, ومع حالة من التوتر والانشداد وانسداد أقنية التواصل بين مراكز القوي الإقليمية والدولية, بسبب حالة الفوضي والسيولة التي يعيشها النظام الدولي بشكل عام, وتبلور بعض القوي علي هامشه, ومحاولة تفلت بعض الدول من الصيغ والقواعد التي وضعتها الولاياتالمتحدةالأمريكية في العقدين الأخيرين, وهي في طريقها للانهيار جراء تراخي القدرة الأمريكية وضعفها. يشكل الشرق الأوسط أبرز المناطق الرخوة المرشحة للإشعال جراء تراخي القدرة الأمريكية ونفاد جهودها, ذلك أن هذا الإقليم قد شهد عبثا أمريكيا خطيرا في توازنات القوة فيه, كان من نتيجته صعود مكونات جديدة كان لها أثر بالغ في الواقع الجيوإستراتيجي الإقليمي المعقد أصلا, بالإضافة لذلك, أسهمت الحروب الأمريكية في المنطقة, خلال العقد الأخير, في بلورة جبهات تصارع جديدة مبنية علي أسس الهويات والإثنيات والطوائف, وأوجدت مقابلا لها دولا ومراكز إقليمية مهمة. وعلي مدي العقد الماضي كانت معضلة العبث الأمريكي بمكونات المنطقة. ومن ثم حالة التراخي في قوتها, ترخي بظلالها علي طهران وأنقرة ومنظومة التعاون الخليجي, حيث جري دخول هذه القوي علي خط التوتر والانقسام في ظل حالة من النهوض الهوياتي كمكون مستجد في عناصر القوة القومية, في إطار سعي هذه الدول إلي إيجاد مكانة لها في سلم التراتب الإقليمي, الذي بدا أن تشكيله يتناسب مع فائض السيولة والفوضي في النظام الدولي المتحرك نزولا وصعودا علي إيقاع حالة الانعزال الامريكية غير المعلنة والملموسة في الأقاليم بشكل واضح وجلي. لا شك أن هذه المتغيرات تشكل معطيات حاكمة في بنية الحدث السوري وفي مساراته ومآلاته أيضا لأسباب عدة منها, الموقع الاستراتيجي الذي تتيحه الساحة السورية لامتلاكها مكانة في القلب من الناحية الجغرافية في الجسم الشرق أوسطي, أو بالتحديد, المقلب الذي تدور فيه أهم المتغيرات الإقليمية, ملامسته للبر التركي, ومحاذاته لإسرائيل, وقربه من العراق, بالإضافة إلي حاجة منظومة التعاون الخليجي لها, لما تشكله من مدي حيوي وضروري في مواجهتها لإيران. وكذلك الميزة التساومية التي تتيحها الساحة السورية, بوصفها بيئة خصبة للتعقيد, لا تملك الأطراف الفاعلة والمؤثرة اتخاذ قرارات حاسمة بشأنها, ولاتملك القدرة علي التفرد في القرار, باعتبار أن الحالة السورية تشكل نسيجا مترابطا وعمارة متماسكة الأحجار, من شأن العبث في هذا النسيج وتلك العمارة ان يؤذي كل الأطراف بما فيها إسرائيل ولبنان والعراق والخليج وتركيا وإيران, وإلحاق الضرر بمصالح روسيا وأمريكا, وبالتالي فإن أي قرار نوعي بخصوصها يحتاج إلي توافقات ومساومات معينة يبدو فيها أنصار النظام السوري الأكثر راحة, برغم أنهم من الناحية الموضوعية يبدون كمن يقامر بمصالحهم. علاوة علي المكانة الأيديولوجية للنظام السوري بوصفه أحد أطراف حلف الممانعة وآخر بقايا الاشتراكية في المنطقة وواجهة علمانية وموقعه متقدما في وجه الخطر الإسلامي علي إسرائيل, وهو ما بدأت بعض التوجهات في كبريات الصحف الأمريكية من التنبيه له. وهذه المعطيات يمكن ملاحظة اندراجها في واقع الصراع الحاصل في سوريا, من خلال حالة الانقسام والاستعصاء في مراكز القرار الدولي( مجلس الأمن) وحالة الانقسام الإقليمي والذي يبدو أن لا طريق إلي حله في الأمد القريب. غني عن القول, أن اطراف الأزمة في سوريا لم تعد قادرة علي إنجاز الحل لا بالقوة ولا بالطرق السياسية والحوار, حيث لم يعد أي منها قادرا علي التحكم في الحل لوحده بقدر ما بات دوره ينحصر في كونه انعكاسا لمتغير القوة بين الأطراف التي تقف خلفه, والواضح في هذا السياق أن التصارع الدولي قد صادر مختلف أطراف الأزمة التي بات يمثل مصالحها ويعكس صراعاتها, ولن تسمح بالتالي لأي منها الخروج عن اعتباراته ومصالحه. وعلي درب الآلام هذا تسير سوريا في المرحلة المقبلة, إذ تشير المعطيات إلي تفاهم ضمني بين القوي المتصارعة علي الكعكة السورية إلي إطالة أمد الصراع, ربما لبلورة التفاهمات والتوجهات, وضمان تحصيل المصالح والامتيازات, ولحين إنجاز ذلك ثمة سوريون كثر لا لزوم لهم في تفكير النظام والقوي المتصارعة يصلحون لتشغيل ماكينة الموت في المرحلة المقبلة, وهناك سوريون كثر علي موعد مع الموت.