد العمال الشماليين.
حاولت بريطانيا في 1954م دمج مستعمرة عدن والمحميات في كيان سياسي واحد إلا أنه فشل بسبب التركيز على إعطاء حق الانتخاب لسكان عدن من أبناء الجالية الصومالية والهندية وحرمان أبناء المحميات والمناطق الشمالية من ذلك فكان بداية النضال الذي تزعمته نقابات العمال وظهرت الجمعيات والأحزاب والصحف ، وحاولت بريطانيا بالترغيب والترهيب وأد نشاط القوى الوطنية إلا أن قيام ثورة 26سبتمبر التي وفرت القاعدة الخلفية والمساندة لثورة 14أكتوبر عملت على قيام الجمهورية وطرد المستعمر وبدء العمل في سبيل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.