قارة أفريقيا الرياضة لا يمكن فصلها عن السياسة أو هكذا يريدها السياسيون سواء المتواجدين في السلطة أو خارجها ، بل أن الرياضة و خاصة كرة القدم تعتبر أحد أهم الأوراق التي يتم توظيفها لإغراض سياسية ، وذلك بالنظر إلى الشعبية الجارفة التي تحظى بها اللعبة في القارة الفقيرة. ديدا ميلود - إيلاف : لأن كأس أمم إفريقيا هي البطولة الأولى قارياً فإنها تحظى باهتمام بالغ من قبل الأنظمة السياسية و الحركات المعارضة لها المسلحة منها و السلمية ، إذ تستغلها لإيصال رسائل سياسية إلى أطراف رسائل بعضها ذو طابع إيجابي و أخرى سلبية ، و تُستغل الكان بسبب التغطية الإعلامية المحلية و العالمية التي تحظى بها و قدرتها على تبليغ تلك الرسائل لكل الجهات إلى درجة يمكن القول أن البطولة تعد بمثابة الصفحة الرئيسية التي يستحيل على أي قارئ أن يغض البصر عنها . و الحقيقة أن استغلال الرياضة بشكل عام و المستديرة بشكل خاص لم يكن اختراعاً إفريقيا بعدما عاشته أوروبا في الثلاثينات من قبل النظام النازي لموسولوني ، غير أن الفارق بين القارتين هو أن الإجراءات القانونية التي سنها الإتحاد الأوروبي و الاتحاد الدولي للعبة أتت ثمارها و أصبحت بطولاته خالية من الشعارات و التوظيف السياسيين ، عكس البطولات الإفريقية حيث تبقى السياسة تطل برأسها في كل دورة ، لكن و للأمانة فان لوائح الفيفا و الكاف ساهمت إلى حد بعيد في تقليص تداخل السياسة مع الرياضة في الدورات الأخيرة ، أو على الأقل داخل الملاعب ، لكن إفريقيا التي يسودها الفساد السياسي يرفض أهلها الممارسين للسياسة فصل الكرة عنها بل يعتبرونهما حالة سيامية . و على عكس ما هو قائم مثلاً في أمم أوروبا حيث يقوم رئيس الاتحاد الأوروبي بتسليم الكأس لقائد المنتخب المتوج فإن الأمر ليس كذلك في أمم إفريقيا فالعرف السائد أن ملك أو رئيس البلد المنظم هو الأجدر و الأحق بهذا التشريف من رئيس الكاف ، هذا الأخير خاض معارك جسيمة للتوفيق بين متطلبات البطولة و أهواء السياسيين . و أدرك السياسيون الأفارقة منذ الوهلة الأولى الدور الخطير الذي يمكن أن تلعبه الكرة في تغيير مجرى الحياة السياسية ، لذلك شهدت الدورات الأولى إتخاذ العديد من القرارات المصيرية للبطولة ذات خلفيات و إبعاد سياسية أكثر منها رياضية . فالنسخة الأولى التي أقيمت عام 1957 بالسودان كان يفترض أن تشارك فيها أربع منتخبات لكن المشاركة اقتصرت على ثلاثة فقط بعدما انسحبت جنوب إفريقيا أو أجبرت على الانسحاب من قبل مصر و السودان و إثيوبيا ، فحكومة بريتوريا التي كانت تحت قبضة نظام الابارتيد العنصري خيرت المنظمين على إشراك منتخب يضم في صفوفه أما لاعبين سود أو لاعبين بيض و رفضت المشاركة بمنتخب يضم كلا الفئتين ، غير الرد كان حاسماً من قبل أبناء النيل الذين رفضوا المساومة العنصرية حتى و أن كانت ستهدد مصير البطولة الوليدة ، ليتأكد للجميع بان القرار كان شجاعاً و استمرت المقاطعة الرياضية الإفريقية لنظام الابارتيد لغاية منتصف التسعينات ، الحقيقة التي يجب أن يعلمها الجميع هي أن قرار الرفض لم يصدر وقتها عن الكاف و لا عن الاتحادات بل كان قراراً سياسياً نفذته الاتحادات. و في الدورة الثانية بمصر كانت السياسة أيضاً حاضرة ، فقد استغل الرجل الثاني في السلطة المصرية المشير عبد الحكيم عامر عاملي الأرض و الجمهور لتنصيب اللواء عبد العزيز مصطفى على رأس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم و تكون القاهرة مقرا له. و تأجل تاريخ إقامة البطولة الثالثة من عام 1961 إلى العام الموالي و السبب كان سياسياً عقب الانقلاب العسكري الفاشل الذي جرى في كانون الأول 1960 ضد إمبراطور إثيوبيا سيلاسي. و تسبب خطاب الرئيس التونسي الراحل حبيب بورقيبة عن القضية الفلسطينية و دعوته العرب لفتح باب التفاوض مع الصهاينة في عز إستعدادات العرب لخوض حرب ضدهم لاسترجاع أرض فلسطين الطاهرة و قبل عامين من النكسة ، تسبب ذلك الخطاب في مقاطعة منتخبي مصر و السودان لبطولة عام 1965 بتونس و بقرار سياسي طبعاً من قبل حكومتي القاهرة و الخرطوم. و في نسخة 1974 و وضع الدكتاتور موبوتو سيسيسوكو طائرته الخاصة تحت تصرف منتخب الزايير البطل للعودة إلى البلاد ، و للعلم فإن هذا المنتخب شارك مرات بأسم الزايير و مرات أخرى باسم الكونغو الديمقراطية بعد استيلاء لوران ديزيري كابيلا على السلطة منتصف التسعينات ليحل محل سيسيسوكو. و تبقى دورة عام 1982 هي أكثر الدورات التي اختلطت فيها الرياضة بالسياسة لدرجة لا يمكن التفريق أن كان الحدث بطولة أم مؤتمر ، فقد اسند تنظيمها لليبيا في عهد العقيد معمر القذافي الذي أراد استغلالها جيدً للترويج لأفكاره خاصة تلك الواردة في ما كان يعرف بالكتاب الأخضر ، و وضع المنظمون خطة لتحويل الملاعب إلى ما يشبه اللجان الشعبية ، و أثناء حفل افتتاح البطولة ألقى القذافي خطاباً لا علاقة له بالكرة ، إذ تركز حول التدخل العسكري الفرنسي في حرب تشاد ضد ليبيا بسبب شريط اوزو ، و انتقد بشدة السياسة الامبريالية الأمريكية في إفريقيا على أيام " طز " في أمريكا ، و جدد معارضته للنظام العنصري في جنوب إفريقيا ، كما وصف النظام السياسي الذي قائماً وقتها في السودان بالفاشي ،و أنهى خطابه بعبارته الشهيرة التي رددتها مختلف وسائل الإعلام في اليوم الموالي و التي قال فيها نعم لإفريقيا لا للكأس ، وحتى الصحف و الملاحق الرياضية في ليبيا ركزت في تحليلاتها على الكتاب الأخضر بدلاً من نتائج البطولة . كما عرفت تلك الدورة حضور تونس بدلاً عن مصر التي قررت الانسحاب لأسباب سياسية أيضا تتعلق بحادثة اغتيال رئيسها أنور السادات قبل إنطلاقها بأشهر قليلة ، و رغم أن ذلك لم يكن عائقاً لمشاركة المنتخب لكن الحكومة المصرية أرادت قطع الطريق أمام القذافي لانتقادها على مرأى من بعثة منتخبها الرسمية بعد إقدامها على إبرام معاهدة السلام مع الصهاينة ، و أدى الانسحاب المصري إلى تفادي مواجهة إعلامية مع ما كان يعرف بجبهة التصدي التي تضم ليبيا و الجزائر المشاركتان في تلك البطولة . و حملت نسخة عام 1988 بالمغرب رسالة سياسية جميلة ، فخلال المباراة الترتيبية بين المغرب و الجزائر على المركز الثالث ، قرر لاعبو المنتخبين اخذ صورة تذكارية جماعية حمل على أثرها زملاء لخضر بلومي العلم المغربي و حمل زملاء محمد تيمومي العلم الجزائري في وقت كانت فيها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مقطوعة و الحدود مقفلة ، غير أنه و بعد شهرين من تلك اللقطة التاريخية الجميلة عادت المياه بينهم إلى مجراها الطبيعي ففتحت الحدود في بداية شهر يونيو قبل أن تغلق مجدداً عام 1994و استأنفت العلاقات بينهما. كما عرفت دورة 1996 تأهل منتخب السياسة و لكن بوجهين مختلفين ، فقد عرفت تلك النسخة غياب حامل اللقب منتخب نيجيريا رغم أن لوائح الكاف كانت وقتها تمنحه بطاقة التأهل مباشرة دون تصفيات وسبب الغياب كان سياسياً ، فقبل أسابيع من انطلاقته في يناير و بالضبط في تشرين الثاني 1995 شهدت نيجيريا اغتيال تسعة من أفراد طائفة اغوني المعارضة لنظام الرئيس الراحل سامي اباشا و على إثرها دخل الأخير في تراشق إعلامي مع رئيس جنوب إفريقيا الزعيم نيلسون مانديلا الذي طالب الأممالمتحدة بفرض حصار شامل على حكومة نيجيريا بعدما رأى في تلك الحادثة عودة إلى النظام العنصري في القارة ، و بحجة عدم توفر الأمن لبعثة النسور الخضراء قررت حكومة ابوجا الانسحاب من البطولة مما اجبر الكاف على إقصاء المنتخب النيجيري من الدورة الموالية ، و بعدما فاز منتخب البافانا بافانا باللقب تقدم مانديلا لتسليم الكأس إلى قائد المنتخب ذو البشرة البيضاء نيل توفاي في رسالة سياسية مفادها أن التمييز العنصري في البلاد أصبح من الماضي . و لم تغب السياسة عن دورة عام 2000 ، ففي الوقت الذي كانت وقائع البطولة تقام مناصفة بين غانا و نيجيريا تحولت الأنظار فجأة مع نهاية مباريات الدور الأول إلى بلد آخر ، حيث أصبح الحدث الإعلامي للبطولة هو الخطوة التي قامت بها حكومة ساحل العاج بإيعاز من الرئيس الجديد لوران غباغبو ، إذ تقرر اعتقال بعثة منتخب الفيلة بقيادة نجمه باكايوكو عقابا لهم على إقصائهم من الدور الأول و هو اعتبره غباغبو اهانة لشعب ساحل العاج و حددت إقامتهم في إحدى الثكنات العسكرية لعدة أيام قبل أن يطلق سراحهم بضغط من الفيفا و الأندية الأوروبية ، و قد حاول خلالها غباغبو كسب تأييد شعبه بتلك الخطوة تحت غطاء معاقبة المسئولين عن اهانة علم كوت ديفوار و صرف الأنظار عن إنقلابه العسكري. و عرفت دورة انغولا 2010 انسحاب منتخب التوغو من البطولة بعد الاعتداء المسلح الذي تعرضت له الحافلة التي كانت تقل زملاء إيمانويل اديبايور و أدى إلى مقتل ثلاثة أفراد من البعثة من ضمنهم مساعد المدرب كما أصاب الجميع بالذعر، و أعلنت إحدى الحركات الانفصالية في مقاطعة كابيندا المسماة حركة تحرير كابيندا مسؤوليتها عن الحادث و قالت حينها أنها أخطئت الهدف ممثلاً في الشرطة الانغولية التي كانت تحمى البعثة التوغولية ، و نجحت الحركة الانفصالية في جلب الأنظار الإعلامية إليها خاصة بعد قرار حكومة لومى بانسحاب منتخب التوغو من البطولة ، بل أن الأخيرة أصبحت مهددة بعد دعوة الأندية الأوروبية للاعبيها بالعودة إلى أوروبا بحجة عدم توفر الأمن. البطولة الحالية المقامة بجنوب إفريقيا كان يفترض أن تستضيفها ليبيا الشقيقة غير أن الثورة التي عرفتها ضد ال القذافي أجبرت الكاف على تغيير مكان تنظيمها . و حتى تسمية النسخة الثانية من الكأس من 1980 حتى 2000 التي نالها منتخب الكاميرون بعدما توج بها ثلاث مرات أعوام 1984 و 1988 و 2000 كانت تحمل أسم ذو دلالة سياسية هو كأس الوحدة الإفريقية. و في ظل الأوضاع السياسية الهشة غير المستقرة التي تعيشها جل بلدان القارة السمراء فإن تعلق بطولتها الأولى بالسياسة يبقى دوما أمراً وارداً دون اعتبار للوائح الفيفا و الكاف ، فحتى الدورة الحالية بجنوب إفريقيا و قبيل انطلاقتها تلقت اللجنة المنظمة تهديداً من هاكرز مغربي باختراق موقع البطولة في حال لم تتضمن خريطة المغرب السياسية وجود الصحراء عليها،كما أن مشاركة نجم نادي توتنهام الإنكليزي إيمانويل اديبايور مع منتخب بلاده في البطولة لم يكن قراراً فنياً من المدرب الفرنسي ديديي سيكس بل قراراً سياسياً من الرئيس فوري غناسينغبي.