جهاد هديب (دبي) افتتح في دبي، أمس، معرض «أحلام بغدادية» للفنان العراقي حسن عبد علوان الذي استمر ليوم واحد، واشتمل على اثنتين وعشرين لوحة لا تنتمي إلى مدرسة تشكيلية بعينها بل إلى العلامة المميزة التي تسم صنيع علوان من بين أبناء الجيل الثاني في المدرسة البغدادية التي أُسست على يد فنانين كبار من أمثال جواد سليم، وسواه من الفنانين البغداديين الكبار. وفي المعرض الذي افتتحه الدكتور محمد عبد الله المطوع، عضو مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، في صالة العرض الخاصة بالفنون التشكيلية، في مقر المؤسسة بدبي، يمكن القول إن أعمال عبد حسن علوان، هي «لعب» على ثيمتين متناغمتين تتكران في الأعمال كلها، وهما: المرأة العراقية والعمارة التقليدية. بما يخلق ذلك التناغم المدهش بين عنصرين من البيئة، إذ المرأة على السطح التصويري هي التقاء خطوط بأقواس أو باقتطاعة من دائرة، فيما العمارة هي عنصر معماري وحيد، جرى إعادة بنائه تخييلياً، بحيث يبدو وكأنه العمارة كلها. على هذا النحو، تبدو المرأة في جميع أعمال حسن عبد علوان أشبه ما تكون بامرأة حلمية أو كما لو أنها قد غادرت للتو متخيلاً حكائياً أكثر قرباً من سرديات كبرى، مثل الليالي العربية الألف، في الوقت نفسه هي امرأة واحدة تتكرر في أوضاع وأفكار متعددة ومختلفة بل هي غالباً ما تكون في حالة طيران إنما على بُسُطٍ خفية، وتبدو أجمل عندما تخفي شيئاً منها عناصر معمارية كالأقواس والشناشيل أو عندما تكون في يدها الشمعة أو السيف الذي يظهر رهيفا كأنما هو أثيرٌ يقطع في الأثير. ربما تتصل أعمال حسن عبد علوان بأعمال رسام المقامات الشهير يحيى بن محمود الواسطي، البغدادي الذي عاش في القرن الثالث عشر، إذ من اللافت أن علوان قد استفاد من تقنياته في تجسيد الشخوص، حيث لا التزام بأصول التشريح ولا عمق أو بُعد ثالث بل يتم التعبير عنها عبر ما يُعرف بالتراكب، أي كلما كانت العناصر أقرب إلى عين الناظر للوحة، وفي مقدمتها تكون أعلى وأكبر على المستوى التعبيري، لكنّ ما يميز صنيع عبد حسن علوان هنا هي أنه جعل من هذه التقنيات تعبيراً فنياً حداثوياً ينطوي على بساطة وعمق مبهرين بالفعل. وتتأكد هذه النزعة الحداثوية أكثر في «الفراغ» اللوني الذي تتؤسس عليه اللوحة، والذي يضبط إيقاع الحركة اللونية المنسابة على السطح التصويري، حتى أن هذه الخلفيات أو الفراغات الضوئية تكاد لا تُرى من فرط ما أنها طيفية، في حين ترك الملوِّن تلك «النورانية» للمرأة في تجلياتها المختلفة، وهي تلهو مع رموزها الخاصة والقديمة القادمة من الثقافات القديمة للمنطقة، وتحديداً السومرية، كما هي الحال مع الحصان والديك أو مع آلة موسيقية. إنها «نورانية» تبدو للناظر إليها كما لو أنها مشغولة بألوان مائية شفافة، لكن العين عندما تقترب أكثر من العمل فإن مخيلة التلقي ستدرك أنها ألوان زيتية إنما عولجت على السطح التصويري للوحة بطريقة خاصة جداً، تخص الفنان حسن عبد علوان وحده، مثلما أنها طريقة تميّزه كاحد الملوّنين الكبار في المدرسة البغدادية المعاصرة.