لقد صنع الاستفزاز الذي تلقاه لاعبو منتخبنا الوطني من العجوز البحريني عيسى بن راشد بأنهم أجسام غريبة في نقوسهم فعل السحر.. فشحذ هممهم، وضاعف عزائمهم، وقوّى شكيمتهم، وأعطاهم القدرة التي قيدوا بها مهاجمي المنتخبات التي قابلوها في مجموعتهم، وبثوا الرعب في الخطوط الدفاعية لها، ولولا قلة الخبرة لشباب منتخبنا لخطفوا النقاط الثلاث كاملة أمام الأحمر البحريني والعنابي القطري ونقطة التعادل من الأخضر السعودي.. وبدلاً عن أن يكون منتخبنا “ملطشة” للمنتخبات الثلاثة إذا به يبث الهلع في أوساطهم، ويسحب الإجماع من المراقبين والمحللين والمهتمين الرياضيين العرب والخليج، على أنه قادر على العبور وجعلها هي جسوراً لعبوره نحو المربع الذهبي لبطولة خليجي 22.. منتخب المفاجأة وهو ما دفع وزير الشباب والرياضة رأفت الأكحلي في أول تصريح له إلى أن يتفاءل بقوة عندما أكد أن منتخب بلادنا سيكون الحصان الأسود في خليجي 22 بعد المردود المتميز الذي قدمه في استهلالية مشواره بالبطولة، وتعادله أمام المنتخب البحريني سلبياً وقال: إن الظهور القوي لمنتخبنا الوطني في بداية مشواره بدورة الخليج أوجد لدينا حالة من التفاؤل بمستقبل هذا المنتخب، خصوصاً أنه يضم في صفوفه مجموعة من اللاعبين صغار السن. ونشعر بأن هذا المنتخب سيكون مفاجأة هذه النسخة من البطولة الخليجية، بعد أن أجمع الكل على أفضليته في المباراة الأولى، ونحن نضع عليه آمالاً عريضة، لذلك تابعنا دعمه ووفرنا له الإمكانات والمناخ الذي يجلب للاعبين العطاء بعيداً عن الضغوط ومؤثراتها خصوصاً في ظل ظروف المعاناة التي يعيشها اليمن بسبب عدم الاستقرار. وأشاد الأكحلي حسب البيان الإماراتية بالدور الكبير للجماهير اليمنية على ملعب المباراة وقال إنها كانت فاكهة المدرجات للأسلوب التشجيعي المميز الذي انتهجته في مؤازرة لاعبي المنتخب منذ البداية وحتى النهاية.. وبالفعل فقد كان ما توقعه اليمنيون من منتخبهم فصار منتخب المفاجآت الذي يخشاه أكبر المنافسين لحصد اللقب الخليجي وضع له المدربون لها حساباً كمنتخب مفزع وتخشى أن يعبرها ويتجسرها إلى المربع الذهبي. والسؤال الأهم هنا ماهي الأسرار والأسباب التي حدثت فتحول بها منتخبنا الذي كان خارج الحسابات إلى منتخبٍ يتسبب في إرباك الحسابات ويحدد من يبقى ومن يغادر من مجموعته بما يفرضه عليها من نتائج وليس بما تفرضه المنتخبات الثلاثة عليه من واقع ووقائع..؟؟ وللإجابة عن هذا السؤال الكبير يمكننا رصد عوامل النجاح لمنتخبنا الوطني في خليجي 22 في مشاركته السابعة، وأسباب الإخفاق لمنتخباتنا في المشاركات الست الماضية في الآتي: أسرار الإخفاقات في 6 مشاركات 6 مشاركات متعثرة في بطولة خليجي كان أعظم الأسباب التي دفعت إلى الإخفاق هي سوء الإدارة الاتحادية في التعامل مع الأجهزة الفنية وفرض كشوفات بأسماء لاعبي المنتخب على المدربين وعدم الالتزام بتنفيذ البرامج لهم ولا يلتفتون إلى المشكلات التي يتعرض لها اللاعبون خلال المشاركات ومنها تأخير صرف مستحقاتهم المالية، منذ بداية المشاركات اليمنية التي كانت في عام 2003م ضمن بطولة خليجي 16 بالكويت وأنهيناها بالحصول على النقطة الأولى من تعادل إيجابي مع المنتخب العماني بهدف لمثله في المباراة الافتتاحية التي كان فيها نظام البطولة أن يلعب الكل مع الكل وقاد منتخبنا وقتها اليوغسلافي ميلان زيفاندوفيتش الذي تم اختياره قبل انطلاق البطولة بشهرين تقريباً ولم تتح له الفرصة لاختيار اللاعبين، وأخذ كشفاً بأسماء لاعبي المنتخب وخاض بهم المنافسة الخليجية الأولى بالنسبة لليمنيين وعلى الرغم من تحقيق المفاجأة أمام عمان بالتعادل إلا أن تلك النقطة كانت هي بيضة الديك وأقصى ما فعله المنتخب.. ونتيجة لتسرع الاتحاد الكروي ولخبطته تم إقالة المدرب الذي لم تتح له الفرصة ولم يثبت مع المنتخب مثله مثل من سبقه من أحمد لوسيانو البرازيلي وزوران جورجيفيتش اليوغسلافي وأبو رجيله المصري وبذات الطريقة هوشلية وارتجالية في التعاقد مع المدربين وإقالتهم. وفي أجواء غير صحية في الاتحاد الكروي تم التعاقد مع المدرب الجزائري رابح سعدان في العام 2004 لقيادة منتخبنا في خليجي 17 وقبلها في تصفيات آسيا وتحقق على يديه أول فوز يمني باهر على الأبيض الإماراتي بثلاثة أهداف مقابل هدف وكاد منتخبنا يتأهل واحتاج فقط لهدف لتحقيق ذلك آسيوياً.. ومع أن المدرب رابح سعدان كان الأفضل وقدم برنامجه المتكامل ووضع اتحاد العيسي في الصورة بأنه يحتاج إلى خمس سنوات ليصنع منتخباً يمنياً قوياً، إلا أن التعامل الاتحادي معه كان مصلحياً، فبمجرد ما شارك به آسيوياً بدأت في خليجي 17 التي أقيمت في قطر وتعادل في الافتتاح مع المنتخب البحريني بهدف من ركلة ثابتة. ثم أتى من بعده المدرب المصري محسن صالح لقيادة المنتخب اليمني ففقدنا نقطة التعادل لمنتخبنا التي كنا قد حافظنا عليها في افتتاح خليجي 18 بالإمارات أمام العملاق الكويتي بهدف لمثله سجله علي العمقي، وعرفمنتخبنا بعد المشاركات الثلاث ب”منتخب أبو نقطة “.. وبمثلما ظهرت أفانين الاتحاد في التطفيش ولم يمنعهم من إقالة رابح سعدان سوى الشرط الجزائي الذي آثر العودة إلى بلاده.. فإن محسن صالح بعد الخسارة من المنتخب السعودي بسداسية في خليجي 19 بمسقط العمانية تمت إقالته.. وتراجع أداء منتخبنا في المشاركة التي أقيمت في عدنأبين عام 2010م برباعية الافتتاح من الأخضر السعودي وكان المدرب وقتها الكرواتي يوري ستريشكو الذي أتيحت له الفرصة الكاملة لتنفيذ برنامجه ونجح في المشاركة الآسيوية إلا أن الخلل الإداري الاتحادي بقي واضحاً في إبقاء الضغط على المدرب لإشراك بعض اللاعبين ممن ثبت ضعفهم في المشاركة الآسيوية فكانت الأخطاء الفردية سبباً للخروج الكارثي في خليجي 20 وبعده خليجي 21 أيضاً بقيادة المدرب البلجيكي توم سين فيت. ومن الأسباب أيضاً سوء اختيار التشكيلات للمنتخب الوطني، فاللاعبون الذين انضموا إلى تلك المنتخبات لم يكونوا في جاهزية بدنية وفنية لائقة بسبب أنهم أتوا من دوري ضعيف لا يستقر ولا يستمر، بل يتوقف ويبدأ على عكس كل الدوريات في العالم إضافة إلى اللخبطة الناتجة عن الحالة الأمنية غير المستقرة والأزمات المالية وعدم الثبات والاستقرار للأجهزة الفنية، وهذا نتج عنه تأثيرات سلبية على المشاركات المتتالية للمنتخب الوطني.. إضافة إلى انتهاج طرق وخطط تكتيكية أعلى من قدرات لاعبينا الذين أخفقوا في الانضباط بها. بعض أسرار نجاح المشاركة السابعة أما أسباب النجاح الذي برز في المشاركة السابعة فيعود إلى حسن اختيار الجهاز الفني واعتماد المدرب التشيكي ميروسلاف سكوب الذي استطاع مع المدرب الوطني أمين السنيني من تنفيذ برنامج جيد في الإعداد رغم قصره وأحسن اختيار اللاعبين الأساسيين بحسب المتاح وتمكن من التركيز على تقوية الوسط والدفاع بصورة رائعة معتمداً على العنصر الشبابي الذي استوعب المهمة الملقاة على عاتقه وكان كل لاعب بطلاً في مركزه. ومع أن الانتقادات انصبت على الجهاز الفني لعدم اعتماده على الحارس سعود السوادي واعتماده محمد إبراهيم عياش حارساً أساسياً إلا أن المباريات أكدت صوابية خيارات المدرب.. كما أن التوظيف لمهارات اللاعبين الفردية برزت بقوة في المنتخب وإزاحة الضغوط عن لاعبيه ساعد في تقديمهم مستوى فاق التوقعات.. وكانت المؤازرة الرسمية من رئيس الدولة ورئيس الحكومة والوزير الجديد للشباب والرياضة والزخم الجماهيري غير المسبوق قد صبّ في صالح منتخبنا الوطني وأكسبه الثقة بمقدراته وهو ما كان مفقوداً في المشاركات السابقة رغم الحضور الجماهيري في خليجي 20 إلا أن الثقة لم تكن حاضرة، إضافة إلى التوظيف الصحيح للاعبي خطي الدفاع والوسط بمثل هذه المشاركة.. ولابد أن يعي المسئولون في اتحاد القدم أن هذا المنتخب هو نواة للمنتخب المأمول ولابد من الاستقرار الفني والبقاء على المدرب وطاقمه المساعد لفترة طويلة كي نحصد النجاح في المستقبل إن شاء الله. النجاح اليمني في عيون الخليجيين لقد أثرت مشاركة منتخبنا السابعة إيجاباً في الوسط الرياضي الخليجي مما حدا بكاتب سعودي للاعتراف في مقالة له عقب مشاركتنا في خليجي 22: جمهور اليمن عظيم والمال ليس كل شيء.. وأما أحد المحللين الرياضيينالقطريين فأوضح في إحدى الفضائيات الناقلة للبطولة الخليجية الجارية في الرياض حالياً أن لاعب اليمن يلعب لأجل الوطن ولشعار اليمن وليس للمال والشهرة.. وهناك إعلاميون خليجيون يعترفون بجماهيرية المنتخب اليمني وأنه أضاف للبطولة نكهة المنافسة المفقودة في الخليجي فيجمعون على أن مدينة الرياض تحولت إلى العاصمة صنعاء في كل شوارعها.. في إشارة إلى الكثافة العددية للمشجعين لمنتخبنا اليمني.. مواطن سعودي قال في رد على ما شاهده من الجمهور اليمني وجمهور بلاده: خرج 70 ألف سعودي للتشجيع ولم يتغير شيء.. بينما خرج 10 آلاف يمني “وتسكرت” المحلات وتوقفت حركة الشارع وغمروا استاد الملك فهد بأصواتهم الهاتفة لليمن والمنتخب. مسئول قطري يؤكد في تساؤله للذين استغربوا ما حدث للعنابي أمام المنتخب الوطني فقال: كيف تريدون أن نفوز على اليمن وجمهوره الحاضر أكثر من عدد سكان قطر.. وانظروا ماذا قال المشجع البحريني في مباراة منتخبنا مع منتخب بلاده: كنت مركزاً على حشود اليمن أكثر من المباراة مستمتعاً بوطنيتهم الكبيرة والمخلصة.. فالشعب اليمني لولا حكامهم لأنجزوا شيئاً عظيماً.