توسعت مساحة زراعة القات21 مرة في الفترات الماضية مزيحةً المواد القابلة للتصدير كالبن والفواكه والخضروات والحبوب والمواد الغذائية الأخرى. وازدادت الحاجة أمامه لري الأراضي المستحدثة لزراعته وبالتالي التوسع في حفر آبار المياه الجوفية بالتزامن مع شحة مصادر تجددها. هذا هو حال زارعة القات والحوض المائي في محافظة ذمار فتحول الزراعة إلى الزراعة من أجل السوق قاد إلى مفارقة واقعية جمعت ما بين السبب (الإقبال والتوسع)، والنتيجة (استنزاف الموارد) كصورة لراهن الإنسان اليمني ومستقبل أجياله . ما بين الطلب العنيد والعرض الناضج جاء محصول القات وفقاً للإحصائيات الرسمية في صدارة المحاصيل النقدية من حيث متوسط المساحة المزروعة سنويا خلال العام 2012بواقع 167 ألفاً و682 هكتاراً. ووفقاً للتقرير الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء سجل إنتاج محصول القات ارتفاعاً خلال العام 2013م بلغ 193 ألفاً 394 طناً بزيادة تقدر بأكثر من 3 آلاف طن عن العام 2012م، ويواصل المزارعون استنزاف الأحواض الجوفية عبر حفر آلاف الآبار لري 260 مليون شجرة قات تستنزف أكثر من 50 في المئة من المياه الجوفية المستخرجة. وبهذا التوسع المخيف لشجرة القات أدى إلى انخفاض مستويات الاكتفاء الذاتي من السلع الزراعية وزيادة الاعتماد على الإمدادات الخارجية والاستيراد الذي يقدر ب 90 % من استيراد الحبوب وما نسبته 75 % من الاستيراد الغذائي وفقاً لإحصائيات رسمية. وتؤكد الإدارة العامة للتسويق والتجارة بوزارة الزراعة والري أن إنتاجية اليمن من الحبوب الغذائية تراجعت في العام 2013م إلى 863 ألفاً و934 طناً بانخفاض قدره 45 ألفاً و807 أطنان عن إنتاجية العام 2012م لأسباب متعددة منها انعدام مادة الديزل وقلة هطول الأمطار حيث إن 80 % من زراعة الحبوب زراعة مطرية. إلى جانب الآفات والتصحر والانجراف بالإضافة إلى عوامل اقتصادية منها ارتفاع مدخلات الإنتاج بالنسبة للمزارعين وعوامل فنية كأساليب طرق الري التقليدية وتلاشي كثير من الخبرات الزراعية بفعل التنمية الحضرية على حساب التنمية الزراعية. الربح السريع عوامل مجتمعة أو منفردة دفعت بالمزارع اليمني إلى تركيز اهتمامه بهذه النبتة والتخلي عن كثير من المحاصيل ذات العائد السنوي والنصف سنوي بعكس محصول البطاطس أو العائلات الباذنجانية الأخرى أو بعض المحاصيل النقدية من غير القات أو أنواع الفواكه. فالربح السريع أهم ما يشجّع المزارع على زراعة القات في ظل زيادة الطلب عليه، فالوقت المنتظر والجهد والمال المبذولان والعائد الربحي للمحاصيل الأخرى لا يسعف المزارع اليوم من حمّى الأرباح السريعة لمحصول القات وما يحققه من تميز عن بقية المحاصيل الأخرى. ويرى المهتمون بهذا الشأن أن غياب دور المؤسسات والهيئات الزراعية في متابعة هموم ومشاكل المزارعين وارتفاع أسعار المدخلات الزراعية وقطع الغيار والديزل, إلى جانب تأثر المزارعين بانخفاض أسعار المنتجات الزراعية من الخضار وغيرها في ظل غياب السياسات التسويقية المؤسسية لبقية المحاصيل الزراعية من تسويق وتخزين والآلات وإمكانيات تساعد المزارع على تصريف محاصيله الأخرى، كل هذه في مجملها ساعدت على التوسع في زراعة القات. ذمار محافظة ذمار إحدى محافظات الجمهورية التي تتصف بالتنوع الزراعي و تعد الزراعة النشاط الرئيسي لسكان المحافظة، وتحتل مراتب متقدمة في إنتاج العديد من المحاصيل الزراعية على مستوى الجمهورية فهي تحتل المرتبة الأولى في الكمية المنتجة من الخضروات، والثانية في إنتاج الحبوب، وتأتي المحافظة في المرتبة السادسة من حيث مساحة زراعة المحاصيل النقدية، وفي المرتبة الرابعة من حيث المساحة المزروعة بالبقوليات، وتحتل المرتبة الخامسة بين محافظات الجمهورية من حيث إنتاج المحاصيل الزراعية وذلك بنسبة تصل إلى (6.4 %) من إجمالي الإنتاج في الجمهورية. توسّع تشكل نسبة مساحة زراعة القات في محافظة ذمار (94.4 %) من إجمالي مساحة زراعة المحاصيل النقدية في المحافظة، وبينما وفرت زراعة القات مصدراً هاماً للدخل خاصة في الريف إلا أنها أقصت أشكالاً أخرى وأكثر استدامة من النشاط الاقتصادي الزراعي. وفي هذا السياق التقت «الجمهورية» الدكتور منصور العاقل رئيس الهيئة العامة للبحوث الزراعية والإرشاد الزراعي بادئاً بالقول: لا يختلف اثنان على أن الزراعة في اليمن تواجه تحديات متنوعة بتنوع النشاط الزراعي والاستخدامات المرتبطة بها والتي حددتها الاستراتيجية الوطنية لقطاع الزراعة للأعوام 2012 - 2016م أهمها التوسع المستمر في زراعة القات، حيث أكدت نتائج المسح الميداني الذي أجراه عدد من المختصين الزراعيين في الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي توسّع رقعة المساحة المزروعة بالقات خلال العام 2008م من 100إلى 150 لبنة في كل قرية بقاع جهران، بعد أن كانت مساحاتها خلال العام الذي سبقه تتراوح بين 15 إلى 20 لبنة. ويفيد مختصون زراعيون أنه يوجد اليوم أكثر من 400 مزرعة قات في قاع جهران فقط. يستنزف المياه ويتابع الدكتور العاقل: وأمام هذا التوسّع ازدادت الحاجة لري الأراضي المستحدثة لزراعة القات، وبالتالي التوسع في حفر الآبار وانخفاض المخزون المائي نتيجة الاستهلاك، حيث يقوم المزارع اليوم بالنزول 6 أمتار سنوياً في البئر الجوفية لكي يتمكن من ضخ المياه الجوفية للمساحات المزروعة لديه، وتستنزف أشجار القات كميات هائلة من المياه الجوفية حيث يتم استنزاف سبعة آلاف ملميتر مكعب من المياه للهكتار الواحد. مسئولية مشتركة ويردف الدكتور منصور العاقل قائلاً: يدرك جميع المعنيين أهمية مفرزات تدهور الوضع المائي باليمن واتخذت أمام ذلك عدداً من الإجراءات الحكومية تمثلت في إنشاء الهيئة العامة للموارد المائية في العام 1996م وصدور قانون المياه عام2002م والذي تضمن عدداً من الإجراءات المنظمة لاستخدامات المياه وطرق الحفاظ عليها، إلى ذلك أنشئت وزارة المياه والبيئة في 2003 ، و أطلق مشروع الحفاظ على المياه الجوفية والتربة عام 2004م، كما تم إعداد الاستراتيجية الوطنية الموحدة للمياه وذلك بهدف تقوية البناء المؤسسي واعتماد النهج اللامركزي في إدارة المياه على المستوى المحلي والأحواض المائية ودعم جمعيات مستخدمي المياه في إدارة المياه، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص. وأمام ذلك كله فالمسئولية مشتركة ولابد من تضافر جميع الجهود بدءاً بالمشرع للخطط والاستراتيجيات، ومروراً بالقائمين على التنفيذ، وانتهاءً بتعاون السلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات التنشئة الاجتماعية. محمية عتمة يداهمها الخطر مع ما يراه المتواجد في محمية عتمة من جمال يأسر النفس البشرية لا تخطئ العين ذلك المشهد الذي يطل بشكله وأدوات فرض وجوده ألا وهو القات، تلك الشجرة الآخذة في التوسّع بشكل أفقي ورأسي في ذلك المكان البديع، فوجودها وسرعة انتشارها شكّل عبئاً ثقيلاً على المحمية وأهلها، وحياتهم المفعمة بعطر النُسيمات، وعن أسباب هذا التوسع يقول الأخ محمد علي صلاح (مدير عام محمية عتمة الطبيعية) المواطن يبحث دائماً عن الربح السريع، كما أن ضعف العائد من زراعة الحبوب والمحاصيل الأخرى شجّع المزارع على هذا التوسع، بالتزامن مع ضعف المدخلات الزراعية وتدني مستوى دخل الأسرة وانتشار الفقر. - ويضيف: التقليد منتشر بين المزارعين، وإن كثيراً من الناس لا يفكر إلا بنفس طريقة صاحبه، وكذلك الحال في زراعة القات، كما أن إدخال الحفارات الأنبوبية إلى المحمية في عام 2011م عامل من العوامل التي ساعدت على هذا التوسع، رغم أن من أدخلوا الحفارات إلى محمية عتمة أو معظمهم هم أصحاب رؤوس الأموال، وكان بإمكانهم أن يستغلوها في مشاريع استثمارية أخرى في محمية عتمة أو غيرها. آثار وفي معرض كلامه يقول صلاح: جاء هذا التوسع على حساب زراعة الحبوب والمحاصيل الأخرى، وهذا بدوره يشكل خطراً على الأمن الغذائي لأبناء المنطقة بشكل خاص والأمن الغذائي الوطني بشكل عام، كما أن كثيراً من ينابيع المياه والغيول تم استنزافها واختفاؤها مع أول سنة تم فيها حفر الآبار الارتوازية، ومنطقة عتمة منطقة جبلية لا توجد بها أحواض جوفية كما تشير الدراسات، فالموجود عبارة عن أحواض صغيرة سطحية، ونخشى أن تستنفد بعد فترة قصيرة من الزمن، وسيترتب على اختفاء الغيول والشلالات اختفاء الكثير من الحيوانات البرية والطيور التي سيجعلها تهاجر بحثاً عن المياه، علاوة إلى اختفاء النباتات والأشجار دائمة الخضرة، التي لا تنمو ولا تعيش إلا بجانب المياه. جدير بالذكر فقد أوضحت دراسة نفذها المهندس بالهيئة العامة للبحوث الزراعية والإرشاد الزراعي، محمد مفرح بتمويل من وزارة المياه والبيئة أن التوسع في شجرة القات يعتبر من أهم العوامل التي تؤثر على المحمية ومواردها على حساب الغابات الطبيعية، وأدى إلى الإفراط في قطع الأشجار الحراجية المعمرة، وظهور ندرة لبعض أنواع الأشجار الهامة المكونة للغابات، الأمر الذي سيؤدي إلى تدهور مناطق الغابات نفسها. 5179 بئر كشفت التقارير الميدانية التي قام بها فرع الهيئة العامة للموارد المائية بالمحافظة أن إجمالي عدد الآبار في حوض ذمار بلغ 5179 منها 2381 بئراً في مديرية جهران و449 في مخدرة و374في بلسان و236في شرعه و195في العابسيه 182في السواد و137 في تنن و116 في مرام و1109 في مناطق بين القيعان وتمثّل الآبار المستخدمة في الزراعة نسبة 94 % والآبار المستخدمة في الشرب والاستخدامات الأخرى تمثل نسبة 5 بالمائة.. ووفقاً للتقارير الرسمية الحديثة الصادرة من الوحدة الحقلية فرع ذمار – البيضاء التابع للبرنامج الوطني للري أشارت أن العجز السنوي في حوض ذمار المائي بلغ 112مليون متر مكعب، والسحب السنوي 181مليون متر مكعب، بينما تصل التغذية السنوية إلى 68مليون متر مكعب. أسباب وعن هذه الجزئية يقول المهندس عبدالكريم السفياني (مدير عام فرع الهيئة العامة للموارد المائية بالمحافظة) ثمة عوامل مجتمعة أو منفردة تمثل تحديات انعكست سلباً على حوض ذمار المائي، منها تدني مستوى تساقط الأمطار وعدم كفاءة استخداماتها، واستمرار استنزاف المياه الجوفية، وعدم التطبيق الكامل لقانون المياه، وغياب الوعي المائي، ودوافع المزارع للبحث عن الربح السريع والمردود الكبير الذي تحدثه زراعة القات، والتوسّع في إنتاجه، وتحول الزراعة إلى الزراعة من أجل السوق، أسباب زادت من تدهور الوضع المائي. كل ذلك في ظل زيادة عدد النمو السكاني والإقبال والتوسع في زراعة القات. إجراءات ويتابع المهندس السفياني قائلاً: اتخذت عدداً من الإجراءات للحد من استنزاف المياه الجوفية بالتعاون والتنسيق مع قيادة السلطة المحلية، حيث نحظى بدعم قيادة المحافظة في متابعة تنفيذ قانون المياه ومنع الحفر العشوائي للآبار، وخلال الأيام القليلة الماضية تم ضبط 25 مخالفة وإحالة من قاموا بها إلى الجهات المختصة حيث انخفضت عدد الخروقات المسجلة بشكل واضح، مع أن الجهود ما زالت تُبذل في هذا الجانب، وأهم من ذلك كله هو الاستشعار بالمسئولية لكل فرد تجاه أهم مورد في الحياة وهو الماء. رفع الوعي المائي ولتقنين استخدام المياه الجوفية وكيفية طرق استخدامها يقول المهندس عبد اللطيف العمري (مدير الوحدة الحقلية فرع ذمار – البيضاء) التابع للبرنامج الوطني للري نفذت عدد من البرامج وورش العمل الخاصة بتعزيز الشراكة المجتمعية بين المستفيدين والجهات ذات العلاقة في عدد من مديريات المحافظة هدفت إلى رفع الوعي المائي لأكثر من 100 شخص من مجاميع وجمعيات مستخدمي المياه والمزارعين، وأعضاء السلطة المحلية والمنظمات المحلية. كما نفذت عدد من أنشطة الأيام الحقلية في مجال تركيب وصيانة وحماية أنظمة الري الحديث. وشملت الأنشطة 20 قرية مستهدفة من حوض ذمار المائي, تضمنت 1800 هكتار من الأراضي الزراعية التي عمل البرنامج على تغطيتها بأنابيب نقل المياه بطول يصل إلى 205 آلاف متر، وبتكلفة إجمالية 107 ملايين و514 ألف ريال. واحتوت تعريف 280 مزارعاً مستفيداً من أنظمة الري الحديث ونقل المياه بالأنابيب في نطاق المشروع الذي يستفيد منه حالياً 520 مزارعاً. لإحداث استجابة جدلية القات والحوض المائي تتطلب تضافر كل الجهود الرسمية والشعبية لإحداث معالجات متعددة في المدى الطويل، تمكن المزارع من التوجه إلى زراعة المحاصيل الزراعية ذات المردود الاقتصادي المستدام، وبما يخفف من أعبائه ومتطلباته الزراعية، ورفع مستوى الوعي لديه بأهمية الحفاظ على المخزون المائي والأراضي الزراعية الصالحة. كل ذلك بالتزامن مع التطبيق الكامل لقانون المياه والتفعيل النوعي للدور الهام لوسائل الإعلام المختلفة، وتوعية كل شرائح المجتمع لإحداث استجابة توعوية شاملة تسهم في إدارك مخاطر القات على المجتمع اليمني حاضره ومستقبل أبنائه باعتبارنا مطالبين بحقهم لعيش حياة كريمة. [email protected]