حالات الاغتصاب عديدة في العراق، لكن ما يكشف منها قليل، لأن ثقافة العيب الخوف من العار ما تزال متمكنة من المجتمع العراقي، الذي ينبذ المغتصبة ويحملها وزر مصيبتها. في وقت أعلنت فيه مديرية أربيل عن اعتقال شخص اعتدى جنسيًا على 14 طفلة، يورد شهود عيان وتؤكد جهات امنية وخبراء اجتماع حدوث ذلك بشكل مستمر في الكثير من مناطق العراق. لكن الاعراف الاجتماعية والتقاليد العشائرية وثقافة العيب تدفع اغلب الاسر إلى أن تتكتم على الموضوع حفاظًا على سمعة وشرف العائلة. وكان الفاعل باسم سعدالله حمد من مواليد العام 1994 في الموصل، يسكن منذ فترة في اربيل، وقد اعتُقِل بعد ورود شكاوى من قبل المواطنين تعرّض أطفالهم لعمليات اغتصاب، فاعترف بارتكابه 14 عملية اغتصاب ضد فتيات تتراوح أعمارهن بين 6 إلى 9 اعوام. ثقافة العار تبرر الناشطة النسوية اسماء الخزرجي التكتم والتعتيم على هذه الحوادث، في حديثها إلى "ايلاف"، بأن الفتاة الضحية اذا ما افتضح الاعتداء عليها يبقى ذلك عارًا يلاحقها مهما طال الزمن، ويجعلها منبوذة اجتماعيًا ويصعّب زواجها واندماجها في المجتمع. وتشير الخزرجي إلى حواراتها الاجتماعية مع عدد من الفتيات، ممن تعرضن للاغتصاب، إذ لم يتمكّنّ من الزواج بسبب شيوع قصص الاعتداء عليهن بالرغم من أن ما حدث كان خارجًا عن ارادتهن. ومن اغرب الحالات التي تعانيها الفتيات وعايشتها الخزرجي عن كثب قصة فتاة في الثانوية حبستها اسرتها في غرفة محكمة الاغلاق، بُنيت على سطح المنزل، اثر اغتصابها حتى لا تتمكن من الهرب. وقد عثرت الشرطة على الفتاة بعد أن اشتكت المدرسة من غيابها. عاطلون وأفراد الأسرة يتحدث ضابط الشرطة علي حسن عن اغتصاب فتاةٍ من محافظة النجف في نهاية العام 2012. يقول: "التحريات الامنية مكّنت الشرطة من القبض على افراد العصابة في قضاء الحمزة ، وادلوا باعترافاتهم بعد أن تمكنت والدة الفتاة من التعرف عليهم". يضيف: "اغلب حوادث الاغتصاب والاعتداءات الجنسية يقوم بها عاطلون عن العمل، ممّن يتعاطون المسكرات والمخدرات ومن اصحاب السوابق". غير أن الخزرجي تشير إلى حالات من الاعتداء الجنسي تتم من قبل الاسرة نفسها، مثل الاب والأخ، "تؤشر إلى ظاهرة تستحق الوقوف عندها ودراستها بغية معالجتها". وبالرغم من أن المجتمعات العربية والأجنبية تشترك في ظواهر الاغتصاب، إلا انها في العراق تأخذ ابعادًا خاصة بسبب التكتم عليها، وعدم القدرة على مساعدة الفتاة الضحية التي تقتل في الغالب اذا افتضح امرها، أو تُعزل عن المجتمع. لاحقها العار في بعض الحالات، تلجأ أسرة الفتاة المغتصبة إلى الانتقال من المكان الذي تقيم فيه إلى مدينة بعيدة أخرى، لكي يضيع أمر الاغتصاب، حفاظًا على الشرف والسمعة. ففي العام 2012، انتقلت عائلة ابو عصام إلى مدينة بابل قدومًا من البصرة، بعدما تعرّضت ابنتهم، وكان عمرها 18 سنة، لعملية اغتصاب من قبل افراد عصابة يسكنون في ذات الحي. ألقي القبض عليهم واودعوا في السجن، لكن عار الاغتصاب ظل يلاحق الفتاة. ولأن ابو عصام شخص متعلم، اضطر إلى الانتقال إلى مدينة بابل هربًا من العار. يقول متألمًا: "انقطعت علاقاتي مع اهل منطقتي الاصلية بشكل نهائي، وحافظتُ على حياة ابنتي وسمعة عائلتي". بالرغم من أن ابنته التي تعرضت للاغتصاب لم تتزوج إلى الآن، إلا انها في حالة نفسية وصحية جيدة بعد الرعاية التي احاطتها الاسرة بها، وهي تعمل معلمة الآن، وتؤدي وظيفتها على أتم وجه. قانون للتعديل تتحدث ايمان قاسم، الناشطة في حقوق المرأة في بابل، عن نحو خمسين حالة اغتصاب، سجلها المكتب الاجتماعي لمساعدة النساء المعنفات في عام واحد. وتؤكد إيمان أن العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية والحرص على الكتمان يجبر المرأة المغتصبة على السكوت والقبول بالامر الواقع، باعتبارها ضحية لا حول لها ولا قوة. وتتابع: "بسبب ذلك، لا يحصل الجاني على جزائه الشرعي والقانوني في الكثير من الحالات". وتحث المحامية ابتسام جابر من جانب آخر على ملائمة القوانين والتشريعات لإنصاف المرأة من العنف الذكوري والأسري، اذ أن قانون العقوبات رقم 111 ما زال يحتاج إلى تعديلات في هذا الخصوص. واشنع الممارسات بحق المرأة المغتصبة - بحسب ابتسام - هو اجبارها على الإجهاض، غير انها تشير إلى أن اغلب عمليات الاغتصاب تحدث لفتيات من أسر مهمّشة، أو عوائل تفتقد إلى أواصر المحبة والتكاتف الاسري والاجتماعي. جريمة كبرى قبل عام 2003، كان الاغتصاب جريمة كبرى، وكان نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين ينفذ الاعدام في كل من يثبت اغتصابه فتاة. واشهرها حادثة اغتصاب فتاة في المحمودية في تسعينيات القرن الماضي، حيث أطل صدام بنفسه من على شاشات التلفزيون مطالبًا السلطات القضائية بإعدام الفاعل، وهو ما تم بالفعل وفق القوانين العراقية النافذة، وأُعدم في المكان نفسه الذي شهد واقعة الاغتصاب. وبعد العام 2003، حدث الكثير من حالات الاغتصاب لفتيات من قبل جنود وأفراد عصابات مسلحة. ومن ابشعها تلك التي شهدتها مدينة البصرة في نهاية الاعام 2012، حين أقدم جندي استخبارات عراقي على خطف طفلة في الرابعة من عمرها، واغتصابها في احدى غرف الجيش المتروكة، ثم ضربها بواسطة حجر كبير ما أدى إلى تهشّم رأسها ووفاتها. ويحث رجل الدين سعدون فياض على تنفيذ أغلض العقوبات لمغتصبي النساء بالقوة، مؤكدًا أن الفتاوى تفيد بقتل الفاعل باعتبار الاغتصاب عملًا فاسدًا مضرًا بالمجتمع. لكن فياض يفرّق بين اغتصاب بالقوة واغتصاب تشجعه سلوكيات التبرج والإغراء، ويقول: "أحثّ الفتيات على اللباس الشرعي، والابتعاد عن سلوكيات الاغراء والسفور الذي يبرز المفاتن، تجنبًا للأسوأ".