يتذرع محافظ عدن المهندس وحيد رشيد بالتهديد بالاستقالة من منصبه احتجاجاً على مانقلت الأخبار عنه "عدم تقديم المعالجات لأوضاع الكهرباء، ورفض مجلس الوزراء تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية بشأن إيجاد حل لمشكلة الكهرباء " . الحاصل ان الحقيقة ليست كما نشر تماماً ! ذلك أن عدن- التي تفصلها شهور قليلة عن فصل الصيف الكارثي- تحتاج إلى صيانة و تأهيل المولدات الكهربائية في محطتى المنصورة وخورمكسر اضافة الى قطع غيار جديدة.. إلا ان قيادة المحافظة ومكتب الكهرباء قاما بالتوقيع مع شركة عقداً مفاجئاً وغير قانوني خارج نطاق قانون المناقصات . والإشكالية ان فوارق السعر المطروحة امام مجلس الطاقة كبيرة جداً بين هذه الشركة وشركة اخرى منافسة تؤكد التزامها بتقديم عرض سعري افضل واقل وبذات المواصفات اذا ما اتيحت لها المنافسة كما كانت تنتظر وكما هو متعارف عليه، رافضة الاجراءات غير القانونية المباغتة التي يصر عليها محافظ ومدير كهرباء عدن بحيث رفعت لرئيسي الوزراء و الجمهورية تظلماً بهذا الشأن . * بالطبع يؤكد واقع الحال ان الفساد لايزال بذات الوتيرة التي كان عليها بل وأسوأ ، فيما تغرق فيه اليمن منذ أيام صالح ولا زالت مستمرة حتى الآن . والمتفق عليه ان مايحدث هو إهدار للمال العام، اضافة الى التسهيل والاستيلاء عليه من خلال اساءة استعمال السلطة والنفوذ للأسف . * كان اجتماعاً لمجلس الطاقة عقد أمس الأول بالعاصمة برئاسة رئيس الوزراء وحضور محافظ عدن ومدير كهرباء المحافظة وعدد من المهندسين الفنين لمناقشة وضع الكهرباء فيها, خاصة وان المحافظة قادمة على صيف حار في وقت لم تحل مشكلة المحطات الكهربائية حتى اللحظة . وخلال الاجتماع جرت تباينات بين المجتمعين فلم يسفر الاجتماع عن إيجاد حلول مجدية بشان وضع محطتي خور مكسر والمنصورة . وتقول المعلومات الموثوقة ايضا ان محافظ عدن خرج غاضبا لفشل الاجتماع مهدداً بالاستقالة عبر الصحافة والانضمام لأبناء عدن الذين سيخرجون في الصيف القادم بالمسيرات والتظاهر للمطالبة بتحسين وضع الكهرباء . لكن الثابت ان المحافظ رشيد يتجاهل الخروقات والتجاوزات القانونية التي حصلت برعايته لصالح شركة بدت احتكارية على نحو واضح الفساد . وبينما اصر مجلس الطاقة على ان يتم انزال اعلان لتقديم العروض عبر مناقصة محدودة، تصر قيادة عدن ومكتب الكهرباء على استمرار عقد الاتفاقية مع شركة وارتسلا الاهرام الذي وقعاه قبل أسبوعين بمبلغ وقدره 37 مليون دولار لإصلاح محطتى كهرباء المنصورة وخورمكسر وهو الاجراء المخالف لكل القوانين إذ يتجاوز مؤسسة ووزارة الكهرباء من ناحية كما يتجاوز اللجنة العليا للمناقصات . * ماسبق يشير الى ان رشيد اظهر انفعاله الى العلن بعد ان قام مجلس الطاقة في الاصل بالغاء تلك الاتفاقية غير القانونية وغير المعقولة . وللاسف يمكننا وصف انفعاله بالمزعوم إذ ظاهره فيه الرحمة على مصلحة المواطنين في المحافظة جراء معاناتهم الرهيبة بسبب اشكالية الكهرباء، وباطنه يجعله كطرف غير محايد لصالح الشركة اياها مع سبق الاصرار ! * للتوضيح اكثر : كان محافظ عدن استقوى بقرار حكومة الوفاق التي أصدرته قبل أشهر بمنح محافظة عدن صلاحيات وزارية ونقل تلك الصلاحيات إلى المحافظة . و لقد كان مجلس الوزراء يرى انه لم يف بتلك القرارات وخصوصاً فيما يتعلق بالكهرباء . لذلك باشر ومعه خليل عبد الملك مدير مؤسسة الكهرباء بعدن بالتوقيع مع شركة وارتسلا الاهرام بتلك الطريقة التي تزيد الطين بلة، أي تزيد الفساد فساداً ! * المفاجئ فعلاً ان محافظ عدن استخرج امرا من رئيس الجمهورية يقضي بالتوجيه لرئيس الوزراء بسرعة توقيع العقد مع شركة وارتسيلا الاهرام بحيث تم ذلك التوقيع الذي ضرب عرض الحائط بكل الاجراءات الموضوعية في هذا السياق . إلا أن اجتماع مجلس الطاقة قام بإلغاء الاتفاقية المبرمة . وهكذا لازال محافظ عدن يرى ماحصل تدخلاً في صلاحياته ثم على خلفية كل هذا فاقم اخيرا من تهديداته للضغط لإتمام الصفقة مهما كان الامر . * كان مجلس الطاقة ناقش في اجتماعه الاجراءات الخاصة بالبدائل الاسعافية للطاقة المستأجرة المطلوب توفيرها خلال الصيف القادم لمواجهة الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية خاصة في المحافظات والمناطق التي ترتفع فيها درجات الحرارة ، وآليات الحصول على أفضل الاسعار التنافسية . ولقد أقر على ضوء مناقشته لتلك المواضيع الغاء العقد الموقع لاعادة تأهيل محطتي خور مكسر والمنصورة لافتقارها لمعايير المنافسة وإتباع الاجراءات القانونية الخاصة بالمناقصات العامة . من ناحيته كان وزير الكهرباء اكد في افادته الخطية لشكوى شركة الجوف المنافسة لشركة وارتسلا الاهرام انه "كان يجب انزال مناقصة عامة لاي اعادة تاهيل او صيانة ولاي محطة عمل على مستوى الجمهورية وتحسم المناقصة على اساس شفاف ونزيه " اضافة الى ذلك قام سميع بايقاف مدير كهرباء عدن الا انه لايزال الرجل الاول هناك كما انه حالياً بصنعاء للمراجعة والتظلم لدى رئيس الجمهورية كما تفيد المعلومات . ويتذرع مدير كهرباء عدن بان شركة وارتسلا لديها قطع اصلية وان شركة الجوف تتعامل مع الشركات المصنعة لوارتسلا وهذا ماتم التاكد منه من قبل مهندسي منطقة عدن والمؤسسة العامة للكهرباء بصنعاء . طبعاً كانت شركة الجوف تقدمت لمحافظ عدن في وقت سابق بطلب منحها الفرصة للمشاركة بعملية الصيانة وإعادة التأهيل عبر موكليها شركة (ام بي أي )العالمية حيث انها من اكبر شركات العالم في مجالها شاملاً الأمرقطع الغيار الاصلية لاغلب الشركات المصممة والمجمعة للمحطات مثل وارتسيلا نفسها اضافة الى شركات–ام دبليو ام( ديتز)-ام ايه ان-ميتسوبيشي وغيرها بالاضافة لشاحنات الهواء ومنظمات السرعة ، الا ان التسويف كان هو الرد من قبل المحافظ الذي كان يبدي تجاوباً واعجابا بالفارق السعري للشركة حتى اعلانه بمباركته للعقد المشين مع شركة وارتسلا الاهرام . * بداية القصة عموماً: انه كان يفترض اجراء مناقصة لصيانة وتأهيل المحطتين لاتجاهل الأمر على هذا النحو المشين .! والحاصل ان الشركة المنافسة للشركة التي وقع لها المحافظ العقد بالصيانة والتأهيل معاً عرضت فارق سعر ملفت حسب المواصفات . فالعروض المقدمة لقطع الغيار -بداية- من طرف شركة الجوف التي اطلع عليها المحافظ ومدير كهرباء عدن كانت اقل بكثير مماتقدمت به شركة وارتسلا الاهرام بفارق ثلاثة ملايين وستمئة يورو أي اكثر من 100% فيما تمت المصادقة الفنية والتوصيات الكلية بالترسية لصالح الجوف من قبل الجهات المختصة المعنية في منطقة عدن والمؤسسة العامة للكهرباء بصنعاء بعد رفع المناقصة للجنة العليا للمناقصات . غير ان القدر العجيب شاء ان يتحول الامر من قبل منطقة عدن الى اعادة تاهيل لكلا المحطتين ومن قبل شركة وارتسلا الاهرام فقط شامل قطاع الغيار وصولا الى اتمام توقيع العقد معها "دون أي اعتبار للمناقصة المنظورة كما يفترض" بمبلغ 37 مليون دولار . يأتي هذا على الرغم من ان شركة الجوف أكدت للمعنيين على رأسهم رئيس الجمهورية استطاعتها القيام بعملية الصيانة والاحلال شاملة قطع الغيار الاصلية وبوقت اسرع وبفارق يتجاوز عشرة ملايين دولار . ولاشك انها طرق ملتوية للالتفاف على المناقصات كما هو واضح . لكن الغريب فعلاً يكمن في تمكن محافظ عدن من استصدار امر من رئيس الجمهورية لرئيس الوزراء يحث على سرعة توقيع العقد مع وارتسيلا الاهرام في ظل الخروقات وفي ظل الفارق السعري .! فعلى أي استناد وقع الرئيس بامر كهذا ؟ وهل تصله المعلومات الصحيحة ياترى ؟ بالتأكيد كان المفترض على الرئيس ان يعطي التوجيهات لاستكمال ماتبقى من اجراء للمناقصات الخاصة بكلا المحطتين إذ لابد من فرصة للتنافس كما لابد من العمل على توفير المال العام وصيانة المصلحة العامة . * غني عن القول ان على رئيس الجمهورية الا يكون عائقا أمام العمل التنافسي الشريف ،وإلغاء عقود واتفاقيات تشوبها أعمال فساد لاتشجيعها، اضافة الى ان مهمته الاساس تتمثل في التصدى لانحراف الموظف العام . فضلاً عن هذا ينبغي تفعيل عمل اللجنة العليا للمناقصات لا العكس، لأن تراجع دورها ببساطة معناه تقدم الفساد ليس إلا ، وميزانية الدولة لا تحتمل .! * إن الفساد هو الآفة الكبرى التي تعانيها اليمن . وان وحيد رشيد يبدو مصمماً على عدم التراجع عن العقد . و المرجح ان القضية لم يتم عرضها على رئيس الجمهورية بالشكل المناسب ربما بسبب قيام بعض البطانة بحفظها وإخفائها . * بحسب المعلومات فإن الخلاف على خلفية القضية القى بظلاله بين سميع ووحيد رشيد ! كما ألقى بظلاله بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء . * تذكيرا كان مجلس النواب أوصى الحكومة بإعادة النظر في عقود شراء الطاقة الكهربائية بما يكفل الحصول على أفضل الأسعار التنافسية لتلك العقود، وفقاً لقانون المناقصات والمزايدات، كما طالب المجلس بمحاسبة المسؤولين عن إبرام العقود المخالفة للقانون وإحالتهم للقضاء . ولدى تصويته على موازنة الدولة للعام 2013 أوصى مجلس النواب الحكومة بإعادة تأهيل المحطات الكهربائية القائمة بما يضمن تشغيلها بكامل طاقتها الإنتاجية وذلك خلال مدة أقصاها نهاية يونيو/2013م. بالمحصلة نقول : اليمنيون يحلمون بنظام أقل فسادا وأكثر وطنية ولن يتحقق كل ذلك إلا بمزيد من الشفافية والحزم واتباع القوانين على مستوى جميع الأجهزة الرقابية والتنفيذية لا القفز عليها.. واستمرار الفهلوة، واستمرار العبث .!