.. وعثرنا على قائد الثورة المصرية!كان لابد من مرور حولين كاملين، حتى نقف على اسم قائد الثورة المصرية، بعد أن كنا نظن، والظن أكذب الحديث، أنها ثورة بلا قائد، فها هو القائد يطل بوجهه الصبوح، ويعلن عن نفسه، بدون خجل، أو وجل! منذ بداية الثورة، انشغل النظام البائد بالبحث عن قادتها، ليتحاور معهم، وذات يوم تسحب نفر من الموجودين في 'ميدان التحرير' على أطراف أصابعهم، ليجلسوا في حضرة عمر سليمان، نائب المخلوع، وعادوا من هناك دون أن يطلعوا أحد بما فعلوا، فالإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس. وظنوا أن النظام سيستر عوراتهم، فإذا باللقاء يحتل موقع الصدارة في نشرات الأخبار بتلفزيون الريادة الإعلامية، بالصوت والصورة، وأعلن الميدان أن الذين تسحبوا على أطراف الأصابع لا يمثلون الثورة. أهل الحكم عملوا كل ما في وسعهم من اجل تخليق زعيم وقائد للثورة، يمكنهم من خلاله التفاوض معها، وذات يوم كانت النغمة السائدة في وسائل الإعلام، أن الثورة المصرية بصدد إفراز قادتها الذين يعبرون عنها، وكنت على الهواء من 'ميدان التحرير' عبر الهاتف، مع مذيعة 'الجزيرة'، التي لم أكن مشغولاً بمعرفة اسمها، فصوتها لم يكن يشير الى أنها خديجة بن قنة، أو جمانة نمور، فماذا يفيد المرء إن تحدثت معه كل مذيعات العالم، ولم تكن من بينهن خديجة أو جمانة! المذيعة التي ليست هي خديجة بن قنة، أو جمانة نمور، ألقت بسؤالها وتخلت، وكان السؤال استراتيجياً وعن مستقبل الثورة المصرية، بعد أن أفرزت قيادتها؟، وخرجت مني عبارة تلقائية أعجبتني بعد ذلك، فاستخدمتها في يومي هذا في كل مداخلاتي التلفزيونية، ولا زلت استخدمها الى الآن: 'إن الثورة أفرزت مطالب ولم تنتج زعامات'.. وهي عبارة لخصت المشهد كله. وتراجعت عملية افتعال قيادة للثورة المصرية في هذا اليوم. ولم ييأس أهل الحكم، الذين فتشوا في دفاترهم القديمة، فعملوا على تخليق قيادة للثورة، فهناك أحد الشباب تم القبض عليه، لهواجس أمنية في أمر ما، وفجأة تم النفخ فيه، قبل الإفراج عنه، وقيل إن نجم الحزب الحاكم البازغ في سماء المحروسة حسام بدراوي سيصطحبه في سيارته من السجن الى 'ميدان التحرير'، وتم العدول عن الفكرة، لأسباب لم يعلن عنها، فكان الاصطحاب الى برنامج 'العاشرة مساء'، على قناة 'دريم'، وهناك استشعر البطل الذي فجر الثورة بمسؤوليته التاريخية عن دماء شهداء الثورة، فاعتذر لهم، فلم يكن يعلم أن الثورة التي دعا إليها، يمكن أن تخلف شهداء ودماء، اذ كان يتصور سيادته أن تخرج الثورة، فيستقبلها مبارك بباقة من الورد الأحمر الفاقع. صاحبنا توحد مع الموقف، وبكي وترك الأستوديو مهرولا للخارج، وخرجت خلفه منى الشاذلي مقدمة البرنامج مهرولة ولم تلحق به، وكانت لحظة تاريخية فارقة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، إذ اكتشفت حينئذ إن منى سليمة، وكنت أظن، وأنا أشاهدها جالسة، منذ أن بدأت في تقديم ' العاشرة مساء' أنها قعيدة، وهي لا تزال بنفس طريقتها في 'القعود' حتي بعد أن ذهبت الى 'إم بي سي مصر'، التي لا أرضاً قطعت ولا ظهراً أبقت، وكنت اعتقد أن الفضائية المذكورة ستكون درساً 'للجزيرة مباشر مصر' في الإعلام، و'مباشر مصر'، هي آخر العنقود، وقد أنجبتها 'الجزيرة الأم' بعد مرحلة انقطاع الطمث، وأبناء العجائز وكبار السن، لابد وأن يجيئون للحياة، وهم يعانون من إعاقة معينة، هذا كلام العلم، وأظنها في حالتنا هذه 'إعاقة ذهنية'، وهناك معهد متخصص في منطقة 'عين شمس' للتعامل مع هذه الحالات، وفي بداية حياتي الصحافية، قمت بتحقيق صحافي حوله، ويمكن بالتالي أن أتوسط للقوم، لإدخال 'الجزيرة مباشر مصر' فيه، وهو مستشفى شعاره: 'العلاج لمن يطلبه'. لولا اختلاف الأذواق قبيل ظهورها على 'ام بي سي مصر'، روجت منى الشاذلي لخبر مفاده أنها دخلت في مرحلة التخسيس، لأنها طلبت من أحد بيوت الأزياء في باريس، أن يمدها بآخر ما توصلت إليه الموضة، لكي يكون برنامجها الجديد فتحاً في حياتها المهنية. وما تنتجه بيوت الأزياء هناك، لا يصلح بطبيعة الحال عندما توجد التضاريس، والجبال، والهضاب، دون أن يقلل هذا من شأن من رزقهم الله بسطة في الجسم، فلا يجوز مثلاً للايطاليات أن يستعن ببيوت الخبرة في فرنسا.. مع أن الجمال الايطالي له مذاقه الخاص، وقد كان أجدادنا القدماء يتغزلون في المرأة 'العفية'، ولولا اختلاف الأذواق، لظلت ليلى علوي عانساً. أعترف أنني لا أقدم على مشاهدة منى الشاذلي، ولكني شاهدتها منذ أيام عابراً للفضائيات وكان معها الدكتور هشام قنديل رئيس الحكومة، وقد بدا حليقاً فقد أعلن انه أدى العمرة.. في احدى الدول العربية طبعاً، وقد ذكرت لكم فيما مضى واقعة القبض على هارب من أحكام قضائية بمطار القاهرة، كان عائداً من العمرة، ولأن رئيس تحرير احدى الصحف القومية، في عهد مبارك، رأى أنه قد يسيء للمملكة العربية السعودية، الحليف الاستراتيجي لحسني مبارك، أن يذكر اسمها في أمر كهذا، فأعاد صياغة الخبر الذي جلبه محرر المطار، وكتب أن المقبوض عليه كان يؤدي العمرة في احدي الدول العربية.. عندها ظننت انه من الممكن أن تكون بوركينا فاسو، لكن هناك من لفت انتباهي الى أن بوركينا فاسو ليست من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية. 'قعدة' منى الشاذلي مع هشام قنديل، هي نفس 'قعدتها' التقليدية، وهي 'قعدة' لا تظهر 'ستايل' بيوت الأزياء هناك، وهذه 'القعدة' وثيقة الصلة 'بقعدة تقميع البامية'، ولا أدري لماذا لم يستخدم توفيق عكاشة، عملية 'التقميع' هذه على صعوبتها في أسئلته التعجيزية، عندما سأل الدكتور محمد البرادعي ان كان يعرف كيف ' يزغط ذكر البط'؟.. أو يعرف 'كم عودا في حزمة الجرجير'؟!.. على أساس انه إن عرف هذا فسيؤكد جدارته بتولي منصب رئيس الجمهورية، فان فشل في الإجابة، فانه يكون قد فقد شرطاً من شروط الصلاحية. ما علينا، فمنى قبل هذا اللقاء، فاجأت جمهورها ولم تفاجئني بأنها ليست مع الثورة، لكن عندما بكي ضيفها وهرول وهرولت خلفه، شاهدت فتاة في اليوم التالي في 'ميدان التحرير' ترفع لافتة مكتوباً فيها: 'منى الشاذلي تنضم لصفوف الثوار'، وبدا هناك اتجاه عاطفي لفتح صفحة جديدة معها، مع ان هناك من وقفوا ضد الثورة، وجاءوا إلى 'الميدان' طلباً للقرب، بعد أن تأكد لهم أن نظام مبارك واقع لا محالة، مثل عمرو أديب فتم طرد من هناك. ربما لأن هناك من كان لديهم استعداد فطري للغفران هنا، فكثير من المحسوبين على المعارضة، كانت تستضيفهم منى في برنامجها منذ البداية، وهؤلاء كانوا لا يملون من الإشادة بها، فلا يُذكر اسمها إلا مسبوقاً أو متبوعاً بلقب 'المذيعة اللامعة'، وكأنهم يكتبون عن جمانة نمور! فضائية جمانة علي ذكر جمانة نمور، فقد استقر في وجداني ان من روج لأن هناك فضائية جديدة، ستبث إرسالها 'قريباً جداً'، وأن المذكورة ستعمل فيها قد استهدف أن يدخل علينا الغش والتدليس، فقد تجاوزنا مرحلة 'جداً'، ومرحلة 'قريباً' بدون 'جداً' ولا حس ولا خبر عن هذه الفضائية، ويبدو أن جمانة فيها من الناشر هشام قاسم، وهو الناشر المؤسس لجريدة 'المصري اليوم'، والذي خرج من هذه التجربة غاضباً ليتحدث عن مشروع صحافي عملاق، يسهر على إخراجه، وسيكون عصا موسى التي ابتلعت كل الحيات التي وقفت في طريقها، وفي كل يوم نقرأ أخباراً عنه، فهو سافر الى مدغشقر للاطلاع على أهم صحيفة هناك، وفي طريقه من مدغشقر خطف رجله الى النمسا، ومن هناك إلى 'غرناطة المحطة'، ولمن لا يعلم هناك 'غرناطة البلد' و'غرناطة المحطة'، مثل 'بنها البلد' و 'بنها المحطة'. وانه بعد جولة حول العالم، هو الآن في مرحلة تفكير عميق، هل تكون صالة تحرير جريدته الجديدة، والتي ستكون مدمجة، مثل القرص المدمج الخاص بالكمبيوتر، مثل صالة تحرير 'الواشنطن بوست'، أم صالة تحرير 'لوموند ديبلوماتيك'، ثم قرأنا عن مهندس جاء من بلجيكا خصيصاً ليشرف على عملية دمج صالة تحرير 'نيويورك تايمز' مع 'بي بي سي'، ثم قامت الثورة، ولم نعد نسمع عن المشروع الصحافي الجبار، ولا عن صاحب المشروع. أمر ثان كان سبباً في الغفران لمنى الشاذلي هو استخدام لغة الدموع في التعامل مع شعب عاطفي، جعلته يتقبل فكرة الزعيم بدون تفكير، لكن عندما جاء ليمارس زعامته في الميدان، ويعلن بعد خطاب مبارك الأخير، بأنه يكفي ما قدمه من تنازلات للعودة للبيوت، قوبل بالرفض العارم، ولعل من اللافت هنا انه في اليوم الأخير وقد ذهب فريق من الثوار لحصار القصر الجمهوري، وفريق آخر أصر على البقاء في 'ميدان التحرير'، وثالث زحف على ماسبيرو، جاء خبر تنحي مبارك لزعيم الثورة وجماعته وهم عنده في شقته. وان كانت دوائر غربية قد تعاملت مع صاحبنا على انه القائد المفجر، فان الجميع كانوا يعلمون أن هذه محاولات غربية لإظهار ان لها دور في الثورة المصرية، ومن خلال علاقتها به.. وكل يدعي وصلاً بليلي، وليلي لا تقر لهم بذاك. هناك محاولات سابقة باءت بالفشل لتخليق زعامات للثورة استهدفت تمكين السلطة الحاكمة من أن تدعي أنها تحكم بقرار من الثورة، وتعطي مشروعية لدعاية كاذبة مثل أن عصام شرف، الذي عينه العسكر رئيسا للحكومة وأصروا عليه لضعفه، جاء باختيار 'ميدان التحرير'، وهو عضو لجنة السياسات برئاسة جمال مبارك لآخر يوم، وقد صنع غرفة بجانب مكتبه لأولياء أمور الثورة، ولعله صدق ما قالوه عنه من انه جاء بقرار من الثوار، ولعله صدق إن من يجلسون بجواره أنهم الثورة المصرية، ولعله في لحظة معينة نظر إليهم سائلاً: من أنتم؟.. إذ كانت الموجة الثانية للثورة قد بدأت وملأ الناس الميدان، بينما هؤلاء يجلسون أمامه، وخرجوا من مجلس الوزراء ولم يعودوا مرة أخرى. البطل الحقيقي لا بأس، فقد استقر في وجدان الناس ما عبرت عنه قولاً: 'إن ثورتنا أفرزت مطالب ولم تنتج زعامات'، وقد صدقت أنا ذلك الى أن اكتشفت البطل الحقيقي للثورة وهو المذيع احمد منصور، فلأنه قد مرت بي ريح صوفية في غفلة منى، فإنني قدري، وأنظر إلى الثورة على أنها كانت تسير بحكم المشيئة، ولم أكن اعلم أن الزعيم منصور هو من كان يرتب كل شيء. فهو الذي صاغ بيان الثورة، عندما تنحى مبارك، واختار من يلقيه، ووقف بجانبه، وهو الذي هتف في الجمعة الأخيرة: لا تصلين العصر إلا عند بني قريظة، بجوار قصر العروبة. فإذا بالطوفان البشري ينطلق إلى هناك. وقد كتبت من قبل ما اعتذر عنه اليوم، من أنني وعدد من زملائي كنا أصحاب قرار أنفسنا في الزحف، ولم أكن أعلم أن أحمد منصور، كان يحركني مغناطيسياً. هذا الإعلان من منصور عن قيادته للثورة جاء متأخراً وبعد حولين كاملين، وبعد أن قام باخبارنا من قبل، في حوارات مطولة مع الشيخ صفوت حجازي، عن دوره في الثورة، وعلي نحو قدمه على انه القائد الحقيقي لها، وذلك في سعيه إظهار إن الثورة قام بها الإسلاميون، فلما طال عليه العمر، نسي ما ذكرنا به، وإذا به ينتزع الزعامة لنفسه. 'الجزيرة' متهمة بإخفاء بيان الثورة ليلة 25 يناير، والذي ألقاه الدكتور عبد الجليل مصطفى رئيس الجمعية المصرية للتغيير، ويأتي هذا الإعلان ليؤكد أن النية مبيتة لتزييف التاريخ. ولعل سؤالا يطرح نفسه الآن: ولماذا رضي القائد الهمام بالدنية في أمر ثورتنا، وبقبول حكم من سلمهم مبارك ذلك واعني بذلك المجلس العسكري؟.. ولماذا لم يحكم هو منذ اليوم الأول؟.. ام أن عقد عمله بالجزيرة لا يسمح له بتولي هذا المنصب؟. لا بأس فمحامي مبارك قال يوما أن موكله هو من فجر الثورة. صحافي من مصر [email protected]