تتلاشي نظرية النخبة الموجهة والملهمة للجماهير ، وتدق الأيام والأحداث آخر مسمار في نعش الأوهام النخبوية ، النخبة القائدة تعتمد على تراث يقوم على البروباقندا والتثقيف الحزبي والسياسي والاستعلائي على الجماهير ، عاشت الجماهير المخدوعة سنين طويلة تقتات وتماشي النخبة ، وتردد هتافاتهم وشعاراتهم الثورية الزائفة ، وتتبعهم لينتهي المطاف الثوري المزعوم بنخبة تتربع كراسي الحكم وتتلذذ بطيباته ؛ ويعود الجمهور الحالم إلى الشارع للبحث عن نخبة وقيادة تسقيهم الوهم في معركة ثورية منتظرة . النخبة الفاسدة صمتت على الآم الشعوب ، وصمّت آذانها عن مآسيهم ، بل كثيرا ما قمعت آمال الجماهير بأقلام وألسنة وسلوك النخبة المتعالية لتتحول قضايا الشعوب ومعاناتهم أرصدة مالية بنكية تتراكم وتتزايد باطّراد . النخبة الناجية تتلوّن وتقلب جلدها ولسانها مع المراحل النضالية لتقفز من المركب الغارق لمنصة الحكم ، وتعطي صكوك البراءة الثورية للشعوب الهاتفة بشعارات الحرية . النخبة الفاسدة تتغير وتزيد وتنقص من شعاراتها وهتافاتها بتغير الزمان والمكان والمصلحة ، فلا تظلموا مثقفينا وسياسينا وإعلامينا ، فما قالوه ليس الموقف النهائي ، فلا شك إن خطبهم وشعاراتهم قابله للتغير والتبدل ، إذا ما تبدّل الواصلون لمنصة الحكم ؟! . بالغنا كثيرا في حضرموت ، وذهبنا لأقصى حد في التعبّد بنظرية النخبة الملهمة ، ورفع البسطاء منّا آمالا وأحلاما وردية للتغيير ، والسير بمشروع الدولة المدنية ذات المؤسسات التي تحفظ كرامة الموطن ، وتمكّنه من شراكة حقيقية في إدارة الثروة والسلطة ، وتحفظ ثقافته وخصوصيته الاجتماعية والثقافية ، لكن سريعا ما استحالت النخبة المطاعة لنخبة ظالمة طامعة تقدّم مصالحها ومصالح داعميها ومموليها على قضايا مواطنيها ، ومصلحة وحقوق أبناء جلدتهم . النخبة الفاسدة تنطق وتنشط وتصحو ليلا ونهارا عند استمرار التدفق المالي ، والدعم السخي العابر للحدود ، لتدخل في سبات شتوي مميت بعد ذلك ، فهي لا تناصر حقا ، ولا تنكر باطلا ، ولا تفند زيفا ، ولا تتحرك وتتفاعل مع ماسي الشعب وكثرة نكباته ، وتتشبه بأهل القبور في صمتها المريب والمخيف على مظالم الوطن والمواطن . النخبة المطاعة فقدت بريقها الزائف في فترة قياسية من تصدرها المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي لثورات الربيع العربي ، وأصبحت فارغة من القيم ، وأضحت مع تسارع الأحداث وتداخلها نخبة لا طعم لها ولا لون ولا رائحة . مرت الأمة والوطن والشعب بمنعطفات خطيرة ومخيفة من الصراعات والتشتت ، وتعقّدت المستجدات وتفجّرت ، وظلت النخبة مغيّبة وبعيدة عن الواقع ، ولم تجروا في الجهر بوجهة نظرها أو بيان موقفها الذي يبرئ ذمتها أمام الله والوطن والشعب . أطروحات النخبة متباينة ومتذبذبة لا يحكمها منطق ولا يفسرها واقع ، ولا تستند في أقوالها لمرجعية أخلاقية وثقافية ومجتمعية ، بل انتهجت كثير من النخب الفاسدة الابتزاز وركوب الموجة الثورية للتسلط على رقاب الشعب ، وفرض السخرة الثورية على الأدعياء المخدوعين بشعارات التغيير . ومن اغرب التغريدات الثورية والتمسح في رداء الثورة والتغيير إدانة وتجريم الدكتاتورية والحكام السابقين ، والتأييد الجنوني للتغيير ، وإصرارهم في الوقت نفسه على الاحتفاظ بأموالهم وجمعياتهم ومنظماتهم ومعاهدهم التي جنوها وغنموها في ظل التسلط الدكتاتوري بطرق مشبوهة . النخب الجديدة تعبّدت وعبّدت الشعوب لطاعة الحكام وعدم الخروج عليهم ، وتبديع وتكفير الفكر الثوري ومحاربة الشعارات الثورية الغربية المناداة بالحرية والديمقراطية ، النخب الجديدة تتعطش للوصول للسلطة ويتلبسها الظهور السياسي والإعلامي على المنابر والمنصات ، وتصدّر الساحات حتى إذا تخلوا عن عقائدهم ، وتناسوا أطروحاتهم المقدسة للسمع والطاعة للحكام وأولياء أمور المسلمين المعصومين ، وها نحن نرى بعض النخب الجديدة القديمة تقدّم الإسلام وثوابته سلعة للتتاجر بها للوصول إلى الحكم ، وإرضاء الغرب المسيطر ومؤسساته الدولية ، وتطويع النصوص الدينية ولي أعناقها للاعتراف بإسرائيل ، وإقرار الاتفاقيات الدولية ، وإجازة القروض الربوية ، والسخرة للبنك الدولي لتعيش الشعوب العربية تحت وصاية غربية أجنبية لعهود كثيرة ، ولا تستطيع هذه النخبة اليوم إلا النطق والكلام والفتوى وإعطاء الشرعية للواقع الثوري الجديد ، وتمجيد شعارات طالما رفضوها وحاربوها ؟! . [email protected] اتبعنا على فيسبوك