قيل قديماً: «الرفيق قبل الطريق».... وليس هناك أبلغ من قول الحق سبحانه وتعالى في تحذيره من خليل السوء، عندما قال: (.. ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا «يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا»، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا). معلم البشرية الأول ينبهنا إلى أهمية انتقاء الصديق، عندما يقول عليه الصلاة والسلام: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»، بل يمعن في تجسيد تأثيره في تشبيه بليغ رائع، ويقول صلاة الله وسلامه عليه: «الصديق مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما يحذيك، وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق بدنك وثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة». إذا كان الشر صفة تلازم البشر كما هو الخير، وإذا كان «أصدقاء السوء» موجودين في كل زمان ومكان، وفي أي مجتمع أو تجمع إنساني، فإن تحديد مفهوم «الشر» أو «السوء»، وحدود تلك القيمة السلبية، أو معيارها، يتكون في العقل الجمعي البشري، أو في أي مجتمع وفقاً لثوابته الدينية والأخلاقية، وثقافته وأعرافه وعاداته وتقاليده. ومن ثم، فإن الحكم على سلبية أو انحراف السلوك، ووصفه «بالسوء»، إنما يخضع لمعايير نسبية تتفق وتلك الثوابت، وتتوافق وثقافة كل مجتمع، لذا فإننا نرى أن ما يُحرم أو يُمنع أو يُستهجن هنا أو هناك، نجده طبيعياً ومباحاً ومقبولاً في مكان آخر. بل كثيراً ما نجد هذا التباين والاختلاف في المجتمع الواحد، ونرى أن هناك فروقاً جوهرية واضحة في أحكام الناس إزاء ظاهرة ما في المجتمع نفسه، ومن هنا اتفق خبراء الأنثربولوجيا الاجتماعية والعلوم الإنسانية والسلوكية على أن السلوك المباح أوالمُحرم أوالمقبول أو المرفوض، إنما هو نتاج للثقافة السائدة في هذا المجتمع أو ذاك. وعندما نستهدف صياغة معالجة اجتماعية فاعلة لأصدقاء السوء، إنما يجب أن نتفهم جيداً طبيعة وماهية جوهر ثقافة المجتمع الإماراتي وثوابته المعروفة، وبالتالي نستطيع متى نصف أو ننعت هذا السلوك أو ذاك بأنه سلوك سيئ، وأن نوصف أصحاب اتجاهات وسلوكيات معينة بأنهم «أصدقاء سوء». مسؤولية عامة ... المزيد