GMT 0:01 2013 الثلائاء 19 فبراير GMT 1:38 2013 الثلائاء 19 فبراير :آخر تحديث مواضيع ذات صلة سركيس نعوم يعرف الاميركيون إن ما يجري في العراق يؤثر في سوريا، وإن ما يجري في سوريا يؤثر في العراق. وتنبع معرفتهم من واقع جغرافي هو تجاور البلدين، ومن واقع سياسي هو تنافسهما منذ تأسيس دولتيهما. انطلاقاً من ذلك يحاول باحثون في واشنطن متخصصون بالعراق ومحيطه استشراف تأثيرات الازمة – الحرب السورية على أوضاعه وتركيبته السياسية ومواقف مكوناته، بل على الحكم الجديد الذي تمارسه غالبية ابنائه، وهي شيعية، منذ إطاحة الاميركيين نظام الراحل صدام حسين. الى ماذا توصّل هؤلاء في استشرافهم؟ توصلوا الى إقتناع بأن السنّة والشيعة العراقيين يختلفون في فهمهم حتى التناقض للصراع المحتدم في سوريا. فالشيعة يعتبرونه مخيفاً وتطوراً سلبياً. وتوصلوا الى إقتناع آخر بأن الدول السنّية الرئيسية مثل السعودية وقطر والامارات العربية المتحدةوتركيا لن تحتمل إدارة حكومة يترأسها الشيعي نوري المالكي ولن تتساهل معها على المدى البعيد. وتوصلوا الى إقتناع ثالث بأن السيطرة الجديدة للشيعة العراقيين على السلطة وبسبب احساسهم بالاستهداف التاريخي لهم، تجعلهم يعتبرون الأزمة السورية بداية لارتداد سنّي انتقامي. وهذا امر يقلقهم لأنه ربما يهدد بسقوط بغدادهم مستقبلاً. هذه الاقتناعات الثلاثة يلفت الباحثون الاميركيون انفسهم، دفعت المالكي الى محاولة البحث عن حل تفاوضي للصراع في سوريا. ودفعته ايضاً الى السماح لايران الاسلامية بإرسال المساعدات الى الاسد عبر العراق. ودفعته اخيراً الى التساهل مع الميليشيات الشيعية المدعومة من ايران مثل "عصائب اهل الحق" وذلك بتسهيل عبور عناصر منها الى سوريا لمساعدة نظامها. اما الأقلية السنّية العربية في العراق فإنها ترى الصراع في سوريا من منظور مختلف تماماً عن المنظور الشيعي. فالسياسيون السنّة والمجموعات السنّية المقاتلة اعتبروا المالكي دمية ايرانية مهمتها اقصاؤهم عن مؤسسات الدولة. وقد أتت الثورة السورية والتجاوب الاقليمي معها لكي تجعلهم يرون ضوءاً في نهاية النفق الطويل المظلم الذي هم فيه. ويرون في الوقت نفسه الاشارة الاولى لمبادرة الدول السنّية الى التحرك جدياً لإضعاف النفوذ المتزايد لايران. هذه "المشاعر" ساهمت في اعطاء الاحتجاجات السنّية الاخيرة في العراق زخماً كبيراً. والحرب في سوريا اعطت المحافظات السنّية العراقية (الانبار ونينوى وصلاح الدين) الامل ان في إمكانها تحقيق الوحدة طبعاً بعد توافر دعم دولة سنّية قوية. وبدا أن بعض المشاركين في الاحتجاجات المذكورة يعوِّل على دعم تركيا جراء رفعهم صور رئيس وزرائها. هذه المواقف المتناقضة ستدفع العراق تدريجاً الى ذروة الاختلاف عندما ينهار نظام الاسد. وعندها سيشعر المالكي والشيعة العراقيون بضغط وبقلق غير مسبوقين في حين ان "إخوانهم" السنّة سيشعرون بالانتصار والقوة. كما انهم سيصبحون معرّضين للخطأ في الحسابات. وفي جو كهذا ترتفع وإلى حد كبير نسبة إقدام الحكومة العراقية (المالكي الآن) على استعمال القوة وإن شديدة لإعادة النظام إلى البلاد. ماذا عن اكراد العراق عند الباحثين الاميركيين انفسهم؟ سواء بقي نظام الاسد او سقط، وأياً تكن الجهة التي سيميل اليها اكراد سوريا، فإن حدود اقليم كردستان في العراق ستبقى منطقة مهمة جداً. ذلك ان مرحلة ما بعد النظام المذكور ربما تعزّز فرص تنويع "الاقليم" اماكن تصدير نفطه وغازه، وخصوصاً إذا قامت علاقة جيدة بينه وبين اكراد سوريا والنظام الجديد فيها. وإذا لم يحصل هذا الامر فان علاقة الاقليم مع بغداد ستعود أو ستبقى إشكالية مهمة. كيف يجب ان تتصرف اميركا في ضوء الواقع العراقي المفصّل أعلاه؟ يجيب الباحثون انفسهم ان على ادارتها ان تبذل جهوداً مع الحكومة العراقية ومعارضيها، وأن تُحضِّر معهم مسبقاً طريقة لادارة الأزمة في بلادهم في وقت تكون سوريا هي موقع الاهتمام الاول. كما عليها ان توفّر لهم ما يطمئنهم ويبعدهم عن الذعر وعن تصور المؤامرات عليهم في كل مكان. والإدارة تستطيع استغلال سقوط الاسد لتخيير المالكي بين ان يجعل مستقبل العراق مع اميركا والعالم العربي أو أن يبقيه مع نادي ايران المتسارع ضعفه و"وكلائها". علماً ان ذلك قد يدفعه الى الاقتراب من طهران أكثر، وخصوصاً إذا كان عاجزاً عن الابتعاد عنها أو خائفاً من ذلك.