مواضيع ذات صلة سركيس نعوم تتحدث العاملة الاميركية نفسها في مركز أبحاث عريق في واشنطن عن المصالح الاستراتيجية الروسية في سوريا، فتقول ان الرئيس فلاديمير بوتين سعى ومنذ عام 2000 الى إحياء او اعادة روسيا قوة عظمى معتمداً لتحقيق ذلك سياسة معادية لاميركا او مناوئة لها (Anti Amercian) الامر الذي يمكن بلاده من ان تصبح موازنة للغرب في الشرق الاوسط. وسوريا هي موطئ القدم الأكثر اهمية لروسيا في المنطقة، كما هي المفتاح الاساسي الذي يستطيع بواسطته فتح باب التوازن الذي يعمل له. والموقع الجغرافي لسوريا وتحديداً محاذاتها او مجاورتها للبحر الابيض المتوسط واسرائيل ولبنان وتركيا والاردن والعراق تعطيها اهمية كبيرة جداً تفرض على من يكون حليفاً لها القيام بكل ما يستطيع للاحتفاظ بالتحالف معها. الى ذلك، تقول العاملة الاميركية نفسها، هناك سبب آخر يدفع بوتين الى دعم الرئيس بشار الاسد ونظامه هو التطورات الجارية داخل روسيا نفسها. فالشرارة التي اشعلت او اطلقت الربيع العربي اي الإحباط جراء الفساد المستشري داخل الانظمة العربية وغياب محاسبة الطبقات السياسية الحاكمة، هذه الشرارة تشتعل ايضاً في اوساط معينة من المجتمع الروسي وإن على نحو متقطع. ففي كانون الاول من عام 2011 عاشت روسيا اختباراً صعباً تمثّل في احتجاجات شعبية في الشارع كانت الاكبر منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. فبوتين المتعوِّد على شعب ميال الى إرضاء حكامه تاريخياً، أخافته او بالاحرى ارعبته الاحتجاجات المشار اليها وما رافقها. وهو ربما يخشى حالياً ان يلقى المصير نفسه الذي لقيه القادة العرب الذين خلِعوا بثورات شعبية. ولذلك خلق (بوتين) عدواً خارجياً له ولبلاده وذلك من اجل جمع الشعب الروسي حوله وحول الوطن والعلم. وباستعمال سوريا للترويج لمعاداة اميركا يستطيع بوتين ان يحصل مباشرة على مكسب سياسي. ذلك ان دعم الرئيس الاسد ونظامه يعني مقاومة الغرب. ومثلما جعل الرئيس السوري من رفضه لإسرائيل مكسباً على المسرح الدولي، فإن الرفض الروسي لكل "رفض" لسوريا الاسد ونظامها يجعل من موسكو لاعباً مهماً لا يمكن اتخاذ قرارات حاسمة ونهائية في هذا الموضوع من دونها. هل هناك آفاق محتملة لإعادة روسيا النظر في سياستها السورية؟ منذ بداية الربيع العربي قبل نحو سنتين، تجيب العاملة الاميركية نفسها في مركز الابحاث الواشنطني العريق، دعم بوتين وعلى نحو لا لبس فيه ولا شك الرئيس بشار الاسد وذلك عدد من التصريحات والمواقف المتناقضة من هذا الدعم التي كانت تصدر ولا تزال تصدر عن مسؤولين كبار في موسكو. فهو سلّح الاسد و"درَّعه" أي "صفّحه" في مجلس الامن، ووافق على اخذ النفط السوري الخام وعلى اعطاء سوريا في مقابله المشتقات النفطية المكررة كلها وذلك من اجل دعم جيشها واقتصادها ومساعدتهما على الصمود. كما قدم قروضاً للحكومة في دمشق لكي يدرأ أو يمنع الافلاس السوري. اما ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما فقد أمِلت في اقناع روسيا بتقديم تنازلات في ما يتعلق بموقفها من النظام السوري. لكن العناد والتصلّب الروسيين استمرّا. فالاجتماع الثلاثي الاخير الذي عقد في جنيف (سويسرا) والذي ضم الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة الاخضر الابرهيمي وديبلوماسيين، لم يحقق اي تقدم. إذ تمسّكت موسكو بمواقفها السابقة المعروفة من الاسد الرافضة ان يكون تنحّي الرئيس السوري عن السلطة وعن البلاد شرطاً مسبقاً لأي محادثات سلام. وقد دعا وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف قادة المعارضة السورية الى السعي الى التحاور مع الاسد عوضاً عن الاصرار على رحيله. وقد جاء موقف لافروف هذا بعد فشل اجتماع اسطنبول، الذي سبق اجتماع جنيف والذي رفض فيه الرئيس بوتين تغيير موقفه رغم محاولات الاقناع التي قام بها رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان. ربما، تتابع العاملة الاميركية نفسها، يفكر بوتين في صفقة يخفف أو يهدئ بها موقفه السوري في مقابل تنازل اميركي في موضوعات اخرى. لكن حصيلة كهذه لا تزال غير ظاهرة المعالم، هذا فضلاً عن غياب اي اشارة من واشنطن تفيد انها مستعدة لتقديم عرض كالمشار اليه وتحديداً لتقديم تنازلات. ولكن ماذا سيحصل إذا خسر الاسد؟ هذا احتمال اعترف به علانية نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في 13 كانون الاول الماضي وذلك عندما قال "ان انتصار المعارضة مع الاسف لا يمكن ازالته من الحساب". لكن الكرملين لم يتبناه معتبراً انه رأي شخصي. ويؤكد ذلك تمسك روسيا بالاسد حتى وإن كانت الحال العسكرية حول العاصمة دمشق تنذر بكارثة.