طلقة راجعة، عيار طائش، لفظان يحملان في طيهما معاني كبيرة ومآسي عديدة وأوجاعاً لا تنتهي جرّاء العواقب الوخيمة التي تخلّفها القضايا الجنائية المندرجة في إطار حوادث الطلقات النارية الطائشة والراجعة من الجو ومصدرها عادةً ما يكون مجهولاً ومطلقوها غير معروفين، وبالكاد يستطيع المعنيون في أجهزة الشرطة والأمن تحديد مصدرها من بين عدة مصادر إلا أنها غير قادرة على تحديد هوية الشخص الذي أطلق النار وصاحب الطلقة النارية التي أصابت هذا وذاك من ضحايا الاشتباكات النارية وإطلاق النار في الأعراس والأفراح والمناسبات التي تعتبر من أهم مشاكل ومسببات إصابات وضحايا الطلقات النارية الطائشة والقاتلة مجهولة المصدر.. جريمة هذا الأسبوع على علاقة بتلك الحوادث المؤلمة والمؤسفة جداً، فأحد الشباب في محافظة إب وأثناء مروره من أحد شوارع المحافظة قاصداً شارعاً فرعياً آخر وبدون سابق إنذار وأثناء ترجّله وعلى عجلة من أمره وكان هناك ثمة أمر ما وشيء هام ينتظره ويقصده هو ذاته، يقع أرضاً وسط ذهول العامة من الناس والمتواجدين في ذات الشارع المزدحم نوعاً ما بالمواطنين الذين تجمهر البعض منهم في مكان سقوط الشاب ووقتها وجدوه مضرّجاً بدمائه وتحديداً في الرأس وكأن شيئآً أصابه. هبّ الجميع لإسعافه، وفعلاً نقلوه إلى أقرب مستوصف في المنطقة والشارع الرئيسي، وصلوا بالشاب إلى المستوصف وهناك باشر الأطباء في علاجه وعمل كشافة محورية لمكان الإصابة وكانت في الرأس والنتيجة لتلك الإجراءات خطيرة وحياة الشاب في خطر وخطر كبير يهدّد حياته التي لم تستمر إلى مغرب ذلك اليوم من وقت الظهيرة وهو يقارع الموت حتى لاقاه وباغته متأثراً بإصابته البالغة ليغادر دنياه وهو لا يعرف من أصابه ومن هو الجاني عليه، حيث اتضح أن ما أصاب الشاب هو عيار ناري راجع من الجو وهذا ما يعني أن الحادثة جنائية بحتة، و مثّلت تلك الطلقة الطائشة نهاية مؤلمة لحياة الشاب وقتلت أحلامه وآمال أسرته وأنهت مستقبله وأزهقت روحه باطلاً وبدون وجه حق أو ذنب يُذكر. تبلّغت الأجهزة الأمنية بالواقعة ووفاة الشاب وكيّفت القضية بحادثة قتل وعلى ضوء المعلومات الأولية والبلاغ الأولي باشرت في اتخاذ الإجراءات القانونية وكانت نقطة البداية بأخذ أقوال المسعفين والانتقال للمكان الذي أصيب فيه الشاب ومن هناك تم إجراء التحريات والبحث وجمع المعلومات اللازمة حول مصادر أي إطلاق نار شهدته المنطقة التي سقط فيها القتل وضواحيها وما بعدها. توصّلت الأجهزة الأمنية إلى عدة نقاط ومعلومات وخيوط هامة لا تخرج عن حوادث إطلاق نار واشتباكات مسلحة شهدتها إحدى المناطق القريبة من مكان الحادث ولكن هناك معلومات أخرى ومؤكدة أن هناك إطلاق نار وقع في حفلة عرس أحد الشباب وبهاتين المعلومتين اختلطت النتائج ببعضها البعض وبقدر ما كانت مهمة وإيجابية إلا أن الأمر بالمعلومة الأخيرة زاد من تعقيد النتائج ولكنها لا تخرج علاقتها بحادثة الإصابة التي وقعت بالشاب وأدت إلى وفاته ومقتله. عقب التوصل إلى هوية أطراف الاشتباكات النارية والعرس تم ضبط عدد ممن لهم علاقة وارتباط بذلك وتوقيفهم ومباشرة التحقيقات معهم، إلا أن الأمر كما أسلفت زاد تعقيداً وغموضاً من صاحب العيار الناري الذي قُتل به الشاب؟ وهذا شيء من الصعب تحديده في ظل تشابك الأمرين والحادثتين “الاشتباكات و العرس” وهذا ما جعل الشرطة تقف حائرة أمام قضية مقتل الشاب بطلق ناري طائش وراجع من الجو وبشكل عمودي ومائل إلى أعلى. مع تلك النتائج والحيرة والغموض تدخلت عدد من الشخصيات الاجتماعية والوجاهات والأعيان في المنطقة بهدف حل القضية ودياً وبما يضمن عدم ضياع دم الشاب وروحه هدراً وبعد شد وجذب ووساطات ووضع الجميع أمام الأمر الواقع في نتائج تحقيقات الأمن والشرطة وإن أكملتها النيابة لن تصل إلى هوية الجاني الرئيس في مقتل الشاب ووضع مقترح “حل ودّي” مع أولياء الدم الذين تعد ظروفهم المادية صعبة ويصعب عليها أن تتابع القضية وتقوم بتنصيب محامٍ لمتابعه ذلك في النيابة والمحاكم وربما لن يصلوا إلى نتيجة مريحة وإيجابية توصلهم إلى قاتل ابنهم في ظل ما تعرف به محاكمنا من الإطالة بالتقاضي وعدم البت السريع في مختلف القضايا وخاصة القتل الواضحة فمابالكم بقضية ابنهم غير الواضحة، ما جعلها تقبل بالحل الودي والقبلي الذي يقضي باختصار شديد بدفع دية شرعية لأولياء الدم وأي مخاسير أخرى مقابل الدفن وتحرير تنازل شرعي بذلك وهذا ما تم بالفعل. قامت الأسرة بطلب تسليهما جثة ابنها لغرض الدفن وقامت بعد استلامها لها بدفنها فعلاً بحضور ممثلين عن الأطراف “الوسطاء وأصحاب المقترح والحل الودي” وعقب الانتهاء من مراسيم التشييع والدفن والانصراف من مقبرة الموتى اتجه الوسطاء ومعهم ممثلون عن أولياء الدم أحدهم يحمل وكالة رسمية من والد ووالدة القتيل وفي أحد الأماكن تم إنهاء القضية بموجب الاتفاق السابق استلم ممثلو أولياء الدم الدية الشرعية لدم وحياة الشاب وبدورهم حرّروا تنازلاً شرعياً وصحيحاً عن القضية وتم توثيقها في المحكمة المختصة وبها تم حسم القضية وما كان بعد ذلك من الشرطة إلا إخلاء سبيل من احتجزتهم لديها على ذمة القضية الغامضة. هكذا كانت النهاية الأنسب بالنسبة لأولياء الدم والأطراف الأخرى والصلح خير وإن كان الأطراف يبرئون أنفسهم وعلاقتهم بالحادثة إلا أن الوسطاء أقروا ذلك الصلح كمخرج نهائي إلا أن حوادث الاشتباكات النارية وإطلاق النار في الأعراس والمناسبات لا تزال توقع المزيد من الضحايا، فهي ظاهرة تؤرّق الجميع والمجتمع عامة، وتحتاج لممارسة ومكافحة للإقلاع عنها وأن تقوم الجهات المعنية بواجبها الوطني حيال ذلك وأن يقوم القضاء بالبت في كافة القضايا المتعثرة والمنظورة لديه.