البحرين تلك الجزيرة الصغيرة في مساحتها وعدد سكانها تحولت إلى أكثر الدول اشتعالا بموجات الاحتجاجات المتلاحقة منذ 14 فبراير 2011 متأثرة بالربيع العربي الذي ظهرت بوادره في تونس ثم مصر وليبيا واليمن. بدأت تلك الثورة الغنية بشبابها وفتياتها عالية النبرة مليئة بالأمل الذي غذاه فيها رحيل نظامي مبارك وبن علي، وكانت المطالب التي رفعها الشباب المتحمس اتسعت حتى شملت رحيل حمد بن خليفة أمير البحرين وتردد الهتاف الذي اعتبر شعار ثورات الربيع العربي "الشعب يريد إسقاط النظام"، بينما توقفت المعارضة الرسمية المتمثلة في جمعية الوفاق البحرينية وما شابهها عند الإصلاحات المؤدية إلى ملكية دستورية وإعادة هيكلة النظام الانتخابي بما يعكس العدالة في التعبير عن أطياف ومكونات الشعب البحريني. أقيمت المنصات حول دوار اللؤلؤة الذي رأى فيه ثوار البحرين ميدان تحرير بحريني، وقلب انتفاضتهم النابض، ورفعت لافتات تؤكد على وحدة البحرين سنة وشيعة، رافضة مزاعم شيوخ الفضائيات الممولين من قطر والسعودية بأن الثورة في البحرين شيعية على عكس مصر وتونس حيث انتفض الشعب بطوائفه، وكان ولايزال هتاف "إخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه" مرددا ومترددا في جنبات التظاهرات والاحتجاجات الشعبية البحرينية. ويصادف يوم 14 فبراير الذكرى العاشرة لإطلاق الميثاق والدستور البحريني، مما شكل مبرر للنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لاختيار هذا اليوم هو استمرار المطالبة بإصلاحات في الالمملكة البحرينية والمزيد من الحريات. وتزامنا مع قيام الثورة البحرينية أصدر ملك البحرين في اليوم ذاته قرارا يقضي بصرف ألف دينار بحريني لكل أسرة بحرينية بمناسبة الذكرى العاشرة لميثاق العمل الوطني إضافة لمنح أخرى ومشاريع خدماتية بمناطق مختلفة. وبعد أن قمعت السلطات البحرينية الثوار في ميدان اللؤلؤة، استبدل الثوار الميدان بالقرى التي قلما هدأت من الاحتجاجات والاشتباكات. لم تحظ الثورة البحرينية بالتغطيات الاعلامية الكافية أسوة بأختيها في مصر وتونس، حيث سلطت قناة الجزيرة القطرية الضوء على تلك الثورات، إضافة لليبيا واليمن، وصلت في أحايين كثيرة للبث المباشر من موقع الحدث، وقد انتقد "فيسك" الكاتب البريطاني في الاندبندنت البريطانية تلك القناة على تجاهلها للبحرين. و في خضم الانتشاء الثوري ينسى "المناضلون" في الميادين الدور الإقليمي المساهم في النجاح السياسي للثورات، فوفقا لما قاله محللون، إن انتماء الدولة الإقليمي والمعاهدات الخارجية يساهم في استكمال ثورة وفي توقفها وبترها أحيانا. ففي مقابل المديح الذي ناله ميدان التحرير في الخطابات الرسمية لقادة غربيين، تم تجاهل ميدان اللؤلؤة، خاصةفى الولاياتالمتحدةالأمريكية، فالبحرين تعتبر من أكثر الدول العربية تعاونا مع وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية الأمريكية – وفقا لوليم أركن في كتاب "الأسماء المشفرة" عام 2005 – ومنذ عام 1955 تقدم البحرين التسهيلات للبحرية الأمريكية، وتوجد فيها قواعد دائمة لتخزين العتاد الأمريكي، ومنذ 1993 أصبحت المقر العام للقوات البحرية التابعة للقيادة المركزية الأمريكية للمنطقة الوسطى من العالم الواقعة مابين آسيا الوسطى والقرن الأفريقي. وقد نالت الولاياتالمتحدة انتقادات واسعة حول عدم القيام بالضغط اللازم على السلطات البحرينية للاستجابة لمطالب الثورة البحرينية، على النقيض مما فعلته في مصر وليبيا واليمن. وحاولت السلطات البحرينية جهدها ل"تطييف" الثورة، وانسجمت محاولاتها مع ما تردد من أنباء حول خطة تتزعمها أمريكا وإسرائيل للمنطقة، وتقتضي بحشد طائفي سني ينازع دولة إيران الشيعية ونفوذها في المنطقة، مع التوصل لتسوية في القضية الفلسطينية، وفي هذا الصدد نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا موسعا حول محاولات السلطة لإصباغ تلك التظاهرات المطالبة بالحريات والديمقراطية صبغة طائفية شيعية كتبه "كريستيان كارلي"، فأفراد الأمن وهم أجانب غير بحرينيين تتعمد السلطة اختيارهم من أماكن سنية وفقيرة، وفي التحقيقات يتم التعامل معهم كشيعة يريدون ولاية الفقيه الإيراني في البحرين، وليس متظاهرين ينادون بالمواطنة والحرية والكرامة، إلى الدرجة التي أثرت في الشخصيتين التي كتب عنهم ذلك التقرير في "فورين بوليسي". ومنذ بداية انطلاق الشرارة الأولى للثورة إلى وقتنا هذا تسير الأمور بين شد وجذب، والحوار بين السلطة وقوى المعارضة التي تتزعمها حركة الوفاق الوطني سياسيا، وعلى الأرض الائتلاف الشبابي المسمى بائتلاف 14 فبراير والذي كان عاكسا لآمال جيل متأثر بالحراك السياسي في دول الربيع العربي، وعلى الرغم من تكليف السلطة البحرينية لجنة تقصي حقائق مشهود لها بالنزاهة وشملت شخصيات اعتبرت محايدة وترأسها شريف بسيوني، وأقرت اللجنة انتهاكات الشرطة في تعاملها مع التظاهرات، حيث قالت أن السلطات "لجأت إلى استخدام القوة المفرطة وغير الضروية" بهدف "بث الرعب" وأشار بسيوني إلى تعرض موقوفين للتعذيب وانتهاكات بدنية ونفسية. وما كان من ملك البحرين إلا أن أبدى أسفه لما حدث وتوعد بإصلاحات ترضي كافة الأطياف ولم ينفذ منها شيء. وحاولت السلطة جهدها أيضا إلى جر الثورة إلى العنف، فبرغم القتل والتعذيب ونزع الجنسية إلا أن تلك المحاولات لم تفلح واستمر الحراك السياسي الثوري محافظا على سلميته. إلى أن شهدت البحرين في نوفمبر 2012 حدث انفجار عبوة ناسفة بمركز للتسوق قتل فيها عامل آسيوي وأصيب آخر بجروح، ووصمت السلطات العمل ب"الإرهابي" وتحدثت عن إرهابيين يقودون الاحتجاجات ضدها، وتحدثت مواقع وصحف إخبارية عن اتهام حزب الله وإيران فيما يحدث، ولكن ذلك لم يدفع الثوار للتراجع عن مطالبهم أو الاستمرار في حراكهم بشكل سلمي. وفي محاولة بدت مختلفة وجريئة لتحريك المياه الراكدة في البحرين ذهب وفد من المعارضة البحرينية إلى روسيا في بواكير هذا الشهر مؤكدا تطلع المعارضة البحرينية إلى دور روسي فعال يدعم التحول الديمقراطي الذي يحقق مصالح البحرين. وفي آخر حوار للشيخ علي سلمان زعيم جمعية الوفاق المعارضة لصحيفة الجارديان البريطانية يقول ملخصا ما آل إليه الحوار السياسي بين المعارضة والسلطة أن الحكومة تحاول كسب الوقت رغم اتفاق الجميع على الأخطاء التي ارتكبت خلال الثورة، وقال أنه حتى المتشددين في السلطة يريدون طريقا آخر، ولكن لديهم استعداد فقط لإجراء تغييرات شكلية تجميلية. وفيما يتعلق بالوضع على الأرض يقول سلمان أنه يواجه ضغوطا من العناصر الأكثر راديكالية مثل شباب تحالف 14 فبراير والحق، الذين يدعون إلى إسقاط النظام، مما يثير مخاوف أمراء وملوك الدول المجاورة للبحرين خاصة السعودية التي تواجه احتجاجات مماثلة في المنطقة الشرقية، ويعود سلمان ويقول في آخر تصريحات له نشرتها "الجارديان" بتاريخ 13 فبراير أنه حتى هؤلاء يريدون حلا يتماشى مع الحفاظ على النظام الملكي. وتأتي تلك التصريحات لتفتح مستقبل الثورة البحرينية على شكوك ومخاوف وتطلعات من جميع الأطراف ولكن الشيء الثابت فيها، حتى الآن على الأقل، استمراريتها وسلميتها واكتسابها قوة وألقا في كل موجة ثورية.