هناك رسالة واضحة للمثقف، لكنها غدت اليوم مشوشة, في ظل ما يعتمل, دور غائب, وعمل غير منظم, وواع كما يقول الكثير, ومن المثقفين أنفسهم, هناك ضبابية وتهميش وربما إقصاء, لكن يبقى الأمل في نخبة ما زلنا إلى اليوم نعول عليها, فركب كبير من المثقفين تركوا الأثر واضحاً, ثم أفضوا إلى ما أفضوا إليه, وهو الأمر الذي يحتم علينا أن نعالق الانشغالات الإنسانية والوطنية غير مبتعدين كثيراً من انسحاب وربما غياب فموت.. الأسئلة وحدها تبقى تبحث عن إجابات محددة ودقيقة, أين هم الأدباء والمثقفون في ظل ما يعتمل في الوطن..؟ أين هي رسالته وما الدور الذي من الممكن أن يلعبه المثقف؟ الثقافة والفكر والأدب.. ومصطلحات أُخر, هل هي أحوج للاصطفاف الشعبي, وذلك لتدارك دورهم الغائب؟ كيف تلعب المعرفة دوراً في إيجاد أرضية مشتركة تتجسد فيها قيم التعايش والسلام؟.. كل ذلك كان محاولة للسبر في مخيلة المثقف ومعرفة ماذا تكتنز وكيف ترى المستقبل.. تهميش البداية كانت مع الكاتب والقاص محمد الغربي عمران, والذي علق مؤكداً بأن أدباء اليمن يعانون من سياسات التهميش والإقصاء التي مورست عليهم منذ سنوات خلت, وما زالت تمارس, وكأن الأديب عدو أو مرض معد، فالأديب والمثقف عموماً مستهدف كما قال من قبل القوى الحزبية ومن السلطة والجماعات المذهبية والانفصالية.. مستهدف لتدجينه وتحويله إلى إمعة أو أبواق تتبع سياساتهم التي لاهم لها إلا مصالحهم الشخصية. تغييب وحول الدور المفترض لاتحاد الأدباء يرى الغربي بأن الأمل كان معقوداً فيه, إلا أنه قد تم تغييبه وتغيب جميع الأعضاء من قبل قيادته الحالية, ولذلك أصبح اتحاد الأدباء كالبيت المهجور والآيل للسقوط. مضيفاً: فالمعرفة هي أهم سلاح.. لكن بين الأدباء تحولت إلى معرفة من نوع آخر فهذا يروج للسلالية وهذا للمذهبية وهذا للتشطير.. لكن علينا كمثقفين أن نقف موقف النصير لقيم الخير.. ومنها الحرية والعدالة والمساواة وقيم الديمقراطية والوحدة.. علينا أن نتكاتف مع قيم وثوابت إنسانية عظيمة تفضي إلى وطن يقبل بالتعدد, دولة مدنية فيها المساواة والحرية والوحدة والديمقراطية. وهم أما الأديب حامد الفقيه فيرى بأن المثقف ليس معجزاً أو فائق الفعالية كدواء, فالرجل المريض لا يمنح المتخمين بعللهم أملاً بالشفاء وإن أوهمهم بحذلقته بذلك.. إلا أن دواخلهم تعج ببوح الاستحالة. مضيفاً: ونحن نعرف تماماً أن الكائنات المثقفة أو ما يسمى وهماً ب (المثقف) قد ابتلتهم السياسة بأمراضها.. وقد شملهم موج السياسة بزبد أعمى الرؤية, فصاروا أبواقاً تنعق بما يمليه عليهم الآخر.. فتأخر كثيراً نقاء المثقف وحياديته وغلب السياسي على المثقف الإنسان أو رجل الحكمة والتنوير والحلم. حلم ويواصل الفقيه تبرمه من مشهد لا يرى فيه المثقف الحقيقي, الذي يكون في صف المظلوم لا العكس بقوله: لقد مات فينا الجاوي منذ زمن, ومعه حلمه في مشروع مثقف, فصار المثقف مفتت الجسد والصوت, فبين التابع والمتبوع وثالثهم الأخرس بشياطينه, تنتظر موجة المنتصر لتعلن الولاء وتمده ببيعة الكفاح وجدوى المسار, فيعيش يقتات خبزاً ولعنات.. ولكي لا أزيد من واقعنا سوداوية, أسعى أن أكون حالماً بدور للمثقف ولو جزافاً, لأمدح الجيل الذي لم تُشبع جرابه هدايا السياسي ولم تلصق فمه حماقات الولاء الرخيص ولم تعمه أيديولوجيا التعبوية.. فأعول هنا على جيل من الشباب بصرخة قلم وصدق ضمير تجاه قضايا الوطن والإنسان معاً, ليتزعموا وقفات الحياة نحث الخُطى بالمسير نحو الحياة كل الحياة ونهتف بملء أرواحنا للسائرين.. منابر “المشكلة الحقيقية ليست في الأدباء والمثقفين, بقدر ما هي في تعمُدٍ التهميش الواضح لدورهم الذي من المفترض أن يكون هو الدور الريادي والنموذجي”, هذا ما يراه صدام المقطري، والذي يضيف: المؤسسة الأولى للثقافة “وزارة الثقافة” كل يوم هي من سيئ إلى أسوأ, إضافة إلى أن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة, جميعها تابعة للنخب السياسية في البلد, وهنا يصبح المثقف ضحية أن يكون مع طرف ضد طرف أو أطراف أخرى, وفي هذه الجزئية بالضبط يُفقد دوره إذ لا توجد منابر إعلامية يمكن الاعتماد عليها لتجسيد الدور الحقيقي للمثقف وإظهار أعماله بمستوى يتيح للناس متابعتها ومن ثم الاستفادة منها. اصطفاف “وفي حال أردنا أن نعيد دور المثقف الريادي في المجتمع “، يؤكد المقطري بأنه لابد من أن نتبع استراتيجية, حتى نمّكن للناس شيئاً فشئياً إدراك أهميته ودوره, وبالتالي لابد من اصطفاف حقيقي للمثقفين وتكاتفهم مع بعضهم البعض, مع العلم أن هذا لن يكون بالأمر الهين حتى يمكن الضغط على السلطة, لكي تدرك أهمية المثقف ودوره المهم جداً في المجتمع, ومن ثم العمل على الدفع به نحو الاستقلالية من خلال وزارة الثقافة ودعمه الدعم المادي والمعنوي الذي يجنبه استغلالات الآخر له, من خلال حاجته إلى لقمة العيش والحياة الكريمة. خفوت محمد الحريبي، وبأمل كبير يبدأ كلامه بأن الأدباء والمثقفين لم يختف دورهم تماماً, بل إنك ستجدهم هناك يُشعلون الصُبح ويؤنسنون الزمن, هم فقط هُمشوا ووقع عليهم التجاهل, فخفت صوتهم وتواروا في أوراقهم, لم يخذلوا الوطن ولن يخذلوه, لكنهم لا يمتلكون له شيئاً, طالما وهناك من هو مشغول ببذر الكراهية فليمنحوا الفرصة كما يرى الحريبي، فلديهم ما سيفعلونه فبالكلمة سينبتُ الحب والتسامح, ولسنا اليوم في حاجةٍ إلا إلى الحب والتسامح فالاصطفاف لا يُشبع وطنا جائعاً ولا يُثمر تسامحاً, الوطن اليوم بحاجةٍ لمن يؤنسن علاقات أبنائه, بحاجة لمن يعلمهم، فهناك استغلال لجهل الناس ودفعهم إلى خصومات غبية, وهناك زرع للكراهية في قلوب البشر, كل هذا لن يوقفه إلا نشر الحب وإعلاء قيمة الحياة. تفاؤل أخيراً، يعتقد أحمد عطاء، أن المثقفين تعرضوا لعملية تفكيك ممنهجة, لذا انحاز بعضهم إلى طرف, والآخر إلى جهة أخرى, مضيفاً: ويسوءني جداً ما هم عليه الآن باستثناء القليل وهم الأنقى ممن لم ينحنوا كثيراً إلا بمقدار مرور العاصفة.. فنراهم يحلقون في سماوات التفاؤل والأمل. فالمعرفة وبناء الشعب معرفياً, سينعكس على تصرفاته وسنجد أنفسنا شعباً متطوراً ينبذ السلاح و يكفر بلغة البارود, بل يؤمن بلغة القلم, فالناس تحتاج هذا فبالعلم سنجعل الوطن خصباً لنعيش فيه باختلاف مذاهبنا وشتى مشاربنا. استيقاظ وعن الدور الذي من الممكن عليهم فعله يختم عطاء حديثه بالقول: علينا الاستيقاظ المستعجل والالتفاف نحو بعضهم ليكونوا على رأي واحد ليكتبوا للشعب رسائل تحفيز وبث للطمأنينة, فيكتبوا رسائل الاستعداد وشد الهمة وأن يكونوا رجال مرحلة تتطلب الصبر, والنظر إلى ما يهم الوطن وحاضره ومستقبله. فالوطن بحاجة إلى طوفان ثقافي أو ما يسمى باصطفاف ثقافي واسع, كي نتمكن من فهم ما يحدث على أرض الواقع, وكي نتمكن من الوقوف بجوار الخيار الصائب. فعلينا أن نقتنع بأن وطناً بلا ثقافة وطن ميت.