GMT 14:00 2013 الخميس 14 فبراير GMT 8:32 2013 الجمعة 15 فبراير :آخر تحديث * العراق مواضيع ذات صلة اكد مثقفون عراقيون على ان المثقف العراقي ليس له اي دور فاعل وحقيقي في الازمات التي تحدث في البلد، على عكس الدور الذي يلعبه رجال العشائر ورجال الدين ومن ثم السياسيون، معللين ذلك بالعديد من الاسباب الموضوعية التي ادت الى نكوص خطير في دور الثقافة بالمجتمع العراقي. بغداد: أوضحت الازمة التي يمر بها المجتمع العراقي حاليا والتي تتمثل في خطورة التوجهات ما بين مكوناته ان لا تأثير للثقافة في هذا المجتمع ولا صوت يمكن ان يسمع للمثقف، ولا يمكن للشعب ان ينظر الى اي مثقف نظرته الى رجل العشيرة او الدين اللذين هما من يقود المواطن، وهما من يوجهانه الى اي اتجاه يريد، وهذا ما يعكس خطرا كبيرا يحدق بالمجتمع، اذ ان غياب صوت المثقف له دلالات عميقة في انهيار البنية التحتية الثقافية، وقد أشار العديد من المثقفين في تصريحات ل (ثقافات ايلاف) الى ان الامر يتعلق بالدولة التي لم تهتم بالثقافة ولا المثقف اولا ومن ثم بالاوضاع التي عاشها العراق على مدى سنوات طويلة من عمره، وهي المليئة بالحروب والحصار والارهاب التي ادت انحسار القراءة، الى غير ذلك. فقد اكد الشاعر الدكتور محمد حسين آل ياسين الى ان الخرم كبير والتقاعس كثير ونحن نأسف اننا بعد عشر سنوات من انتظارنا للثمار نجني الحطب اليابس، وقال: ضعف الجهات الرسمية الثقافية في لملمة البيت الثقافي والاشراف على هذا البيت وبث الروح والنشاط فيه، حقيقة.. انا احمّل،خلافا لكثيرين، وزارة الثقافة هذه المسؤولية، نحن نعيش الان في العراق وكأننا بلا وزارة ثقافة مع انها موجودة وتتبجح بأنجازات وهمية ونشاطات كثيرة، ولكنها لا تستطيع ان تجمع قلوب المثقفين والادباء والمبدعين على مائدة واحدة وطاولة واحدة ودرب واحد، في الحقيقة.. ان التعالي والتكبر الذي كنا نتصور اننا ودعناه يوم 9 / 4 / 2003 يستمر بأبشع صوره عند الجدد الذي يجلسون الى طاولاتهم وكراسيهم في وزارة الثقافة وفي غيرها، ولكن الذي يهمنا الان هي وزارة الثقافة، فأصبحوا من التكبر والتعالي بحيث يضيقون بالرأي الاخر، هل تتصور ان الوزارة الممثلة بالوكلاء وبالمستشارين والمدراء العامين يريدون من المثقفين والمبدعين ان يكونوا نسخا منهم، والا فهم مبعدون ومهمشون ومنسيون ومتجاهلون، فحدث فراغ، من يملأه ؟ فتقدم رجال الدين ورؤساء العشائر واصحاب الطبول الفارغة ليملأوا فراغا تركته لهم وزارة الثقافة، فلو كانت قد قامت بواجبها الذي هو جزء من مهمتها ووظيفتها الحقيقية لما تركت مثل هذه الثغرات ليتسلل منها من يتسلل ويدعي انه قائد المسيرة الثقافية. واضاف: العيب كبير والخرم كبير والتقاعس كثير ونحن نأسف اننا بعد عشر سنوات من انتظارنا للثمار نجني الحطب اليابس والورق المتهريء المتساقط. وتابع: كان على الوزارة ان تنصت اولا وان تقبل الاخر ثانيا، وان لا تتحكم بمصائر الادباء ثالثا ثم تجمعهم بملتقيات واسعة عراقية على مدى الوطن،فيها كل الالوان والمشارب والاهواء، وتسمع منهم وتؤطر كل هذا الاجتماع وترسم المنهج وتقبل بكل الادباء مستشارين لها وتؤسس على هذا المنوال، لان الثقافة على وجه الخصوص من دون كل شيء في العراق غير منقسمة، يعني عندما تأسس العراق في سنة 1921 الى اليوم الشريحة الوحيدة التي لم تتخندق طائفيا ولا سياسيا ولا مكانيا ولا جهويا هي الثقافة، المثقفون على اختلاف الوانهم وجهاتهم ومشاربهم وانتماءاتهم قلب واحد، ولكن اين الذي يجمع ويراعي ويهتم بهذا القلب الواحد. من جانبه اكد حسين الجاف حقيقة الواقع في غلبة الصوت العشائري والديني على صوت المثقف، وقال: ارتفاع صوت العشيرة على صوت الثقافة هذا في حد ذاته يعتبر ذاته مثلبة على جبين المجد العراقي المبني اساسا على الثقافة والفكر والمثقفين، يعني بلد مثل العراق صدر للانسانية اكثر من 25 الف فقيه وعالم دين وشاعر ومفكر وفيسلوف وموسيقي ورسام، الان تحل مشاكله بعض الطرق القديمة، انا لا انتقص من مقام رؤساء العشائر، فهم على عيني وعلى رأسي، ولكن اين دور المثقف ؟ انا اراه تجاهلا من الحكومة وإساءة من الحكومة بحق المثقف العراقي الذي هو الصوت والضمير، وهو رؤية المستقبل وتطلعات الاحلام. واضاف: غياب دور الثقافة والمثقف يشكل مثلبة في جبين الاطار السياسي العام الذي يعاني من غلبة صوت العشائر على صوت المثقف. اما الشاعر ابراهيم الخياط فقد اشار الى عداء السلطة للثقافة، قائلا: هذا الغياب ينسجم تماما مع وضع المرحلة، لان الذي حصل من تفكك في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية من التشوه ادى الى تراجع دور المواطن ودولة المواطنة الى دور المكون وممثلي المكونات والمحاصصة المقيتة، كل هذا لا يلقي بظلاله فقط وانما بغيومه السود على الوضع، هو ليس انسحابا لدور المثقف وليس تغييبا وليس اقصاء ولكن هناك عداء للثقافة والمثقف، لان الثقافة عابرة للطائفة وعابرة للقومية وعابرة للهويات الفرعية، بينما كل من في المؤسسة الرسمية العراقية، التشريعية والتنفيذية وكل السلطات العراقية، لا تعير اهمية للهوية الوطنية، ثانيا هنالك دور ولكنه تجلى في صفحات اخرى، مثلا في عام 2006 و2007 كانت التربية السياسية الجيدة لابناء الشعب من قبل الاحزاب الوطنية العراقية في سنوات الثلاثينيات والاربعينيات ووصولا الى السبعينيات دور المثقف كان الدور المجيد للشعر والمسرح والفنون في الساحة العراقية، كل هذا ادى الى تراجع الدور الطائفي البغيض وتم طي الصفحات السود خلال سنتين، بينما استمر في دولة مثل لبنان الى اكثر من 15 سنة. اما الشاعرة منى سبع فقد اشارت الى ان الصوت العام بسبب قلة الوعي هو الذي تسبب في ضعف صوت المثقف فقالت لا يمكن ان يعدم صوت المثقف، فهو موجود في كل زمان ومكان، ولكن الصوت العام لازال يعاني من وعي ليس بالمستوى المطلوب، فأصبح بامكان السياسيين او الجهات الاخرى ان تجر هذا الصوت،وساهمت هذه بصورة او بأخرى بتججيم صوت المثقف وجعله خافتا وسط الاصوات التي تنطلق من هنا وهناك، العشائرية منها والدينية، ولكن يقينا ان صوت المثقف سيدوي. واضافت: ما يحدث الان هو دورة طبيعية للحياة كما اعتقد، هناك شعوب تمر بهبوط ومن ثم بصعود، هذا هو (كيرف) الحياة، حين تكون درجة الوعي في حالة تصاعد شيئا فشيئا، وهذا اثبته التاريخ، وقد اكد دور المثقف والمفكر والاديب في البناء. من جهته رد الشاعر ياس السعيدي ضعف الدور الى انحسار القراءة في المجتمع وقال: رجال الدين ورجال االعشائر والسياسيون اكثر تأثيرا في الشارع من المثقف، هذا واقع علينا الاعتراف به، لكن ما الذي اوصل البلد الى هذه الحالة ؟ يا صديقي.. في الخمسينيات والستينيات كان من المخجل على العراقي ان لا يقرأ، كنت تجد شعبا بأكمله مثقفا، احد الاحزاب، عندما كان تعداد نفوس العراق 6 ملايين، اخرج مظاهرة مليونية، تخيل، وهذا الحزب حزب مثقف، لكن المسألة ان العراق تعاقبت عليه دول وحكومات كانت مهمتها اقصاء العراقي عن الثقافة، كانت مهمتها، كما يقال في اللهجة الشعبية (بهذلة الشعب العراقي)، يا اخي.. انت تخرج من حرب وتدخل بأخرى، تتخلص من الحرب الاخرى تدخل في حصار اقتصادي يحول الانسان الى آلة تعمل من الصباح الى المساء، فاضطر المثقف الى ان يبيع مكتبته، بعد هذا الوضع في عام 2003 تحولنا الى رعب، فأن من يقاسمك كرسي الباص قد يكون مفخخا، جارك قد يكون ذباحا، من سيقرأ في مثل هذه الاوضاع ؟، يا اخي.. من عام 1968، وهناك من يقول ان السبعينيات كانت فترة جيدة، فلنقل من عام 1980 الى يومنا هذا، الشعب عبارة عن آلات للحرب والعمل من اجل تحصيل لقمة العيش، متى سيقرأ هذا الانسان ؟ لن يقرأ، وبالتالي لن يكون هناك دور للمثقف. واضاف: المسألة في ان لا دور للمثقف لانه لا دور للقراءة في المجتمع، يعود دور المثقف اذا عاد دور القراءة، هذا يحتاج الى جهد مؤسساتي كبير، نتمنى ان يرزقنا الله دولة تحقق لنا الرفاهية الاجتماعية والرفاهية الاقتصادية والكثير من الرفاهيات التي نحتاجها كي يلتفت الانسان العراقي الى قراءته، الانسان العراقي بجوهره انسان قاريء، ولكن المشكلة.. لا تطلب من شخص لا يملك بيتا ان يفكر بالقراءة، لنكن واقعيين.. هذه هي الامور التي ادت الى ان يكون رجل الدين ورجل العشيرة والسياسي اكثر تأثيرا من المثقف. فيما اكد الشاعر جبار سهم السوداني على عدم وجود اي دور للمثقف بسبب الدعم المادي للاطراف الاخرى، وقال: صهيل خيول التراب تطغى على رفيف الكتب والثقافة، قبل ايام استضافتني احدى المؤسسات الدينية فقلت لهم: لا يصلح ان يقود العراق، لا تيوقراطيون ولا المؤسسة الدينية ولا القبيلة، فالقبيلة مكانها المضارب والخيام يحسمون امورهم فيها، والمؤسسة الدينية مكانها المساجد والحسينيات والكنائس، العراق يجب ان يتهيأ له التكنوقراط، نحن في عصر تكنولوجيا المعلومات، اي صهيل لعنترة العبسي وحصانه يمكن ان يؤسس لبناء جديد ؟، هذه الحدائق الغناء التي تجف لكثرة النواح والبكاء، لا دور للمثقف.. نعم، لان لا احد يدفع لنا، فهناك اصوات مدفوعة الثمن، من يدفع انا ؟ هل قصائدنا ؟ ام قصصنا ؟ ام قراءاتنا النقدية؟ ام جلساتنا؟ صحيح انها تزقزق وترهف السمع وترقق القلب، لكنها ضعيفة امام الكم الهائل من الهجومات، هناك هجومات من الداخل والخارج، وهناك من يدفعون لهذه المؤسسات الدينية والعشائرية ليكون صوتها مسموعا ودورها اكثر تأثيرا. واضاف: نحن كمثقفين لا موقع لنا، صحيح اننا ننافس ونبني ونتشبث بالحياة من خلال الجمال، لكن اولئك لا يعرفون الجمال، انهم يعرفون كيف يضربون بأوتادهم واعمدتهم على ظهورنا، ولا يمكن ان نبني وطنا ان لم تشع الثقافة، وللاسف الشديد، زمننا الان هو زمن الخيمة وزمن العشيرة والمؤسسة الدينية، هذه تفعل فعلها وتعتاش على الهموم اليومية للناس، اما نحن فلنا قصائدنا وقصصنا، نحن اناس مسالمون ونعشق الامن والسلام وان لم يتحينا لنا، لاحظ.. ان الارض ملأى بهوس القبائل وهوس الكتل وهوس الاحزاب، وكل يبحث عن تخريب هذا الوطن بطريقته الخاصة، الحفر في جدران العراق لاجتثاث ما تبقى من النخيل وتجفيف منابع الحياة، ولكن يبقى قول الله تعالى (اما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض) هذا هو زورق الجمال الذي سيرسو حتما اخيرا ولكن للاسف بعد دفع الثمن، وما ابهض الثمن الذي ندفعه. ومسك ختام الاراء كان مع الكاتب الدكتور جاسم محمد جسام الذي قال: الحديث عن دور المثقف العراقي والاتهامات الموجهة لهذا الدور بالنكوص هي علاقة جدلية بينه وبين ازمة المثقف، هناك ازمة حقيقية يعاني منها المثقف العراقي الذي وضع قسرا داخل مثلث تشكل اضلاعه الازمة الحقيقية وهي: الضلع الاول الذي يعنى ببنية المجتمع العراقي، هذه التركيبة التي، اسمحوا لي، ان اقول عنها تركيبة عجيبة من خلال التلقي والطرح، والضلع الاخر دور المؤسسة الدينية، هذا الدور الهائل في عملية توجيه الجمهور بالطريقة التي ترتئيها هذه المؤسسة، والضلع الاخر المهم جدا هو المؤسسات الثقافية وبالتحديد وزارة الثقافة وما تعانيه من اشاليات كبيرة في ادارة ملف الثقافة العراقية، هذه الاضلاع هي التي شكلت بالمجمل ازمة المثقف العراقي، فأن كان المثقف يعاني من هذه الازمة الحادة والخانقة، فكيف يكون له دور حقيقي في توجيه المجتمع واصلاحه، اذن.. نستنتج من ذلك ان ازمة الثقافة العراقية او ضعف دور المثقف متأتي من ازمة المثقف وبالتالي ينسحب على ازمة المجتمع العراقي على كل الصعد والمجالات.