اغتيال بلعيد صورة عن الصراع الايديولوجي المتزايد في دول الربيع العربي ومن سيقرر مستقبلهالندن 'القدس العربي': الدم تناثر على تراب مهد الربيع ، تونس التي بدأت منها ثورة الياسمين، حيث اصبح شكري بلعيد احد اهم شهدائها، اطلق عليه النار امام بيته واعلن عن وفاته متأثرا بأربع طلقات، لكن من قتله؟ سؤال ستجيب عليه الايام القادمة ولكنه بالتأكيد يضع تونس على فوهة البركان، ويزيد من حالة عدم الاستقرار التي تواجهها وهو ما بدا واضحا في تعليقات الصحف الانكليزية والامريكية التي رأت في الاغتيال انعطافا خطيرا في الثورة التونسية التي تواجه تحديات كثيرة، اجتماعية واقتصادية وسياسية. ولكن بلعيد امين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين لم يكن بدون اعداء، فقد تلقى تهديدات مستمرة وتم تفريق تجمع كان يخاطبه الاسبوع الماضي من جماعة غير معروفة. والراحل بلعيد وان كرر اتهاماته للحزب الحاكم في تونس، وهو حزب النهضة واتهمه بالتحريض على العنف الا ان الحزب لن يستفيد من قتله، بل سيكون من اكثر المتأثرين بحادث الاغتيال. ومن هنا كان رد فعل زعيم الحزب راشد الغنوشي قويا واعتبر مقتله مؤامرة تستهدف تونس والثورة والتحول الديمقراطي. ولم يمنع هذا الشجب المشاركين في المشهد الغاضب عندما وصل جثمان بلعيد بسيارة الاسعاف من الهتاف والمطالبة برحيل النظام، وهي شعارات باتت تسمع ايضا في مصر، حيث تكافح حكومة هذا البلد لاحتواء الازمة بعد الازمة. وعلى الرغم من الغليان الذي تعيشه تونس وحالة الغضب الشعبي الذي نجم عن مقتل بلعيد الا ان وراء الاغتيال قصة معروفة للتونسيين وللمصريين بنفس المقام. فحكومة محمد مرسي تكافح من اجل احتواء السلفيين، وارضاء القوى العلمانية، وبالضرورة كتابة دستور يكون ممثلا للقوى الاسلامية والعلمانية. السلفيون ويشير روبرت فيسك في 'اندبندنت' الى صعود السلفيين التونسيين، الذين حاولوا التعبير عن حضورهم في المشهد التونسي من خلال التهجم على اساتذة الجامعات، والتحرش وتخويف القوى العلمانية وارهاب قوى الامن العامة المحلية. ومع ان زعيم النهضة، الغنوشي رأى في الحوار طريقا للتعامل مع الظاهرة، واكد ان حزبه لن يلجأ لنفس الاساليب القمعية التي استخدمها النظام السابق، وانه لن يقوم باعتقال الا المسؤول عن اعمال ضد الدولة، ولكنه اي الغنوشي الان سيجد نفسه تحت ضغوط كبيرة للاستجابة لرغبات الجماهير الغاضبة في الشارع والتي لن ترضى بمجرد الوعد باجراء تحقيق في الاغتيال. ويشير فيسك الى ان بلعيد كان ناقدا حادا للنهضة حيث ستتم اعادة كل خطاباته في الاسابيع المقبلة، وهو الذي قال ان هناك جماعات داخل النهضة تحرض على العنف وان من يعارض الحركة يصبح هدفا للعنف. ويقول فيسك ان الثورة التونسية التي كانت الالطف والارق من بين الثورات العربية تتجه الان نحو فصل يتسم بالخوف والقلق الاقتصادي الذي يعلم الوضع في مصر ويذكر بليبيا ولكن ليس قطعا سورية. ونقل تحليل في صحيفة 'اندبندنت' عن معلق قوله ان مقتل بلعيد قد يكون نذيرا للقادم، وحالة من عدم الاستقرار وان بوتيرة اقل من تلك التي تعيشها سورية، وان تونس تنحو الان منحى الثورة المصرية، فتونس الثورة، ظلت خارج القاعدة لكن يبدو وفي السياق العربي لا احد يلعب خارج القاعدة. العودة الى تونس وفي الحالة التونسية فقد شعر التونسيون انهم همشوا عندما نسي العالم ساحة القصبة التي ادت لانتشار حمى الثورات في العالم العربي وركز اهتمامه، ونصب كاميراته وخيامه في ساحة التحرير التي ظلت حتى بعد الثورة تحظى بالاهتمام فيما ابتعد الاعلام عن تونس ما بعد الثورة وتعقيدات الوضع الذي ولد ويتولد يوميا. وعليه ترى مجلة ' تايم' ان الوضع قد يتغير باغتيال بلعيد، حيث عادت الكاميرات وتركز انتباه التلفزة العالمية على ساحة القصبة من جديد. ويقول التقرير ان الطريقة التي سيتصرف فيها المتظاهرون- العلمانيون- ورد الحكومة التي يسيطر عليها الاسلاميون سيحدد في النهاية المسار الذي ستأخذه الحياة السياسية، اي الانزلاق نحو الفوضى كما في حالة دول الربيع الاخرى، ام انها وهي التي علمت بقية الدول العربية كيف تثور ستظل تعلمهم كيفية التعامل مع الازمات السياسية والعبور منها بسلام وبدون اللجوء للعنف وتغليب النزعة الانتقامية. ويقول تقرير 'تايم' ان شجب حزب النهضة لاغتيال بلعيد لا يقنع اتباع ومؤيدي بلعيد الذين يعتقدون ان اغتياله جاء بعد سلسلة من عمليات الاستفزاز والعنف التي وجهت للجماعات العلمانية. ويضيف التقرير الى ان اللوم وجه الى الجماعات السلفية التي تعتبر اليمين المتطرف للحركة الاسلامية الحاكمة، فيما حمل اخرون الحكومة المسؤولية لانها لم تتخذ اية اجراءات ضد دعاة الكراهية ولانها لم تتصرف بسرعة عندما حدث العنف. كما ان جماعات حقوق الانسان واليساريين اعتبروا ان حكومة النهضة كانت متهاونة في تعاملها مع العنف الديني والسياسي. ويقول التقرير ان مهمة الحكومة ستكون صعبة في ملاحقة واعتقال مرتكبي الجريمة، خاصة ان الامن قد تدهور منذ نهاية الديكتاتورية، وما يهم حسب المجلة هو ان يظهر زعيم النهضة الغنوشي قدرته على ضبط اتباعه لعدم النزول للشوارع لاستعراض القوة امام مؤيدي واتباع بلعيد. وترى صحيفة 'واشنطن بوست' ان اغتيال بلعيد وان كان الاغتيال السياسي الاول منذ سقوط بن علي الا انه جاء بعد عدد متزايد من اشكال العنف والتهديد خلال الاشهر الماضية. مشيرة الى ان التغيرات الديمقراطية قد عززت من قوة الجماعات الاصولية بما فيها الحركات السلفية التي بدأت باستعراض عضلاتها في جو يتسم بالحرية السياسية ولكن بضعف المناخ الامني. وذكرت الصحيفة بالهجمات التي قامت بها الجماعات السلفية على المثقفين وناشطي حقوق الانسان، واساتذة الجامعات وشبكات التلفزة، كما قاموا بالاعتداء على محلات بيع الخمور والمعارض الفنية ودور السينما. ووجهت اصابع الاتهام لهم بالاعتداء على السفارة الامريكية. وقارنت الصحيفة معضلة الحكومة التونسية في مواجهتها مع المتشددين من جهة ومع القوى العلمانية من جهة اخرى بالحالتين المصرية والليبية. صراع ايديولوجي وترى ان الانقسام هو صورة عن الصراع حول مستقبل العالم العربي، واي شكل سيتخذه، اسلامي ام علماني. ونقلت عن باحث في معهد بروكينغز- الدوحة قوله ان هناك انقساما ايديولوجيا لم يكن من السهل تجاوزه وقد جاء هذا مع الربيع العربي. وقالت ان ليبيا التي حكمها معمر القذافي لم تشهد اية حياة سياسية ولا احزابا، حيث ادى انهيار نظامه الى فراغ امني، والى لاعبين سياسيين. واشارت الى ان الرئيس المصري محمد مرسي وجماعته في مصر والتي لها علاقة جيدة مع حزب النهضة تواجه نفس المشاكل، فاحتجاجات الشوارع التي اندلعت منذ اشهر تهدد فرص مصر للحصول على دعم مالي دولي. ولكن الصحيفة تقول انه مقارنة مع مصر، فحكومة الائتلاف التونسية تعاملت مع مشاكل ما بعد الثورة بشكل مختلف، كما ان الطبيعة العلمانية والليبرالية للمجتمع التونسي ساعدت على منع تجذر القوانين الاسلامية. وعلى خلاف السلفيين المصريين الذي قرروا التعبير عن مواقفهم من خلال صناديق الانتخابات، فالسلفيون التونسيون رفضوا المشاركة مما شكلوا تحديا للنهضة وبرنامجها. ويهددون بتصرفاتهم وسجلهم الذي ورد في تقرير لمنظمة 'هيومان رايتس ووتش' المرحلة الانتقالية للبلاد.