كشفت حركة مخلة بالآداب لوزير الدفاع السابق جيرارد لونغيه أمام آلاف المشاهدين في برنامج تلفزي بثته قناة البرلمان الفرنسي، "بيبليك سينا"، عن حقيقة تعاطي نوعية من سياسيي اليمين مع تاريخ فرنسا الاستعماري في الجزائر. باريس: الحركة البذيئة الصادرة عن الوزير الفرنسي السابق، قوبلت بنوع من الصمت من طرف اليمين فيما لم يتردد اليسار الحاكم في إدانتها خاصة وأنه يسعى اليوم وبمبادرة شخصية من رئيس الجمهورية الفرنسية لإصلاح ذات البين مع الجزائر والتوجه نحو المستقبل بروح جديدة. قام جيرارد لونغيه، وزير الدفاع السابق خلال ولاية نيكولا ساركوزي، بحركة بذيئة بعد نهاية برنامج تلفزي على شاشة قناة "بيبليك سينا" كان يشارك فيه حول مثليي الجنس، حيث ظهرت حركته على الشاشة دون صوت عندما كانت القناة تعرض جينيريك البرنامج. الوزير، على ما يبدو، كان يعتقد أن بث البرنامج انتهى ولم تعد صورته ظاهرة للمشاهدين، ما سمح لنفسه بأن يتصرف بتلك الطريقة التي لا تشرف النخبة السياسية المحسوبة على اليمين المعتدل الذي يعيش اليوم نقاشا حادا في إطار تمهيديات حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية. تبين في الأخير أن هذه الحركة لم تكن بحق المثليين كما اعتقد هؤلاء في بادئ الأمر، وإنما كانت ردا على تصريح وزير المجاهدين الجزائري محمد الشريف عباس في نفس اليوم، الذي طالب باريس بالاعتذار عن جرائم فرنسا الاستعمارية، وهو ما سارعت الصحف الفرنسية إلى كشفه. يعتبر لونغيه من الساسة الفرنسيين الذين التحقوا باليمين المعتدل بعد مسيرة في اليمين المتطرف خلال مرحلة الشباب، وكان هذا المعسكر السياسي الذي عرف بالعنف اللفظي والفعلي يرفض كليا استقلال الجزائر وسعى وقتها بكل قواه أن تظل الجزائر فرنسية. صمت اليمين المعتدل ومساندة المتطرف الصحافة الجزائرية تناولت بكثافة حركة الوزير السابق، المؤيد لفرانسوا فيون في معركة رئاسة حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني أمام منافسه جان فرانسوا كوبي، إلا أن ردود الفعل السياسية في فرنسا من قبل معسكر اليمين كانت ضعيفة حتى الآن باستثناء رد فعل جيلبير كولار النائب عن اليمين المتطرف الذي ساند لونغيه. وقال كولار في إشادة منه بما قام به الوزير السابق "لقد أحسن، أتمنى أن تضخم هذه الحركة من طرف وسائل الإعلام حتى أن الذين يطالبونا بالاعتذار يتلقونها مباشرة على وجوههم"، فيما لم يعبّر جيرارد لونغيه عن أي ندم أو تأسف لما بدر منه. وزير الدفاع السابق خلال عهد نيكولا ساركوزي صرح في استجواب لمجلة الإكسبريس متحدثا عن التاريخ الاستعماري لفرنسا، " على فرنسا عدم الخجل من تواجدها في الجزائر خلال فترة الاستعمار، على الأقل هذه قناعتي". ولا يبدو أنه يحمل نظرة تفاؤل لمستقبل العلاقات بين فرنساوالجزائر حيث قال في نفس الاستجواب، "أتمنى علاقات هادئة بين فرنساوالجزائر لكن هذا يبدو مستحيلا إن كنا في كل مرة نلتقي فيها نعيد من جديد محاكمة الاستعمار". إدانة المعارضة وتريث الحكومة في الجزائر عن ردود الفعل في الجزائر، يقول الإعلامي الجزائري كمال زايت في تصريح لإيلاف: "الحركة التي قام بها لونغيه لم تمر دون إثارة ردود فعل لدى الأحزاب السياسية في الجزائر، حركة النهضة ( تيار إسلامي) استغلت الفرصة لمطالبة السلطات الجزائرية برفع الحظر عن قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، فيما ذهب مسؤول تنظيم لأبناء الشهداء، واسمه خالد بونجمة، الى القيام بنفس حركة لونغي والظهور على صدر صحيفة الجزائر نيوز". أما الجهات الرسمية، يتابع زايت، "فلم تصدر أي رد، على اعتبار أن الذي قام بتلك الحركة هو وزير سابق وقيادي في حزب الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، وهذا لا يلزم القيادة السياسية اليسارية، هناك قناعة لدى المسؤولين الجزائريين أنه داخل اليمين يوجد متطرفون يحنون إلى الماضي الاستعماري لفرنسا". ويذكر زايت أن "قانون 23 فبراير 2005 الذي سنته الأغلبية اليمينية، جاء ليثني على الدور الإيجابي للاستعمار الفرنسي في "نقل الحضارة للشعوب الهمجية". ولا يعتقد هذا الإعلامي "أن تصرف جيرارد لونغيه سيؤثر على الرغبة المشتركة لدى البلدين في فتح صفحة جديدة، وزيارة الرئيس فرانسوا هولاند المرتقبة إلى الجزائر ستكون ناجحة، خاصة إذا قام هولاند بمبادرة جديدة في على طريق الاعتراف والاعتذار عن جرائم الاستعمار الفرنسي". اليسار الحاكم: إدانة و انفتاح على المستقبل في حديث لإيلاف علق كمال شيبلي عضو المكتب الوطني للحزب الاشتراكي الحاكم على تصرف الوزير السابق قائلا، "بالنسبة لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشيوخ كان موقفهما واضحا وكلاهما يعتبرانها عارا. هذه الحركة التي صدرت من وزير سابق ونائب وجهت في حقيقة الأمر للعمل الذي يقام حول تاريخ فرنسا". وأكد شيبلي في ذات السياق أن ما صدر من الوزير اليميني السابق "يمس بالعمل الذي يقوم به رئيس الجمهورية الذي يعمل على دمج تاريخ فرنسا الاستعماري في المتن الجمهوري كما يمكن اعتبار حركة لونغيه سعيا لإثارة الكره بين الشعوب. وهذا لا يمكن إلا أن يضر كذلك بسمعة فرنسا". وينفي محدثنا أن يمكن لهذا السلوك الصادر من وزير سابق أن يسيء إلى "مجهودات رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند لفتح صفحة جديدة في العلاقات الفرنسية الجزائرية، لأنها صدرت من رجل محسوب على اليمين، والجزائريون يميزون جيدا بين اليمين واليسار". وأكد القيادي في الحزب الاشتراكي الحاكم "أن هناك إرادة سياسية لدى رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند لتدشين مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، وسيتأكد ذلك أكثر بموجب زيارته المرتقبة إلى هذا البلد. يجب فقط أن نتوقف عن مشاهدة الماضي وننظر عوض ذلك بأمل وتفاؤل إلى المستقبل". أما النائب البرلماني رازي حمادي فاكتفى بالقول في تصريح لإيلاف حول ما بدر من الوزير السابق إن "هذا الرجل ضيق الفكر"، كما كان شأن المحلل السياسي وليام ليدي الذي فضل التعليق لإيلاف على ذلك بالقول "لماذا نتفاجأ من رد الفعل بالنظر لماضي هذا السيد والإيديولوجية التي تحركه". الصحافة الجزائرية تهاجم شنت جلّ الصحف الجزائرية الصادرة باللغتين العربية والفرنسية، هجوما على وزير الدفاع الفرنسي السابق جيرار لونغي واصفة إياه بأقبح العبارات على خلفية حركة غير أخلاقية قام بها داخل مجلس الشيوخ الفرنسي التقطتها الكاميرا كانت موجهة للجزائريين تعبيرا منه عن رفضه مطلب اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية في الجزائر. واعتبرت صحيفة "الخبر" فعل لونغي، العضو الحالي في مجلس الشيوخ الفرنسي "وقاحة ونذالة". وقالت الشروق اليومي ان "صعاليك السياسية الفرنسية يهينون الجزائريين". ورأت من جهتها صحيفة "البلاد" أن "ذراع الشرف" التي أشهرها وزير الدفاع الفرنسي السابق في وجه الجزائريين هي الذراع الفرنسية القبيحة التي تعترف ب "فضائل الجزائر التي تشتري 60 في المائة من وارداتها من فرنسا في حين تترك فرنسا الغاز الجزائري على بعد عشرات الكيلومترات من أنبوبي إسبانيا وإيطاليا لتشتري غازها من روسيا". وحسب صحيفة "لكسبرسيون" فإن تصرف لونغي هو محاولة ل "تلغيم" زيارة هولاند المقررة شهر ديسمبر المقبل إلى الجزائر واصفة تصرفه غير الأخلاقي ب "الفرقعة المبلّلة". وظهر جيرارد لونغي، الخميس، على قناة مجلس الشيوخ الفرنسي، وهو يتعاطى مع تصريحات لوزير قدامى المحاربين الجزائريين، محمد الشريف عباس، الذي طالب فرنسا بالاعتراف بجرائم مرحلة الاستعمار "1830 - 1962"، وتقديم الاعتذار عنها وذلك بمناسبة ذكرى اندلاع حرب التحرير أول نوفمبر/تشرين الثاني 1954. وبعد أن أسدل الستار على البرنامج السياسي في القناة التلفزيونية البرلمانية، شوهد لونغي وهو يقوم بحركة بذيئة بذراعه على سبيل التهكم من مطلب الاعتراف بجرائم الاستعمار، ولم يكن يدري حينها أن الكاميرا تصوره، وقد كان يبتسم متحدثاً مع مذيعة البرنامج. "الاكسبرس" استجوبت الوزير السابق الذي حاول وأد الجدل الذي أثارته حركته البذيئة والذي قال"إن على فرنسا عدم الخجل من تواجدها في الجزائر خلال الاستعمار، على الأقل هذه قناعتي". يذكر أن لونغه ناضل في شبابه في صفوف منظمة يمينية متطرفة لأجل جزائر فرنسية. ذراع أخرى تضاف إلى الأولى ! وبعد حادثة لونغي، قام أيضاً جيلبار كولار عن "الجبهة الوطنية" اليمينية المتطرفة، بنفس السلوك، وقال "أضيف ذراعي إلى ذراع جيرار لونغي"، ورفع ذراعه أمام ملايين المشاهدين، دون مراعاة لتبعات سلوكه غير الأخلاقي. ويقول مراقبون أن هذه الحادثة ستؤثر على الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي إلى الجزائر المقررة شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل وهي الزيارة التي استبقها فرانسوا هولاند بخطوة وصفت ب "الغاية في الأهمية والإيجابية" والمتمثلة باعترافه بالجريمة التي ارتكبتها فرنسا في حق الجزائريين خلال مظاهرات 17 أكتوبر 1961 التاريخية بباريس غير بعيد عن نهر السين، في محاولة منه لكسب ودّ الجزائريين وتلطيف الأجواء المشحونة بين بلدين أثقلتهما الملفات ذات الصلة بالذاكرة وأحقاد الماضي.