مواضيع ذات صلة عبدالله جمعة الحاج منذ عهد القياصرة مروراً بالسوفييت وانتهاءً بالعهد الحالي، دأبت روسيا على البحث عن موطئ قدم لها في المياه الدافئة ومن بينها الخليج العربي، دون أن تتمكن من ذلك باستثناء التسهيلات التي حصلت عليها في ميناء عدن في اليمن الجنوبي قبل الوحدة. وهي أقرب نقطة تمكنت من الوصول إليها في الخليج العربي، وبقيت المناطق الروسية الجنوبية والشرقية من القارة الآسيوية تلعب دوراً ثانوياً ضمن حسابات مصالح السياستين الخارجية والأمنية الروسية. ولكن مع تصاعد حدة وتيرة الملف النووي الإيراني والدور الروسي في تطوره والتسلح الإيراني التقليدي وغير التقليدي الحثيث، والنمو المتسارع لاقتصادات دول مجلس التعاون، أخذت مصالح روسيا واهتماماتها بالخليج العربي ودوله تتسارع. وخلال ربع القرن الماضي، يلاحظ بأن حديث القادة الروس عن إيلاء أهمية أكبر لعلاقات بلادهم بدول المجلس وإيران، يركز على أهمية تلك العلاقات، فبالنسبة لإيران التي تناصب الولاياتالمتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي العداء، تقوم روسيا بالتلويح بورقة العلاقات معها وتزويدها بالأسلحة والمعدات التي تحتاجها لبرنامجها النووي، وذلك عندما يرغب الروس في إبداء امتعاضهم أو عدم ارتياحهم تجاه سياسات الغرب نحو بلادهم، وهذا الأسلوب دائماً ما يتضح بأنه مزعج بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. وفي الوقت الذي لا توجد فيه مصالح كبرى حقيقية قائمة في علاقة كهذه بين روسياوإيران، يشير الواقع إلى أن روسيا تريد تحقيق مصالحها في منطقة الخليج العربي، مع أي طرف يريد التعاون معها ولو مرحلياً، وبأن أهمية الخليج العربي تزداد في حسابات السياسة الخارجية الروسية. فعلى سبيل المثال في استراتيجيتها الخاصة بزيادة صادراتها من السلع والخدمات إلى الخارج بحلول عام 2030 ، والتي تمت المصادقة عليها عام 2009، تأمل روسيا في زيادة صادراتها إلى دول المجلس ذات القدرة الشرائية العالية، وبنسب كبيرة أملاً في الحصول على أكبر حصة ممكنة من أسواق هذه الدول الواعدة. لكن مدى النجاح الذي يمكن لروسيا تحقيقه في توسعة صادراتها من السلع والخدمات إلى دول المجلس يعتمد على معطيات كثيرة أهمها جودة الصناعات والخدمات الروسية ومدى قدرتها على التنافس مع ما تصدره الدول المتقدمة صناعياً وخدمياً مقارنة بما لدى روسيا، وعلى قدرة روسيا على تطوير نمط من العلاقات الخارجية التي تتحقق من خلالها مصالح دول المجلس الأخرى خاصة الأمنية منها. وهنا يأتي دور دول المجلس في الاستفادة من ذلك أمنياً واقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً، خاصة فيما يتعلق بالحد من الطموحات التوسعية العدوانية الإيرانية، واحتواء إيران من خلال دور روسي فاعل بالارتكان إلى وجهة نظر دول المجلس. إن استراتيجية دول المجلس يمكن أن يتم توجيهها من خلال أهداف تتعلق بخلق أفضل بيئة جاذبة لربط المصالح الروسية بمصالحها، وتمكين تلك المصالح من المنافسة مع مصالح دول العالم الأخرى لديها. وفي المقابل يمكن لروسيا أن تقوم بمبادرات مماثلة، وأن تتبع استراتيجيات جديدة تجعل من خلالها دول المجلس تشعر بأن روسيا ليست منحازة إلى إيران فيما يتعلق ببرامجها النووية والعسكرية التي تقلق دول المجلس كثيراً. وحتى الآن من المؤكد أن الاستراتيجيات التي تنتهجها روسيا تسير في عكس اتجاه ما تشاؤه أو تطمح إليه دول المجلس، وما يسمع من الجانب الروسي إعلامياً يسير بعكس اتجاه ما تمارسه عملياً من سياسات تجاه إيران وتجاهها.