الداخلية تعلن ضبط أجهزة تشويش طيران أثناء محاولة تهريبها لليمن عبر منفذ صرفيت    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    عاجل: هجوم صاروخي للحوثيين في خليج عدن وإعلان أمريكي بشأنه    قيادي حوثي يسخر من إيران ويتوقع تعرض الرئيس الإيراني (إبراهيم رئيسي) للاختطاف مع مروحيته    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    شيخ الأزهر يعلق على فقدان الرئيس الإيراني    بن دغر يدعو للتحرك بشأن السياسي محمد قحطان.. وبن عديو: استمرار اختطافه جريمة بحق الوطن    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الوزير الزعوري يتفقد سير العمل بمشروع إعادة تأهيل شوارع ومداخل مستشفى المعاقين ومركز العلاج الطبيعي عدن    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    - البرلماني حاشد يتحدث عن قطع جوازه في نصف ساعة وحرارة استقبال النائب العزي وسيارة الوزير هشام    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديكتاتورية الأغلبية: الديمقراطية عند الإسلاميين.. صناديق اقتراع
نشر في الجنوب ميديا يوم 24 - 02 - 2012


الثلاثاء 29 يناير 2013 11:17 صباحاً
المجلة
في ختام نقاشه الحاد مع استاذ القانون الدستوري جابر نصار حول مواد القضاء العسكري في الدستور المصري المقترح، قال المتحدث باسم حزب النور السلفي نادر بكار وبنبرة حاسمة "هناك آلية اتفق عليها البشر منذ فجر التاريخ اسمها آلية التصويت.. أقنع حضرتك الشعب المصري وبعد كذا الناس تقول نعم أو لا".
كان هذا النقاش جزءا من الجدل الحاد الدائر بين الإسلاميين من جهة، والقوى الليبرالية واليسارية والأقباط من جهة أخرى، حول آلية إقرار الدستور في النظام السياسي الجديد. كانت حجة الإسلاميين المتكررة حول من يطلب منهم عدم تمرير دستور لم يحصل التوافق عليه بين القوى السياسية هي أن الحكم بيننا هو صناديق الاقتراع وما ترتضيه الأكثرية.
ولم يتوان حتى الرئيس محمد مرسي، والذي اكد سابقا اشتراطه للتوافق السياسي لأي دستور يمرر، من استخدام هذه الحجة في تعليقه على الاشتباكات أمام قصر الاتحادية متسائلا في خطابه الذي بثه التليفزيون المصري: "لابد وأن ننزل جميعا على إرادة الشعب، وهذه الإرادة لا تعبر عنها التجمعات الغاضبة ولكن بالحوار والسكينة التي تنزل فيها الأقلية على رأي الأغلبية، وهذه هي الديموقراطية"، ولم تمض أيام قليلة حتى كان مرشد الإخوان محمد بديع ورجل التنظيم القوي خيرت الشاطر يكرران ذات الحجة. بينما كان محمد البرادعي القيادي في الجبهة الوطنية المعارضة يكتب في موقعه علي تويتر: "في وجود رئيس محصن له صلاحيات مطلقة وغياب سلطة قضائية ومشروع دستور يؤسس للاستبداد يكون الاحتكام إلى الصندوق خديعة فاقدة للشرعية وديمقراطية زائفة".
فهل الديمقراطية والتي قامت من أجلها ثورة يناير تعني بالفعل خضوع الأقلية للأكثرية عبر صناديق الانتخاب، هكذا بالمطلق كما يحاجج الإسلاميون؟ إن عودتنا إلى تاريخ تطور الحريات و الديمقراطية تكشف لنا أن الانتخاب لم يكن يوما مساويا للحرية، وأن الحريات كثيرا ما ترعرعت بعيدا عن جلبة الانتخابات، بل إن الاستبداد كثيرا ما داهم البشر عبر صناديق الاقتراع.
حكم الدستور و الحريات الفردية أولا
إحدى أهم اللحظات التي كرست الديمقراطية الليبرالية في الولايات المتحدة الأمريكية هي الحرب الأهلية الأمريكية، وهي لحظة تاريخية تكشف كيف تنمو حقوق الإنسان والحريات الفردية أحيانا ليس بالتصويت والانتخابات ولكن على الرغم عنها. كانت العبودية والتفرقة العنصرية قد تجذرتا في الجنوب الأمريكي من خلال النظام الديمقراطي، وواجه الذين حاربوا العبودية مشكلة أن أغلبية الناخبين الجنوبيين دافعت عنها بشراسة، ولم يمكن التخلص منها الا بعد أن سحقت قوات الشمال الجنوب. و لاحقا، حصل التقدم -الذي سبق قانون الحقوق المدنية عام 1964 والتي أنهت نظام التمييز العنصري الذي خلف العبودية- بفعل تدخل السلطة التنفيذية أو عبر قرارات المحكمة العليا، كدمج السود مع البيض في المدارس على سبيل المثال.
الديمقراطية الليبرالية تعني أن النظام السياسي محكوم ليس فقط بواسطة الانتخابات الحرة ولكن أيضا بحكم القانون وفصل السلطات، وحماية الحريات الأساسية للحياة والتعبير والتجمع والدين والملكية وحرية الصحافة، انطلاقا من التأكيد بأن للبشر حقوقا طبيعية تولد مع خروجهم للحياة، ويشرح الكاتب الأمريكي فريد زكريا في كتابه الهام "مستقبل الحرية" بأن هذه الحزمة من الحريات والحقوق ليس لها رابط جوهري بالديمقراطية "اذا اقتصر معناها على الانتخابات الحرة و رأي الأكثرية"، فلطالما تطور نمو الحريات الفردية تحت أنظمة حكم غير منتخبة، وتحولت لاحقا إلى نظام ديمقراطي تقوم فيه الانتخابات على احترام مكتسبات الأفراد من حقوق وحريات.
في تأريخه لنمو وتطور الحريات الفردية في الغرب، يشير زكريا إلى أهمية النزاع بين ملاك الأراضي و ملوك انجلترا والذي بفضله تمكنت الأرستقراطية الإنجليزية أن يضمن لهم الملوك بعض الحقوق لا يستطيع حتى التاج الملكي أن ينتهكها، فبعد نزاع استمر أربعين سنة أجبرت طبقة النبلاء الملك جون ابن هنري الثاني على توقيع وثيقة "Magna Carta"‪والتي تفصل حقوق اللوردات الإقطاعيين، وأيضا تضمن حرية الكنيسة ووقفت ضد الظلم الذي يحيق بأي من مواطني الملك، لاحقا تحولت هذه الوثيقة لدى القضاة الإنجليز إلى شبه دستور قدَّس بعض الحقوق الفردية، ووصفه المؤرخ بول جونسون بأنه صُنف عن جدارة كأول القوانين الانجليزية للعالم، والتي منها تتدفق الحريات الإنجليزية وكذلك الأمريكية كما يقال".
في مرحلة تاريخية لاحقة، أوجدت الرأسمالية الناشئة في إنجلترا مجموعة من الأغنياء الذين كونوا ثرواتهم من النشاط التجاري المستقل لا من عطايا الملك، ولأنهم استفادوا كثيرا من الرأسمالية ومن حكم القانون ومن السوق الحرة ومن النظام المستند إلى القدرة، قاموا بدعم الاصلاحات التدريجية التي عجلت في هذه التوجهات.
هذه البرجوازية الصاعدة حاربت النظام الإقطاعي القديم، ولما انتصرت، أعادت صنع البلاد في صورتها الخاصة: تجارية ومولعة بالكسب ومتبدلة اجتماعيا وديناميكية ، لذلك يقول فولتير" التجارة التي أغنت مواطني إنجلترا ساعدت على تحريرهم.. وتلك الحرية بدورها وسعت التجارة"، وحتى ماركس جادل بأن الرأسمالية تطلق بورجوازيات تجارية والتي حتما ستحطم النظام الأرستقراطي القديم و تؤسس نظاما يحمي الملكية والعقود والحريات الأخرى.‬‬
من ناحية أخرى، كان للصراع العظيم بين الكاثوليك والبروتستانت نتائج هامة للحريات. كان البروتستانت اقلية دينية في اغلب الأحيان ضمن تجمعات أكبر، وكافحوا من أجل حقوق كل الأقليات في المعتقد والعبادة، وهو ما فتح الفضاء للحرية الدينية في الغرب. وفي عام 1648 – أي بعد 150 سنة من تحدي مارتن لوثر للفاتيكان- أنهى صلح وستفاليا حرب السنوات الثلاثين بين الألمان وكرس مبدأ "من يحكم، دينه يسود" أي أن الأمراء يمكن أن يختاروا أديان الدولة، وهو ما فتح المجال للتسامح الديني، فقد قضى هذا الصلح على فكرة أن أوروبا كانت مجتمعا مسيحيا عظيما واحدا يحكمها روحيا الكنيسة الكاثوليكية ودنيويا الإمبراطور الروماني المقدس.
ولأسباب مماثلة كانت بعض الأماكن في أوروبا: الدنمارك و بلجيكا و هولندا والبلدان الاسكندنافية، أكثر قربا من النموذج الإنجليزي "تطور للرأسمالية مبكر ونشوء لبورجوازية مستقلة اقتصاديا تكرس سلطة القانون وفصل السلطات وحق الملكية والحريات الفردية قبل تطور تداول رأس السلطة عبر الانتخابات"، وهو ما أدى في نهاية المطاف لديمقراطيات تتداول السلطة لكن تحترم الحريات الفردية وحكم القانون وفصل السلطات بعيدا عن أي مخاوف فاشية، وهو ما دعى عالم الإجتماع في جامعة هارفارد بارينغتون مور والذي درس الطريق الى الديمقراطية والدكتاتورية حول العالم للإستنتاج "لا بورجوازية، لا ديمقراطية".
لم يكن البلد الأبرز في ازدهار الحرية الفردية والمساواة تحت حكم القانون في القرن التاسع عشر – انجلترا- ديمقراطيا تلك الحقبة، فحتى عام 1832 (اقرار الإصلاح الانتخابي) لم يكن مؤهلا للتصويت أكثر من 8.1 في المائة من السكان البالغين في المملكة المتحدة (أبناء الطبقة الوسطى)، وكان على الطبقة العاملة الانتظار حتى نهاية القرن لتحصل على نفس الحقوق.
فرنسا كانت نموذجا معاكسا. فقد انتقلت للتصويت والانتخابات دون أن تطور أي تقاليد للحريات الفردية وحكم الدستور وفصل السلطات، لقد انتقلت السلطة بعد الثورة من الملك كما هي إلى الجمعية الوطنية، والتي مضت في اعتقال وقتل الآلاف، وصادرت الملكيات، وعاقبت على المعتقد الديني، وبعد أكثر من 150 عام من ثورتها -أي بعد الحرب العالمية الثانية- انتقلت فرنسا إلى الديمقراطية الليبرالية. يقول آلان تورين عن النموذج الفرنسي للديمقراطية "فُرض ملكوت المجتمع أو الأمة بصورة لا تقل شراسة عن تلك التي فُرض بموجبها نظام ديني أو ملكي، بل تفوقها بعض الأحيان".
طوال القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، تصارع في أوروبا تقليدان: من جهة كانت تتطور الديمقراطية الليبرالية في إنجلترا وبعض المناطق الأخرى في أوروبا، والتي اكتسبت حكم الدستور وفصلت السلطات وحمت الحقوق والحريات الفردية تدريجيا وتوجت تلك المكتسبات بالانتخابات وتوسيع التصويت، ومن جهة أخرى استبدادية شعبوية وصلت للسلطة بالانتخابات وبدونها، من نوع أدولف هتلر وموسوليني وكارل لوغر وغيرهم. كتب النصر في النهاية للديمقراطية الليبرالية بعد أن مرت معظم اوروبا بطريق صعب ودامي، تحول في كثير من الأوقات إلي حروب وفاشية، في نهاية أربعينيات القرن العشرين تحولت أكثر الدول الأوروبية إلى هذا النموذج الذي تطور في انجلترا وأمريكا، ولحقت أوروبا الشرقية بالركب بعد 1989.
كيف تستبد الأغلبية؟
يجدر ببواكي الديمقراطية الجدد، الذين يترافعون حول احقية أكثرية صندوق الانتخاب في صياغة مجمل النظام السياسي، يجدر بهم أن يتعرفوا الى ما حصل "لإخوانهم" المسلمين في الهند على أيدي الأغلبية الهندوسية المنتخبة. بعد تزايد المد القومي والطائفي في الهند وصل حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي الأصولي إلى السلطة عبر إنتخابات شارك فيها ما يزيد عن نصف السكان، استخدم الحزب خطاب قوي للقومية الهندوسية و يعادي الإسلام والمسيحية، ونظم حملة وطنية هائلة لتحطيم مسجد في شمال الهند، وشرع في إعادة كتابة تاريخ الهند لإضافة طابع هندوسي وتقليل الإشارات إلى المسلمين والأقليات الأخرى، وحينما وجد الحزب نفسه في خضم مشكلة سياسية اذكى مزيدا من النزاع الديني، فقامت حكومته المحلية بدعم مذبحة في غوجارات عام 2002، راح ضحيتها آلاف الرجال والنساء والأطفال المسلمين، وسمحت بالتطهير العرقي لعشرات الالآف من إحيائها وبلداتها، المثير جدا أن كل الدلائل تشير إلى أن ذلك ساعد في تمتين القاعدة الانتخابية الهندوسية لحزب بهاراتيا. لم يكن ذلك العنف المدعوم حكوميا موجها ضد المسلمين فقط، فبين عامي 1989-1999 قتل مسيحيون وأُحرقت الأناجيل ونهبت الكنائس واغتصبت الراهبات في هجمات مدفوعة دينيا، وأعاقت الحكومة المنتخبة التحقيق في هذه الجرائم. كان جيمس ماديسون أوضح في الأوراق الفيدرالية "أن الخطر من الظلم في الديمقراطية يأتي من أغلبية المجتمع".
في تفسيره لآلية استبداد الأغلبية إن لم تردع بضمانات دستورية تحمي كل مواطن و كل أقلية، يقول فريد زكريا "السبب بسيط: بينما المجتمع ينفتح والسياسيون يتدافعون للوصول إلى مراكز القوة، يناشدون الجمهور باستعمال الأصوات واللغة الأكثر فاعلية، أي لغة تبني تماسك للمجموعة في مواجهة المجموعة الأخرى. في أغلب الأحيان هذا يذكي نيران النزاع العرقي أو الديني. و أحيانا يتحول النزاع إلى حرب شاملة".
المثال الكلاسيكي على الفاشية المترتبة على تصويت انتخابي ضمن ديمقراطية غير ليبرالية هو صعود أدولف هتلر إلى السلطة. في عام 1932 أجرت المانيا انتخابين وطنيين، وحل الحزب النازي في المرتبة الأولى في كلا الانتخابين، وحصد 37 و 33 في المائة من الأصوات، وفي انتخابات 1933 فاز ب44 في المائة من الأصوات وطلب منه تشكيل الحكومة، واستفاد الحزب النازي من العملية الديمقراطية لتنظيم صفوفه والانتشار إلى البلدات و المدن الصغيرة. وتحت تأثير الكساد الإقتصادي تعلقت الجماهير الألمانية بوعود القيادة الجريئة في استعادة قوة الأمة. وكلما ازداد تطرف خطابات هتلر ازدادت شعبيته أكثر، باقي القصة معروف وبشع. يقول احد دارسي الدمقرطة جاك سنايدر "إن القومية الاستبدادية العنصرية انتصرت في نهاية جمهورية فيمار -تأسست في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى- لا رغما عن دمقرطة الحياة السياسية لكن بسببها" يعني بسبب توسع القاعدة الانتخابية دون أي ضمانات لفصل السلطات و حكم القانون وحماية الحريات الفردية.
ولم يكن عجيبا أن يحي هتلر في كتابه كفاحي فاشيا شعبويا آخر هو كارل لوغر ، فلوغر الذي انتخب عام 1895 رئيسا لبلدية فيينا اشتهر بخطابه الذي يجمع غلوا قوميا مع توجه شيوعي، مطلقا على برنامجه اسم الإشتراكية المسيحية، وكثيرا ما شبه اليهود بالجراد، وطالب بسحقهم في الأرض أو إغراقهم في البحر. امبراطور هابسبورغ فرانز جوزيف الأول قرر أن انتخاب لوغر يشكل تهديدا للحريات المدنية في المدينة، وفي تصرف غير مسبوق رفض الإعتراف به. بينا مفكرو فيينا، وهم المعارضون تقليديا للحكم الملكي، وجدوا انفسهم في موقف حرج في تأييد الملك ضد الناس باستثناء قلة كان منهم سيجموند فرويد.
وفي مثال صارخ على ما يمكن ان تفعله الأكثرية بالأقليات حين تطلق يدها لتفعل ما تشاء هو ما حصل للبوسنيين على أيدي القوات الصربية باسم التطهير العرقي وتحقيق تجانس الأمة ثقافيا، فميلوسيفيتش- المنتخب عام 1990- والقوميون الذين هم اشد تطرفا منه يمثلون أكثرية مرموقة من الرأي العام الصربي، "إن ما جرى في البوسنة يبرهن على أن الديمقراطية لا تتعرف لا بالمشاركة، بل باحترام الحريات والتنوع" كما يقول ألان تورين في كتابه: "ماهي الديموقراطية؟ حكم الأكثرية أم ضمانات الأقلية". وفي مثال قريب صوتت الأكثرية البرلمانية الكويتية على منع المرأة من حقها في التصويت، بخلاف رغبة الأمير – حاكم البلاد غير المنتخب- ومرة أخرى، كان هذا استجابة لنوازع استبدادية عند جمهور من الناخبين.
في مناطق مختلفة من العالم، تُقْدم حكومات منتخبة تدعي تمثيل الناس على توسيع سلطاتها بالتعدي خارج صلاحياتها التنفيذية على السلطة التشريعية أو القضائية، أو تتغول على مكونات المجتمع المدني والأحزاب والجامعات ومراكز البحث وتقلص حرية الصحافة بما يضمن تركيز السلطة في يدها أو في يد الحزب الحاكم باسم انها تمثل الناس، وبقمع أي صوت آخر وقتل البؤر التي تنتج افكاراً مخالفة ومعارضة لتوجهات السلطة، تتحول الأكثرية المؤيدة للسلطة من أكثرية افكار متغيرة بتغيرة المشكلات التي تفترض حلولا لها إلى أكثرية دائمة مؤيدة للزعيم الذي يتحدث باسمهم وباسم مصالحهم الثابتة تجاه المجموعات الأخرى في ذات البلد، وهنا تنظر "السلطة إلى لمعارضة كخونة عوضا عن أن ترى فيهم أناسا ذوي مصالح وأفكار مختلفة عن مصالحها وأفكارها" كما ينبه تورين.
كانت روسيا في عهد يلتسين مثالا لحكومة تقتل الديمقراطية باسم حمايتها من أعداءها، فتحت غطاء محاربة أعداء الديمقراطية، خلق دستور 1993 برلمانا ضعيفا وسلطة قضائية تابعة وصلاحيات رئاسية متضخمة، وفي سنة 2000 سيطر الائتلاف الحاكم بقيادة بوتين على "إن تي في" آخر وسيلة إعلامية مستقلة في البلاد وطرد موظفيها، والملفت للنظر أن 57٪ من الناخبين الروس وافقوا في استطلاع للرأي على رقابة بوتين على أجهزة الإعلام، وهو ما يؤكد لنا مرة اخرى عدم اهتمام الناخبين في حالات تصاعد المد القومي أو الديني أو تحت تأثير الخطابات الشعبوية ضد الأغنياء أو أعداء الأمة، عدم اهتمامهم بأي حفاظ على توازنات الديمقراطية "كحرية الصحافة ومساحة المعارضة واستقلال القضاء والجامعات وحيوية المجتمع المدني".
بالإضافة للخلط بين الحكومة القوية والتي تركز السلطات في يدها وبين الحكومة الفعالة، يتقلص الحذر لدى الناس من تركيز السلطات إذا كانت السلطة منتخبة، أو كما يقول جون ستيوارت ميل إن الناس يميلون للإعتقاد أن "الأمة ليست بحاجة لأن تحمي نفسها من إرادتها الخاصة". سُئل أليكساندر لوكاشينكو بعد أن انتخب رئيسا لبيلاروسيا بفارق كبير من الأصوات عام 1994 حول تحديد سلطاته، فأجاب "لن يكون هناك دكتاتورية، أنا من الناس، وسأكون للناس"، ولم يكن ذلك سوى تطمينات مخادعة معتادة، فما نعرفه لاحقا أن لوكاشينكو بقي في السلطة على مدى ستة عشر عاما، وقمع أعضاء المعارضة، و أودع بعض منافسيه السجن.
صندوق الانتخاب كقنطرة للهيمنة
في المقطع الشهير بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مصر في مارس 2011، يجلس الشيخ السلفي المهيب محمد حسين يعقوب وسط طلابه في مسجد الهدى بإمبابة في إحدى مساءات الأحد، مكبرا تكبيرات العيد مع الحضور بترديد يملأ جنبات المسجد، وبإبتسامته العريضة يبشرهم "لقد كانت هذه غزوة.. اسمها غزوة الصناديق، ولقد قالت الصناديق للدين نعم "مشيرا لقبول التعديلات الدستورية في ذلك الإستفتاء، ثم يوجه كلامه للقوى المدنية "الدين هيدخل في كل حاجة، مش دي الديمقراطية بتاعتكم؟ الشعب قال نعم للدين، واللي يقول البلد ما نعرفش نعيش فيه، أنت حر، ألف سلامة، عندهم تأشيرات كندا وأمريكا" ثم عقب موضحا رؤيته لطبيعة الإستفتاء الذي تم "القضية ليست قضية دستور.. انقسم الناس إلى فسطاطين، فسطاط دين، فيه كل أهل الدين والمشايخ، كل أهل الدين بلا استثناء كانوا بيقولوا نعم" واختتم كلمته مطمئنا أنصاره "ما تخافوش خلاص البلد بلدنا".
السؤال الأهم تجاه هذه "الفاشية الصريحة" هو معرفة مواقف الجماعة الإسلامية الأهم والتي تقدم نفسها كتيار إسلامي أكثر اعتدالا من التيار السلفي وهي جماعة الإخوان المسلمين من حكم الدستور و فصل السلطات وحماية حقوق الإنسان و الحريات الفردية والسماح لمعارضة نشطة ومجتمع مدني حيوي.
بالعودة إلى نصوص مؤسس الجماعة حسن البنا (1906-1949) نلاحظ اضطرابا ما بين خطاب الإصلاحية الإسلامية مطلع القرن العشرين، والتي قبلت الدولة الدستورية والتعددية السياسية، وبين إحيائية إسلامية، تكرست مع المنظر اللاحق للإخوان المسلمين وهو سيد قطب، والتي رفضت نموذج الدولة الغربية بتحكيمها للشعب كمصدر للسلطات واحترامها للدستور وتشديدها على التعددية السياسية.
البنا وفي نصوص عامة، قبل الدستور المصري – دستور 1923- إلا انه نبه على قصور في عباراته، وسوء في التطبيق، وتقصير في حماية القواعد الأساسية التي جاء بها الإسلام وقام عليها الدستور، وشكى من أن كثيرا من القوانين التي تسير عليها المحاكم تتنافى صراحة مع الإسلام (الرسائل 237). و تساءل البنا "إننا نقلنا هذا النظام النيابي عن اوروبا فإلى أي مدى ينطبق على الإسلام؟" وكإجابة على ذلك، رأى أن النظام النيابي لا يتعارض مع الإسلام لكنه رفض بشدة وبتكرار التعددية الحزبية. وبخلاف ما يبرر به هذا الرفض من أنه رفض للحزبية القائمة وقتها في مصر، فإن نصوص البنا كانت صريحة في اعتبار أن النظام الحزبي مخالف للإسلام وإلى ما يدعوه إليه من توحد الأمة. خاطب البنا احد مؤتمرات طلبة الإخوان قائلا "اعتقد أيها السادة أن الإسلام وهو دين الوحدة في كل شيء..لا يقر نظام الحزبية ولا يرضاه والقرآن الكريم يقول «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا »" (الرسائل 338). وبعد أن ذم الحزبية في موطنها الأوروبي لأنها سببت الفرقه، فإنه يشير الى أن ما دعى أوروبا إلى تبني الحزبية هو تباين المشارب واختلاف الآراء، وأن الأمم الإسلامية قد حماها الله من ذلك كله، وعصمها بوحدة الإسلام، إذ لون الحياة الإجتماعية فيها واحد في أصوله واتجاهاته العامة، ولذلك يرى أن "لا مناص بعد الآن من جمع قوى الأمة في حزب واحد يعمل لاستكمال استقلالها وحريتها" ثم يُنظم المجتمع في ظل الوحدة التي يفرضها الإسلام.
ومن ناحية أخرى اشترط البنا بأن من يتقدم للبرلمان أن يكون من أهل الحل والعقد بصفاتهم المحددة سلفا، وعدم السماح لغيرهم بالترشح للبرلمان (الرسائل 242). و بلاشك أن هذه الوحدة التي يتصورها البنا للدول في النظام الإجتماعي وفي المصالح المفترضة وفي الرؤى المتداولة لوجهة أي بلد اقتصاديا وسياسيا هي وحدة متوهمة، كل وظيفة التشديد عليها هو نزع شرعية التعددية السياسية التي لا تقوم ديمقراطية إلا بها.
ولم يدع حديثه المطنب عن الوحدة على أساس الإسلام، والتي ربطها في إحدى رسائله باجتماع الكلمة والجماعة والتي يستحق من يفارقها القتل،لم يدعه عائما وقابلا لتفسيرات متناقضة بل فصله في مطالب محددة تعرف بالمطالب الخمسين، أشار لها ابتداءا في المؤتمر السادس لجماعته عام 1941، ثم كان أكثر تحديدا لها في رسالة النور والتي أرسلها للقيادات السياسية وأهل الرأي في العالم الإسلامي في شهر مايو عام 1947 – قبل اغتياله ب18 شهرا- وروح مطالبه، والتي تكشف عن تصوره لدولة شمولية، مسكونة بحدة لا تستر نفسها تجاه ما اعتبره تغريبا وعادات اجنبية ضارة انتشرت في بيوت الطبقة الراقية خصوصا (وهي حدة -تجاه الغرب المفلس في نظر البنا والتغريب والإلحاد الذي جاء به- تملأ رسائل البنا خاصة رسالة بين الأمس واليوم وهي تضعف موقف من يصنف البنا كامتداد للإصلاحية العربية)، وهذه المطالب تكشف بالإضافة لنوع الوحدة الإجتماعية والساسية التي كان البنا يطالب فيها وينظر لها كثيرا في رسائله، تكشف أيضا موقفه من الحريات الفردية في مجتمع يعج بالتنوع كالمجتمع المصري.
فبالإضافة لتكرار مطلبه حول توجيه قوى الأمة في وجهة واحدة و وصف واحد، فهو يطالب بالتفكير في توحيد أزياء الأمة تدريجيا، وتوجيه الصحافة وتشجيع الكتاب على طرق المواضيع الإسلامية الشرقية، والقضاء على الروح الأجنبية في البيوت من حيث اللغة والعادات والأزياء والمربيات بخاصة في بيوت الطبقة الراقية، واعتبار دعوة الحسبة، ومراقبة سلوك الموظفين الشخصي، ومراقبة دور التمثيل وأفلام السينما والروايات والأشرطة، ومراقبة ما يشتغل به رواد المقاهي وإرشادهم لما ينفعهم، وعدم السماح لها بالافتتاح لوقت طويل، وتنظيم المصايف بما يقضي على الفوضى والإباحية، وغير ذلك من مطالب تعبر عن نوع العلاقة بين الدولة والمواطن كما يتصوره البنا، واحتوت الرسالة على مطالب سياسية واقتصادية اخرى.
أفكار سيد قطب – المنظر الأهم للإخوان بعد البنا- بعد ثورة يوليو 1952 حين كان قريبا من الضباط الأحرار كانت أكثر وضوحا في الشعبوية التي تدعو لتجاوز الدستور و توحيد قوى الأمة والتبرير للدكتاتورية باسم التطهير.
يقول قطب في مقال له بجريدة الاخبار بتاريخ 8 اغسطس 1952 تحت عنوان (استجواب إلى البطل محمد نجيب): "إن الرجعية اليوم تتستر بالدستور، وهذا الدستور لا يستطيع حمايتنا من الفساد إن لم تمضوا أنتم فى التطهير الشامل الذى يحرم الملوثين من كل نشاط دستورى ولا يبيح الحرية الا للشرفاء.. قد احتمل هذا الشعب ديكتاتورية طاغية باغية شريرة خمسة عشر عاما او تزيد.. افلا يحتمل ديكتاتورية عادلة نظيفة ستة أشهر!". وفي وقت لاحق وبعد سجنه وتعذيبه على يد الضباط الأحرار، كتب قطب رافضا أي شكل دولة حديثة دستورا وبرلمانا وتشريعا.
لقد كتب ألان تورين عن هذه الصورة "صورة الثوريين الشعبيين الذين يعبئون الأمم ضد أعدائها الداخليين والخارجيين. لقد أرادت الثورات في أحيان كثيرة إنقاذ الديمقراطية من اعدائها. لكنها أسفرت عن أنظمة مضادة للثورة إذ مركزت السلطة وقبضت على مقاليدها، ودعت إلى الوحدة القومية ودعت إلى الالتزام الجماعي، وشجبت أعداء حكمت بأن التعايش معهم مستحيل إذ اعتبرتهم بمثابة الخونة".
واقع الحال، أن ثورة الضباط الأحرار وحدت قوى الأمة في حزب واحد كما تمنى البنا، وسعت لديكتاتورية عادلة كما طالب سيد قطب، ولكنها إذ فعلت ذلك بدأت بالإخوان أولا فعلقتهم على المشانق وأودعتهم غياهب السجون.
ضمن التأريخ الكلاسيكي لتطور الفكر الديمقراطي للإخوان في مصر، يشار لمشاركتهم المحدودة في الانتخابات البرلمانية طوال عقد الثمانينات، وبيانهم عام 1994 والذي قبلوا فيه التعددية السياسية إذا كانت في إطار دستور اسلامي، إلا أن الأكثر مصداقية هو تتبع سلوكهم وخطابهم السياسي بعد انفتاح المجال السياسي أمامهم عقب ثورة 25 يناير، و تتابع الإشارات المقلقة حول عدم احترامهم للديمقراطية باعتبارها حماية للتنوع والإختلاف لا سبيلا للهيمنة و الاستئثار، أو اهتمامهم بالحريات الفردية وفصل السلطات وحرية الصحافة. ردا على الاتهامات المتكررة للإخوان بأخونة الدولة المصرية أبدى سعد الحسيني، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين اندهاشه قائلا: "الرئيس محمد مرسي نجح في الانتخابات بالشرعية وأصوات الناخبين، ومن الطبيعي أن يحكم مصر مستعيناً بالإخوان وهذه هى الديمقراطية مما يعني أن أخونة الدولة هى الديمقراطية"، فيما تهكم القيادي الإخواني الآخر صفوت حجازي على من يقولون إن الإخوان يريدون أن يجمعوا كل السلطات في أيديهم، وأضاف قائلا: "أيوه بقى إحنا عايزين نكوّش على كل السلطات"، متسائلا: "أليست الديمقراطية هي التي تأتي بالإخوان؟ إذن نحن نريد التكويش على السلطة فعلًا".
وتحت عنوان "إنها معركة عقيدة: مستقبل الصراع بين الإسلام وأعدائه" كتب محمد الخطيب عضو مكتب الإرشاد السابق في مقال منشور بموقع حزب الحرية والعدالة الإخواني مطلع ديسمبر الفائت -آثناء الصراع السياسي حول الإعلان الدستوري- "وما يدور الآن فى بلاد الإسلام، وعلى رأسها مصر، ما هو إلا امتداد لهذه الأحقاد يحملها كل مَنْ بَعُدَ عن الله ووقع فى قبضة الشيطان الذى يحركه اتجاه لمحاربة الإسلام، والكيد للمسلمين، والحرص على التخريب والإيذاء المتعمد لأمة مسلمة تريد أن تعيش للبناء والتعمير والسعى فى الأرض لعمارتها، لكن هؤلاء لا يريدون إلا الفساد والتخريب وإهلاك الحرث والنسل والصد عن سبيل الله، ونقول لهم: إن سعيكم باطل ومردود عليكم، وإن أكاذيبكم مكشوفة، وإن إعلامكم مفضوح".
ويمتلئ خطاب القيادات الإخوانية بلغة التخوين للمعارضة السياسية منذ أن اشتد الصراع السياسي بعد الإعلان الدستوري للرئيس محمد مرسي، وقبل ذلك بنحو سنة تعرض عضو مكتب الإرشاد السابق عبد المنعم ابو الفتوح للتخوين والتشهير حين اختلف مع الجماعة وخرج منها، فحذر محيى الزايط مسئول شرق القاهرة داخل الإخوان وعضو مجلس شورى الجماعة من أن أبو الفتوح "ممكن يضعنا في السجون كما فعل عبد الناصر"، بينما اقسم مجدي فتحي أحد قيادات الإخوان بالبحيرة في لقاء توضيح رؤية لشباب الجماعة أن أبو الفتوح "سيضع من يدخل الجامع ويقرأ القرآن في السجن وسيمنع النساء من لبس الحجاب". نجد انفسنا أمام خطاب لا يحتمل اية معارضة جادة له بل يندفع إلي تخوينها وهي أحد أهم خصائص الفاشية.
يشير حازم صاغية في كتابه الصادر حديثا "الانهيار المديد" إلى أن الشعوب العربية قد تطلب التحرر من الطاغية المستبد لكنها قد لا تريد الديمقراطية بالضرورة، وانها أحيانا قد لا تستطيع انشاءها، وأن ضعف التمييز بين هذين الأمرين عائد "للشوق الحارق إلى إزاحة حاكم غاشم، والرغبة العارمة في إضفاء كل المعاني الفاضلة على تلك الإزاحة". إن الشوق إلى التحرر والحرية هو ما يدفع كثير ممن يطلبهما إلى تجاهل الحقيقة الجاثمة خلف أيديولوجيات قد تدافع عن نفسها أو عن مشروعها ضد حاكم غاشم، لكنها لا تملك إلا أن ترثه بكل استبداده ولا تعدم حينها التبريرات لنفسها.
في أثينا في القرن الرابع قبل الميلاد، حكم مجلس الشيوخ المنتخب بإعدام سقراط لفساد تعاليمه، ويقال إن تلاميذه أعدوا له سبيلا للهرب، ولكنه رفض بدعوى اظهار الشجاعة واحترام القانون. اختار هذا الفيلسوف العظيم الانصياع لقانون يتيح التضحية بحياته اذا ما استثار سياسي ما مشاعر العامة، وتجرع السم وسط أسى طلابه. لكن هناك و على مدار التاريخ من وقفوا أمام سلطات فاشية ولم يرهبهم ذلك القول المتفصح الذي يعارض بين سلطة الأكثرية وكرامة الإنسان وحريته، "ولقد انتعشت الذهنية الديمقراطية بفضل جميع هؤلاء الذين أصروا على حقهم الأساسي بالحياة أحرارا في وجه سلطات مطلقة كانت إطلاقيتها تزداد يوما بعد يوم" كما كتب تورين.
واليوم يقف من فجر ثورة 25 يناير في ميدان التحرير، مدافعين عن حرياتهم الأساسية أمام سلطة ترفع على أسنة رماحها صندوق الانتخاب أمامهم، وسيكشف لنا المستقبل القريب إن كان هؤلاء الشباب سيمضون في طريقهم، أم سيتجرعون السم كسقراط.
* من طارق المبارك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.