مما لا شك ان هناك فرقا شاسعا بين الثقافة في بلدان أخرى والثقافة اليمنية .. حيث في مجتمعنا تشهد الثقافة ملاسنات وعدم الاهتمام والنظر من قبل الجهات الرسمية بالذات ، في الوقت الذي تبعث روح الحياة الثقافية وتتفتح نبضات روادها وتتكاتف صناع مستقبلها نحو يمن جديد . لتكوين بيئة ثقافية متنوعة . رغم المعاناة التي تتربص وتتسلق على جدران إبداعاتهم وتطلعاتهم الثاقبة! فالثقافة هي مجموع القيم والمشاعر الجمعية لتفاعلاتنا اليومية نحو واجبنا كأفراد تجاه أنفسنا ومن حولنا ونحو الوطن . كإطار جامع تذوب فيه الهويات , وما هو واقع وبشكل حقيقي . وعليه ترتكز الثقافة كمحور أساسي صوب التنمية والازدهار والارتقاء الفكري والمعرفي والتنوع الحضاري .. هو ان الوطن وليد فكرة الثقافة وصانع مجدها. فالهوية والشعور بالانتماء لا يكفيان لميلاد وطن يعج بالحياة. ما لم يكن لهذا الميلاد حفلة من نور. يشعل فيه المثقف شمعة الميلاد، ويرسم خريطة المستقبل. ومع كثرة الضجيج، وغياب الحلم البعيد، وقطع للثقافة حبلها الوريد ، فما هو حال المثقف اليوم وما هو واقع الثقافة في اليمن السعيد؟!! تحديات الثقافة الكاتب يونس هزاع يقول : لا يمكن الفصل التعسفي بين الواقع العام ، وواقع الثقافة اليمنية التي هي جزء لا يتجزأ من هذا الواقع تؤثر وتتأثر به سلباً وإيجاباً .. غير أن المعطيات والتفاعلات المعتملة في الواقع كثيراً ما تشكل تحديات للثقافة والمثقف أو بتعبير آخر المبدع إذا ما اعتبرنا الثقافة فعل إبداعي يتشكل من حالة الأدب والفكر والفن والموسيقى والتراث .... وغيرها من مكونات الثقافة .. البعض يعتبر أن هذه التحديات عامل إيجابي قد يدفع المثقف أو المفكر إلى المزيد من الإبداع لهذا جاءت مقولة : ( أن المعاناة العظيمة تخلق الرجل العظيم ) .. في رأيي أن المثقف مهما كانت التحديات التي تواجهه سواء في البيئة التي من حوله ، أو ما يعيشه من ظروف ، أو في عدم توفر البنية التحتية من مسارح ، ومنتديات ، ودور كتب يجب أن يسهم بشكل إيجابي في الارتقاء بوعي المجتمع الذي يعيش .. وأن يتمثل في ما يقدمه من إنتاج إبداعي معاناة المجتمع وطموحاته هو كمثقف في الانطلاق بهذا المجتمع نحو الأمام .. باعتبار المثقف ، أو المفكر ، أو الفنان ، أو الأديب هو عنصر من عناصر النخبة الفكرية التي تقود المجتمع ... وعلى الرغم من التأثير الذي يتسم بالسلبية أحيانا في علاقة المثقف بالسياسي يجب على المثقف ألا يتحول إلى عنصر تابع بشكل مطلق للسياسي سواء تحت ضغط الحاجه أو ضغط الانتماء الحزبي .. يجب أن يسهم المثقف حتى وهو في موقعه داخل الحزب في تنمية دور العملية الثقافية في بناء تنظيم سياسي متحرر من ضغوط التخلف والجهل وأن يمارس أنماط مختلفة من الإبداع الذي يرفع تدريجياً من سقف تحرير الطاقات الإبداعية بما يخدم الفرد والمجتمع اليمني بشكل عام ، ويقع على الوسائط الإعلامية مسئولية إبراز دور المثقف إعلامياً في الفضائيات والصحف والإذاعات والمواقع الإلكترونية. وضع لا يُحسد عليه الكاتب والباحث ثابت الأحمدي قال : واقع الثقافة جزء من الواقع العام للبلد ، الذي يعكس حاله على كل المستويات. وفي تقديري ان الثقافة اليمنية في الوقت الحالي تعيش وضعا لا يُحسد عليه من حيث تراجع خطابها بدرجة رئيسية . إذ لم يعد الخطاب الثقافي اليوم يصنع رأياً عاما أو يساهم فيه على الأقل بقدر ما أصبحت السياسة هي الفاعل الأول في ذلك. ولربما كان الخطاب الثقافي في خمسينيات العقد الماضي وما بعدها حتى الثمانينيات تقريباً ارفع شأنا واعلى صوتاً مما هو عليه الآن. وأرى بأن السياسية اشتغلت بالمثقف اليمني بصورة مباشرة بعيداً عن الحقل الثقافي ذاته الذي أتى منه. وأضف إلى ذلك عوامل أخرى منها التوجه العام لدى السلطة في تشجيع مثل هذا النمط من الأداء الثقافي والذي أصبح تابعاً لا متبوعاً. الثقافة غائبة الإعلامي رداد السلامي بدوره قال : الثقافة في اليمن غائبة والعقل المثقف يعيش حالات تجاذب بين أقطاب وقوى مختلفة وبالتالي أصبح المثقف مذبذب بين قوى الصراع وغير قادر على رسم مساره التنويري الهادف إلى تعزيز مسألة التحضير والتمدن والعقلية القادرة ، فالثقافة في اليمن تعاني من ضمور واضمحلال ، ومن تشظي وتشتت يفتقر المثقف اليمني ذاته إلى المقومات الذاتية التي تجعله يمتاز بالاستقلالية والانفكاك من الاستقطابات التي تضغط الظروف المادية للرضوخ لها بفعل انعدام الإمكانيات المادية اللازمة لاستقلاله. إشكالات كثيرة وقال الكاتب والأديب/ عبدالرقيب البكاري : الحديث عن المثقف جزء من الحديث عن القوة التغييرية في أي مجتمع ومعاناة المثقف هي في الحقيقة انعكاس عن معاناة هذا المجتمع , لكن المعاناة ليست مبرراً للتملص من المسؤولية والتوعية لأن التغيير الإيجابي يبدأ من المثقف وينتهي به، في اليمن هناك إشكالات كثيرة تقف حائلاً أمام دور المثقفين في التغيير المجتمعي، سلبيات في بنية المجتمع، الولاءات التي تقدم فروض الطاعة وتسعى نحو تغييب العقل، لأن المثقف التنويري يستهدف العقل ودوره النهضوي والتحرر من الماضويات المترسبة في الوعي المعتمد على التراث الذي يتصادم بدوره مع مفهوم النهضة والتقدم وبناء على ذلك فإن المثقف لا يتحمل وزر السلبيات التي يعشها المجتمع كلها لكنه يتحمل جزءاً منها، باعتبار أن الثقافة مفهوم عام وشامل يدخل ضمنه ثقافة حقوق الإنسان وحقه في التعليم والتعبير والحياة الكريمة ورفض التبعية المطلقة ثم إن بنية المجتمع اليمني - وإن تغيرت بشكل كبير منذ انتهاء العهد الإمامي - لكنها مع ذلك تفتقد للمرونة التي تعطي المثقف دوره القابل للتفاعل بشكل إيجابي نحن نلاحظ الكثير من السلبيات كالاستبداد الاجتماعي في بعض المناطق نتيجة انعدام وسائل التثقيف التقليدية أو الجديدة, وهذا يقتضي تكاتف الدور الرسمي مع دور المنظمات الإعلامية والنخب الثقافية، المشكلة الأخطر بنظري هي ارتهان المثقف لدور القوى التقليدية الاجتماعية وهذا يعني أن المثقف يخون مستقبل بلده وهي أكثر أنواع الخيانات قرفا ليس بالضرورة أن يحصل التصادم بين النخب التنويرية وهذه القوى لكن من الضروري أن يحدث التمايز, للتوضيح : التحاكم إلى العرف بما يثقل كاهل المواطن، أجرة العسكري ، حرمان المرأة من الميراث والتعليم ، زواج القاصرات ، الثقافة الطائفية, إلخ إذ يمكن القول بأكثر الأحوال أن هذه السلبيات نتيجة غياب رسالة المثقف التنويرية في بعض المناطق دون بعضها الآخر، وربما من الجدير ذكره أن الثقافة نفسها تحتاج إلى هيكلة بنيوية تبتدئ بالتعريف عن نفسها لتثبت حضورها أولا، إثبات الحضور البارز خطوة متقدمة لمدى إسهام رسالة التنوير في التغيير ووضوحها عند المتلقي ليميز بينها وبين الموروث الاجتماعي بجوانبه السلبية، هناك من يغرد بعيداً عن السرب ويقدم خطاباً ثقافياً بعيداً عن الواقع كالحديث عن ما بعد الحداثة والإيغال في نخبوية الخطاب الأدبي وانعزاله عن يوميات الإنسان العادي مما يساهم في رفض المثقف اجتماعياً.. إننا بحاجة إلى مثقف حقيقي وثقافة حقيقية تتمثل في رسم خارطة حقوقية تنويرية توعوية اجتماعية الأدب والإعلام وحقوق الإنسان والتوعية الديمقراطية السياسية الحيادية و ثقافة حماية الطفولة من استغلال القوى الظلامية والاجتماعية ثقافة التعليم المهني وتشجيع الإبداع إلى آخر ذلك فعندما يتم تعريف الثقافة يعي المثقف رسالته وبالتالي يحدث التجاوب ولا يمكن بطبيعة الحال أن ننكر دور المثقف فما سبق ليست نظرة سوداوية إنما واقعية قد يجانبها الصواب أو يحالفها, فلم تكن جمهوريتنا التي نعيشها الآن سوى صدى دعوة المثقفين المتنويرين رغم وسائلهم المحدودة أيامها لكنها وجدت تجاوباً اجتماعياً ذلك يعطي الأمل بحدوث تغيير حقيقي في قادم الأيام سيما ما نراه من انتشار لوسائل النشر الإلكتروني. عراقيل وصعوبات الكاتبة نعائم الخليدي تقول: لا مجال للحديث عن واقع الثقافة اليمنية في بيئة يغيب عنها أهم الأعمال والسلوكيات الثقافية التي تصنع الواقع الثقافي وترسم له ملامح الوجود أين المسرح والسينما والأدب من شعر ورواية أين الفن التشكيلي والغناء ؟! الإجابة هي من تصدح بحقيقة الواقع الثقافي في اليمن التي وإن وجدت تبقى مغلقة في نطاق لا يخرج عن اطار المجهود الفردي الذي هو الآخر لا يسلم من العراقيل والصعوبات التي تقف بطريقة في ظل تراجع دور المؤسسات الثقافية التي تعد بأرقام لا تتجاوز العشرات. انتكاسة ثقافية الناشطة الشابة ربا عبدالحميد جعفر من جانبها قالت : في كل مكان الثقافة سلاح الشعوب إلا في موطني فالثقافة هي السلاح الموجه ضد أبنائها , وهي السيف الذي يهدد حياتهم ويقط رقابهم , في موطني فقط المثقف ليسَ له وزن ولا كيان , وكأن كينونيتنا صارت عبثاً. ها هو ذا واقعنا يفضحنا ويجرحنا ويحرجنا ويقهرنا , هيَ انتكاسة ثقافيه بكل ما تعنيه الكلمة من معنى , مثقفون ولكن وضعهم الزمان على هامشه آرائهم تتبخر وكلماتهم تتتعفن وأفكارهم تُقتل تُغتال بل تدفن حيه.. ان واقع الثقافة اليوم أشبه برجل عجوز لا يقوى على الوقوف على رجليه مستلقياً على فراش الموت منتظراً أيامه الأخيرة يتنفس بصعوبة وأنبوبة الأكسجين على فمه تهبُ له زخات من الهواء كي يعيش للحظات. الثقافة في موطني تتقدم بخطواتِ متسارعة ولكن نحو الخلف فمن يصدق ان أغلب من يدير المكاتب هم من طبقه الأميون ومن يترأس المثقفون هم الطبقة اللاواعية أي ان المثقف عبارة عن ضمير مستتر تقديره أقعد مكانك ولا تتحرك فحياتك في خطر فأنتَ متهم بصياغه وحباكة الحروف متهم بتحليل الواقع والتخطيط للمستقبل ونسيان الماضي في بلادنا اليمن بالأخص تعز , المثقف ينظر إليه نظرة المجرم منبوذ بسبب صدق حروفه المتهم الأول في كل المشاكل , بالمختصر نحن نعاني من أنيميا حادة في الثقافة إذا اهملنا علاجها سوف تقتل ما تبقى لنا من تراث لا نزال نحيا عليه.