تراجع الاقتصاد الأميركي في الفصل الرابع من العام الماضي بعدما اقتطعت واشنطن من ميزانية الدفاع، وقلصت الشركات من نفقاتها تحسبًا للهاوية المالية، التي كانت تهدد البلاد، وذلك بحسب الأرقام التي نشرتها وزارة التجارة الأربعاء. واشنطن: كانت الأحوال الجوية، وخصوصًا العاصفة الهائلة ساندي، التي ضربت الساحل الشمالي الشرقي في نهاية تشرين الأول/أكتوبر عاملًا أساسيًا أيضًا في التراجع الذي بلغ 0.1%، ويعتبر الأول منذ انتهاء أزمة الانكماش الاقتصادي في أواسط العام 2009. إلا أن خبراء الاقتصاد، وعلى الرغم من أن حدة التباطؤ شكلت مفاجأة لهم، قللوا من أهميتها، وركزوا على مواضع القوة لجهة إنفاق المستهلكين والاستثمارات في مجال الأعمال. ونسب الاحتياطي الفدرالي هذا التراجع إلى "خلل ناجم من أحوال الطقس وغيره من العوامل العابرة"، ولو أن المصرف المركزي أبقى على سياسة خفض معدلات الفوائد لمساعدة الاقتصاد. وفي نهاية اجتماع استمر يومين، توقعت لجنة الأسواق المفتوحة التابعة للاحتياطي الفدرالي أن الاقتصاد سينمو "بوتيرة معتدلة" في الأشهر المقبلة. وكما كان متوقعًا، أبقت اللجنة على معدلات الفائدة المنخفضة جدًا (بين صفر و0.25%) وعلى برنامج شراء الأصول الذي تبلغ قيمته 85 مليار دولار شهريًا، والذي يهدف إلى المحافظة على معدلات فائدة مخفضة على المدى البعيد من أجل تعزيز النمو. وتراجعت سوق الأسهم الأميركية الأربعاء اثر نشر بيانات الفصل الرابع، وخسر مؤشر اس اند بي 0.39% ليقفل على 1,501,96. كما تراجع الدولار ايضا ازاء اليورو الذي بلغ سعر صرفه 1,3564 مقارنة ب1,3493 في وقت متاخر من الثلاثاء. الا ان القسم الاكبر من خسارة الدولار حصل قبل نشر ارقام النمو، وكان مرده خصوصًا الى ارتفاع في مؤشر الثقة لمنطقة اليورو في كانون الثاني/يناير، الذي نشرته المفوضية الاوروبية، والذي ارتفع الى 89.2 نقطة، وهو مستوى سجل لآخر مرة في حزيران/يونيو 2012. ومع ان التوقعات الاولية للنمو الفصلي الصادرة من وزارة التجارة يعاد النظر فيها الى حد كبير لاحقًا مع اكتمال الارقام، الا ان خبراء الاقتصاد تفاجأوا لمعرفة انها باتت سلبية. واظهرت الارقام ان السلطات على كل المستويات مارست تقشفًا في الفترة بين تشرين الاول/اكتوبر وكانون الاول/ديسمبر، مما ادى الى التباطؤ. اتت الاقتطاعات حادة اكثر مما كان متوقعًا على المستوى الفدرالي، مع تراجع اجمالي ب15% في النفقات. وضمن هذه الاجراءات كان هناك خفض بنسبة 22% في مصاريف الدفاع تحسبًا للاقتطاعات بقيمة 110 مليار دولار في النفقات الفدرالية، والذي كان من المفترض ان يبدا تطبيقه في الاول من كانون الثاني/يناير. هذه الاقتطاعات والتي سيتم نصفها في مجال الدفاع، لا تزال تلوح في اواخر اذار/مارس، ما لم يتوصل المسؤولون السياسيون الى الاتفاق حول برنامج اقل تقشفًا للحد من العجز. الا ان تجنب زيادة مفاجاة في الضرائب نتيجة للهاوية المالية قبل الاول من كانون الثاني/يناير يمكن ان يساعد على التحسن في الفصل الاول من العام الحالي، خصوصًا نتيجة لاستثمارات الشركات، بحسب خبراء الاقتصاد. واعلنت وزارة التجارة انه، وعلى الرغم من الارقام غير المشجّعة للفصل الرابع، الا ان الاقتصاد سجل نموًا عامًا في العام 2012 بنسبة 2.2% مقارنة ب1.8% في العام 2011. في المقابل، سجل الفصل الثالث نموا قويا بنسبة 3.1%، وتوقع خبراء الاقتصاد تحسنا محدودا في الفصل الاول الحالي من العام 2013. واضاف الخبراء ان الارقام كشفت عن اماكن قوة مشجعة في الاقتصاد. فعلى الرغم من خطر الهاوية المالية، التي ستؤدي الى فرض ضرائب اضافية على جميع الاميركيين، فان نفقات المستهلكين ازدادت منذ الفصل الثالث، وكذلك الامر بالنسبة الى استثمارات الشركات في المعدات والبرمجيات، وايضا الاستثمارات العقارية. الا ان الشركات قللت من تخزين البضائع، كما ابدت حذرًا في التوظيف خلال تلك الفترة. وقال جيم اوساليفان كبير الخبراء الاقتصاديين لدى "هاي فريكونسي ايكونوميكس" ان "التراجع الطفيف كان الاول منذ الانكماش الاقتصادي في العام 2009، ولو انه يبالغ في التركيز على الضعف بعد المبالغة في القوة في الفصل الثالث". واعتبر نايجل غولت عالم الاقتصاد لدى "آي اتش اس غلوبال انسايت" "سيكون من الخطأ ان نعتبر هذا التراجع في اجمالي الناتج الداخلي والناجم من تصحيحات مؤقتة في نفقات ومخزون وزارة الدفاع، الا انه مؤشر إلى حصول ركود". واضاف غولت "ان الارقام تشير الى نمو متواصل، ونحن نتوقع ان يتحسن اجمالي الناتج الداخلي بحوالى 2% في الفصل الاول". واشار بيان الاحتياطي الفدرالي بشكل مقتضب الى النمو المحدود، الا ان لجنة الاسواق المفتوحة بدت واثقة من ان سياسة خفض معدلات الفائدة الى اقصى حد ستؤدي الى عودة النمو بوتيرة معتدلة، كالعام الماضي، مع تحسن بعض الضغوط الناجمة من منطقة اليورو. الا ان اللجنة حذرت من انها "لا تزال ترى بعض المخاطر السلبية في آفاق الاقتصاد".