عبد الرحمن علي البطاح من مواليد 1960م، أب لستة أولاد، محمد وعمرو وصفاء ومروة وشيماء ومروج، درس الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدينة زبيد، وكان الأول في الجمهورية اليمنية في الصف الثالث الإعدادي والثالث الثانوي أدبي مع زميله الذي كان في نفس المرتبة، الإعلامي يحيى علاو رحمه الله.. البطاح أحد رموز الإعلام في اليمن، معد وشاعر ومخرج، ويعتبر مدرسة إعلامية كبيرة وصاحب خبرة طويلة تعلّم منه الكثير من الإعلاميين وله من الأعمال البرامجية العديد والعديد التي لا يمكن نسيانها أو الاستغناء عنها، عمل في قناة اليمن الفضائية وقناة السعيدة وطاف اليمن بأكملها، وتطرّق في برامجه إلى أهم شرائح المجتمع.. التقينا به وخرجنا معه بهذا الحوار: .. حدّثنا عن بداياتك في المجال الإعلامي؟ أولاً: تعسكرت في المدفعية أنا ويحيى علّاو “رحمه الله” وكنا دفعة واحدة، وسافرنا مع بعض إلى المملكة العربية السعودية منحة دراسية لدراسة الإعلام بكالوريوس، إذاعة وتلفزيون في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وتخرّجنا بامتياز وكان مشروع تخرّجنا برنامج سياحي استطلاعي عن اليمن «رحلة في ربوع اليمن»، وبرنامج آخر «صور من الجامعة». بعدها أنا أكملت والتحقت بالتلفزيون في قناة اليمن تقريباً في 1984م وتسلّمت قسم الرقابة على المصنّفات والأفلام، وكان أي خريج يأتي إلى هذا القسم الذي ترأسته، وجاء يحيى علاو في 86 وبدأنا أول برنامج وهو «عالم عجيب»، ونجح البرنامج نجاحاً كبيراً، وهو من البرامج التي لا تزال في أذهان المشاهدين. ثم توالت بعد ذلك البرامج «حول العالم»، و «قاموس المعرفة» و «الكشكول»، و «مسابقات الأطفال» التي استمرت سبع سنوات وشاركنا أيضاً في إعدادها الأخ سليمان السماري. .. قلت إن مسابقات الأطفال استمرت سبع سنوات، هذه المسابقات كانت من ضمن فقراتها أغانٍ للأطفال من كان يكتبها وكم كان عددها؟ تقريباً هناك في مكتبة التلفزيون ما يقارب 150 أغنية للأطفال في موضوعات مختلفة من أشهر هذه الأغاني «هيا نغني.. هيا نغني».. من الحان فؤاد الشرجبي ومن كلماتي، وشاركني أيضاً في كتابتة كلمات هذه الأغاني يحيى علاو رحمه الله. .. ما هي أهم البرامج الوثائقية التي عملتموها، وما البرامج التي كنت توكل إليك؟ العديد من البرامج الوثائقية كبرنامج (مسيرة الخلود) و(شواهد الشموخ)، و (اليمن كنز الأصالة والجمال)، و (اليمن إطلالة المشتاق)، و(الوحدة اليمنية محطات حاسمة)، وبرامج الأعياد الوطنية التي كنت أوكل بها دائماً وغيرها من البرامج، وكنا أنا ويحيى علاو “رحمه الله” وعبد الغني الشميري طاقماً لإعداد البرامج المميزة في التلفزيون، إضافة إلى المحطة البرنامجية التي لا تُنسى، برنامج «فرسان الميدان». .. على ذكر “فرسان الميدان” كان من أشهر البرامج اليمنية ويحظى بمتابعة يمنية وعربية، وكان يُعرض على قناة اليمن لكنه عُرض بعد ذلك على قناة السعيدة، فما هو السبب؟ برنامج فرسان الميدان استمر من 7-6 سنوات في الفضائية اليمنية، بعد ذلك قال الأخ الوزير اللوزي في عهده إن البرنامج قد شاخ ولم يعد مناسباً، فاضطررنا عندما بدأت قناة السعيدة أن ننتجه في قناة السعيدة، وكان بمثابة دفعة قوية للقناة لأنه كان فقرات عديدة في برنامج واحد «فرسان الميدان»، ومتابع على مستوى اليمن وخارج اليمن. .. «الفقر والإبداع لا يتفقان» مقولة تكررها دائماً فكيف استطعت أن تجعل من إذاعة حجة في فترة تعيينك فيها تتميز رغم المبالغ البسيطة التي كانت معتمدة لها؟ تعيّنت في 2004م في إذاعة حجة حتى عام 2008م واستطعت أن أنهض بالإذاعة، وأصبحت إحدى الإذاعات المتميزة في حينها، إذاعة حجة التي أسسها الأخ عبد الرحمن العابد، كانت تبث ساعتين وأنا مددت بث الإذاعة إلى ست ساعات صباحية، وست ساعات مسائية، وكان الأخ أحمد طاهر الشيعاني، مدير عام المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون حينها يقول إن تمديد فترة البث تكلف مبالغ مالية كبيرة لكني وبنفس المخصص المتواضع الذي كان مقرر لساعتي بث فقط استطعت أن أمدد البث وأوجد العديد من البرامج المتنوعة والمباشرة منها: «عندما يأتي المساء، وموسيقى الشعر»، كان البث يصل إلى جيزان، وتميّزت الإذاعة في ذلك الوقت والفضل يعود لله ثم للشباب الذين كانوا معي في الإذاعة وعملهم وإبداعهم وإخلاصهم. .. عملت سنوات طويلة في قناة اليمن، ثم اتجهت إلى قناة السعيدة، وقدّمت فيها العديد من البرامج المهمة، فما هي، وما آخر هذه البرامج؟ استمررت في التلفزيون ما يقارب 25 سنة وعندما همّشت الفضائية اليمنية وتجاهلت الكثير من العاملين والمبدعين فيها وذلك بسبب هلع القائمين عليها وعدم تقدير إبداعاتهم، اتجهت إلى قناة السعيدة وساهمت في العديد من البرامج التي أجد نفسي فيها، البرامج التي ترتبط باليمن وتبرز اليمن تاريخياً وعلمياً وثقافياً وسياسياً، ومن هذه البرامج: حواضر اليمن – رحلة سعيدة – إنها لا تعمى الأبصار – شعراء اليمن – من علماء اليمن – أهل اليمن – أقاليم اليمن..وآخر برامجي هو برنامج أقاليم اليمن وسيُذاع قريباً على قناة السعيدة وقد كان من المقرر عرضه خلال شهر رمضان الكريم ولكن بسبب ازدحام الخارطة البرامجية في شهر رمضان تأخر موعد عرض البرنامج وهذه الفترة هي أنسب فترة لإذاعة البرنامج. .. تعيّنت مديراً عاماً للتنسيق والمكتبات في قناة اليمن ولاحظ المشاهدون تغيراً في الشاشة بظهور أغانٍ وبرامج قديمة لكنها جيدة فقدها المشاهدون، كيف يتم التوثيق للمكتبة التلفزيونية، وهل هناك نظام معين..؟! نعم تعيّنت بعد ثورة فبراير مديراً عاماً للتنسيق والمكتبات في قناة اليمن الفضائية عام 2012م، ولم أكمل السنة رغم أن من كان قبلي يشغل هذا المنصب مكث 35 عاماً، واستطعت في هذه الفترة القياسية البسيطة أن أغيّر من وجه الشاشة وأبذل قصار جهدي لإضافة لمسات برنامجية باستخراج العديد من الأغاني والبرامج الجيدة، وانتشالها من بين رفوف المكتبة العريقة التي لا زالت ترزح وتئن تحت وطأة العشوائية المفرطة في الوقت الذي كل مكتبات التلفزيون في العالم توثّق توثيقاً اليكترونياً عبر الحواسيب بالآليات الحديثة التي تمكّن الباحث من جعل كل المواد التي تحويها المكتبة في متناول يده. .. إلى متى ستظل مكتبة التلفزيون هكذا، هل شحّة الإمكانيات أم أن البعض يصر على أن تظل في أسفل الركب؟ تقتلنا العشوائية وتقضي علينا المركزية، وعدم الإحساس بالمسئولية تجاه تراثنا وموروثنا وهويتنا اليمنية. .. تعيّنت بعد ذلك مستشاراً عاماً لمدير المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون؟ بعد أن تم تعيين مدير عام تنسيق جديد خلفاً لي صدر قرار بتعييني مستشاراً عاماً لمدير المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون والمستشارين كثر لكن عندما يريدون أن يُقاعدوا الكفاءات والكوادر فيتم تعيينهم مستشارين رغم عطائهم المتدفق وخبرتهم الطويلة وكونهم متخصصين، وياليت يتم تعيين كفاءات في المناصب التي يُبعدون منها، إنما تلعب المحسوبية والوساطة والشللية دوراً كبيراً في التعيينات وأتمنى أن ندرك دور الإعلام وما يلعبه في المجتمعات من رسالة وما يطّلع به من أهمية كبرى لا يدركها القائمون على الإعلام والراسخون في العلم، الإعلام رسالة حيوية عظيمة لا يدركها إلا من عرف الإعلام ودوره وكان متخصصاً وأكاديمياً. .. هل صحيح أن قطاع التلفزيون فيه أكثر من ألف موظف؟ ماذا يصنعون في بث لا يرتقي إلى مواكبة أضعف القنوات؟ وهل هم من الخريجين والمتخصّصين في المجال الإعلامي؟ صحيح قطاع التلفزيون به 1400 موظف، نعم ماذا يصنع هؤلاء في بث لا يرتقي إلى مواكبة أضعف القنوات ولو عددتهم لوجدت الخريجين والمتخصصين لا يتجاوزن نسبة 5% من إجمالي العدد العام. .. لماذا انصرف بعض الإعلاميين إلى القنوات الخاصة؟ هناك كوكبة من الإعلاميين الذين هُمّشوا رغم خبرتهم وتخصصاتهم وهم كفاءات تم تجاهلها، الأمر الذي جعلهم ينصرفون إلى القنوات الخاصة وتظهر إبداعاتهم في مختلف القنوات اليمنية. .. على أي أساس يتم بناء الخارطة البرنامجية، ولماذا نشاهد البرامج التلفزيونية في الفضائية هي تلك البرامج التقليدية المعهودة؟ الخارطة البرامجية التلفزيونية لا يطرأ عليها أي تغيير إلا في رمضان وتعود إلى ما كنت عليه، المفروض في الخارطة أن تشمل نسباً معينة فئوية ك برامج جماهيرية واجتماعية وسياسية وبرامج الأطفال والأسرة إلى غير ذلك من البرامج التي تشكّل نسباً في الخارطة البرامجية. تجد الخارطة تفتقر إلى العديد من البرامج ويُكتفى بأربعة إلى خمسة برامج مباشرة وذات نمط متشابه وقالب واحد للاستحواذ على المخصصات المالية، ولا يبقى أي مجال لإنتاج أي برامج سوى تلك البرامج المعهودة التقليدية, أين الإبداع وأين المبدعون والخريجون في اليمن وخارجها من كلية الإعلام وأقسامه لا يلقون أي اهتمام يُذكر ونأمل في المرحلة القادمة وفي ظل الحكومة القائمة ألا يظل الإعلام مترنحاً ويكرر نفسه بخط ملل لا يرتقي إلى مستوى المهنة. .. في بلادنا الكثير من المبدعين وقد استهدفت الكثير منهم في برامجك وذهبت إليهم وسجّلت معهم وبعضهم توفي بعد أيام من تصوير الحلقة الخاصة به، وهذه بصمة تُحسب لك كونك وثّقت لكبار المبدعين في الوطن من علماء وشعراء وأدباء ومفكّرين? اليمن مليئة بالمبدعين من علماء وشعراء ومفكرين وغيرهم فقط نتمنى أن يجدوا اللفتة الحانية من قبل وسائل الإعلام فالكثير من هؤلاء العلماء والشعراء والمفكرين يلقى المنية قبل أن تصل إليه وسائل الإعلام وتوثّق له رحلته الشعرية أو العلمية أو الأدبية، حتى المعاقين الذين حُرموا من نعمة البصر، أو نعمة أخرى واستطاعوا أن ينتجوا لنا إنتاجاً عظيماً من الفكر والأدب والفن ومختلف العلوم. لدينا مادة ثرية عن عمالقة اليمن في مختلف الفنون والواجب علينا إنصافهم أحياءً قبل أن يموتوا. .. كيف يُكتب للعمل التلفزيوني النجاح؟ العمل التلفزيوني لا يُكتب له النجاح إلا عبر طاقم متكامل وتنسيق مسبق وإعداد سيناريوهات مبكّرة وخطط لنزول ميداني فطاقم التلفزيون هو الذي يضع النجاح الذي يكون المعد والمخرج والمصور والمنسق والمدير وكل ما يساهم في إنتاج البرامج، لأن التلفزيون عمل جماعي ولا يُكتب له النجاح ما لم يكن طاقمه متفاهماً ومنسجماً. ..كلمة أخيرة؟ نأمل بعد الثورة السلمية أن تحدث ثورة في الإعلام أيضاً، لأن الإعلام هو لغة العصر وهو لسان حال المجتمعات والشعوب خصوصاً والعالم أصبح أشبه بكرة صغيرة من خلال الابتكارات والتكنولوجيا والاتصالات. المطلوب ثورة إعلامية تعيد لليمن مكانتها بين دول المنطقة خصوصاً وهي من الدول التي تمتلك موروثاً تليداً وحضارة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ.