بعد مرور حوالي عام على انتحار أمينة الفيلالي، الفتاة التي لم تتعد ربيعها ال16 بعد تزويجها لمغتصبها في المغرب، توصلت الحكومة والمعارضة إلى توافق بشأن حماية حقوق ضحايا الاغتصاب من القاصرات، في خطوة رحبت بها المنظمات الحقوقية والحركة النسائية التي ناضلت لعقود طويلة في سبيل تغيير مواد في القانون الجنائي تعفي المغتصب من السجن في حال زواجه من ضحيته. وأثارت قصة أمينة وغيرها من القصص التي حظيت باهتمام إعلامي في المغرب، غضبا شعبيا عارما دفع الكثير من المغاربة إلى الخروج في مظاهرات تضامنا مع ضحايا الاغتصاب وللمطالبة بقوانين تحميهن. ويوم الثلاثاء 12 فبراير/شباط تم إقرار مشروع قانون يلغي الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي التي تقضي "بإمكانية تزويج القاصر المغرّر بها أو المختطفة، مع ما يترتب عن ذلك من عدم إمكانية متابعة المختِطف أو المغرِّر إلا بناء على شكوى ممن له الحق في طلب إبطال الزواج، وعدم جواز مؤاخذته إلا بعد صدور حكم بهذا البطلان". وقالت المحامية والبرلمانية عائشة خماس التي اقترحت تعديل القانون، في اتصال مع موقع "راديو سوا" إنه تم تعديل مجموعة من الفصول في القوانين الجنائية منها فصل 475 بإلغاء الفقرة الثانية وإضافة فقرة أخرى إلى الفصل 486 المتعلق بالاغتصاب ومضمونها أن "كل ممارسة جنسية بين رجل راشد وفتاة قاصر تعتبر اغتصابا" يعاقب عليه بنفس العقوبة المقررة في جريمة الاغتصاب. وأضافت أن إدخال التعديل سيحمي الفتيات القاصرات اللائي قد يقعن ضحايا إغواء أو إغراء من طرف رجال بالغين، مشيرة إلى أنه إذا كان الرضا يشترط في العلاقات الجنسية فإن القاصر تعتبر "إما منعدمة الإرادة ومنعدمة الأهلية، أو ناقصة الأهلية عندما يتراوح عمرها بين 12 و18 سنة". وشددت خماس وهي واحدة من المناضلات النسائيات في المغرب على أنه "حتى لو وجد الرضى من طرف البنت القاصر إلا أن العلاقة تعتبر اغتصابا لأن الفتاة لا تكون كاملة الإرادة". رقية... إحدى ضحايا الاغتصاب ورحبت الشابة المغربية رقيّة (ليس اسمها الحقيقي)، التي تستذكر بمرارة خداع أحد رفاقها لها واستدراجها للاعتداء عليها يوم عيد ميلادها ال18، بتعديل القانون لكنها ترى أن مشوار حماية المرأة مازال طويلا. وقالت في رسالة إلكترونية أرسلتها لموقع "راديو سوا" إنها كانت قد انتقلت للتو للعيش مع عمها في مدينة بعيدة عن أبويها بهدف الالتحاق بإحدى الجامعات. وبعد أشهر قليلة أصبح لديها أصدقاء وصديقات يمضون معا أوقاتا ممتعة بل إنهم كانوا مثل الإخوة، يذهبون إلى الجامعة ذاتها ويتعاونون في الواجبات المدرسية ويساند بعضهم البعض في أمور أخرى. وأضافت رقية أنه عندما اقترب عيد ميلادها اقترح الأصدقاء أن يحتفلوا في منزل أحدهم. لكنها فوجئت عندما وصلت إلى المنزل برؤية شخص واحد فقط. ورغم شعورها بالانزعاج لأنه كان مفترضا أن تكون آخر الحاضرين، إلا أنها لم تشك للحظة واحدة بأن الصديق الذي كان بمثابة أخيها، كما قالت، يخطط لأمر ما إلى أن تغير لون وجهه، وأصبح فجأة عصبيا للغاية. "لم أفهم شيئا حين باغتني وحاول لمسي وضمي. فصددته وشعرت بخوف شديد، لم أكن أعلم ما يدور في ذهنه وصدمتي كانت أكبر"، هكذا وصفت رقية مشاعرها. وتابعت قائلة "أصبح عنيفا معي، ألقاني أرضا ثم احتجزني بجسمه حتى لم أعد أقوى على الحركة، صرخت حتى كادت حبالي الصوتية تنقطع، شعرت به وهو يحاول فك سرواله فناشدته بل توسلت. غير أنه لم يكترث ووضع يده على فمي لإسكاتي". وقالت رقية إنها بكت كثيرا لدرجة لم تعد قادرة على الصراخ، وأفادت أنها رددت بأنها كانت عذراء وأن أحدا لم يلسمها من قبل، لكن ذلك لم يغير شيئا "فالوحش كان مصمما على تنفيذ خطته. اغتصبني دون رحمة". وعلى الرغم من مرور عشر سنوات على الاعتداء، إلا أن تلك التجربة تعود إلى الحياة كلما تذكرتها رقية، التي قالت إن ذلك الشاب حطّم أحلامها ورغبتها في الحب الحقيقي والاحتفاظ بنفسها للشخص الذي ستتزوجه. لم تتحرك رقية من مكانها بعد أن أنهى الشاب اغتصابها وغادر الغرفة. قالت إنها كانت ضائعة ولم تعلم ما الذي تفعله، أو لمن تكشف التعذيب الذي خضعت له، أو رد فعل الأشخاص الذين قد تبوح لهم بسرها. أوضحت رقية أنها غادرت المنزل مثل "الأشخاص المشردين: حائرة، محطمة، ومصدومة". قررت دفن سرها خشية أن يلومها البعض فتتعرض للعقاب. وانقطعت عن أصدقائها جميعهم دون استثناء، حتى باتوا يصفونها بالمجنونة، أما مغتصبها فقالت إنه تابع حياته وغادر المدينة بعد فترة. وتشعر رقية الآن بندم كبير لسكوتها على الجريمة التي ارتكبت بحقها، مشيرة إلى أنها لو قدمت شكوى ضده لخففت من حدة المعاناة التي عاشتها في السنوات الأخيرة، فضلا عن أن "من اغتصبها قد يغتصب فتيات أخريات". تشديد عقوبة الاغتصاب وبموجب تعديل القانون 475 الذي تم إقراره سيتم تشديد عقوبة الاغتصاب لتصل "عملية التغرير أو الاختطاف التي تعقبها علاقة جنسية ولو رضائية إلى 10 سنوات تضاعف إذا ترتب عنها هتك العرض، بينها يعاقب على التغرير والاختطاف اللذين يعقبهما اغتصاب بمدة قد تصل إلى 30 عاما". وكانت تلك العقوبة لا تتعدى الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية تتراوح ما بين 200 و500 درهم أي تقريبا ما بين 25 و60 دولارا. وأشادت القيادية في اتحاد العمل النسائي سندس صبري في اتصال مع "راديو سوا" بالخطوة، لكنها وصفتها بأنها غير كافية. وقالت "صحيح أن حذف الفقرة الثانية من الفصل 475 يشكل إنجازا لا يستهان به، إلا أنه وفي غياب إصلاح شامل للقانون الجنائي يجرم كل أشكال العنف والتمييز، لن نتوصل إلى ضمان الحماية الكافية والفعلية". غير أن نائب رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان محمد كرين استنكر في اتصال مع "راديو سوا" تضمن القانون الجنائي المغربي مواد تحمي المجرم، معتبرا أن التعديلات المقترحة جاءت لتصحيح وضع شاذ. وقال "هذا شيء منافي لأبسط حقوق الإنسان ولأبسط قواعد دولة الحق والقانون لأن من يقوم بجريمة يجب أن يعاقب والضحية لا يجب أن تكون مظلومة مرتين أولا باغتصابها وثانيا بالزواج بالمجرم الذي اغتصبها". تزويج القاصرات لكن صبري أشارت إلى تجاهل التعديلات الجديدة لمسألة سن الزواج القانوني، مضيفة أن مسألة "تزويج القاصرات دون سن 18 هو أيضا سن الأهلية القانونية الذي أقرته القوانين الوطنية المغربية غيّب في مقترح القانون المصادق عليه لمجلس المستشارين وبالتالي يكون هذا التغيير استجابة جزئية ليس إلا لبعض مطالب الحركة النسائية". وعلى الرغم من ذلك أبدى كرين تفاؤلا بشأن إصلاح القوانين التي لا تمنح الحماية لضحايا الاغتصاب والعنف والتحرش الجنسي، وتابع "الظروف ناضجة لأن تخرج إلى الوجود قوانين تحمي الأطفال والقاصرين من كل أنواع التحرش الجنسي والاغتصاب سواء كان استغلالا جنسيا أو استغلالا بالمفهوم العام كعمل الصغيرات في البيوت". كما قالت المحامية خماس إن الدعوة لتعديل القانون تأتي في إطار مجموعة من المطالب التي طرحتها الحركة النسائية المغربية وعلى رأسها إصدار قانون شامل لمناهضة العنف ضد النساء "يضمن الوقاية والحماية وعدم الإفلات من العقاب". لكنها أضافت أن التحرك كان مكثفا بشكل أكبر في ما يتعلق بحماية القاصرات لأنهن يتعرضن باستمرار للتغرير، ويتم تزويجهن رغم عدم بلوغهن سن الرشد و"بالتالي هناك نوع من البيدوفيليا. بالنسبة لنا نعتبر هذا الزواج نوع من الاغتصاب"، حسب قولها. وأضافت أن الفصل 475 كان يتيح إمكانية الإفلات من العقاب في حال الزواج و"بالتالي كان هناك نوع من الإرغام على تزويج أولئك الفتيات إما من طرف عائلة الزوجة وأساسا من طرف عائلة الزوج لضمان إفلاته من العقاب". صراع سياسي وكان عدد من الحقوقيين المغاربة قد انتقدوا عدم ارتقاء المغرب بقوانينه الوطنية الخاصة بحقوق الأطفال والنساء لتتماشى مع المعاهدات الدولية. و أرجعت صبري سبب ذلك إلى طبيعة تكوين الحكومة المغربية التي وصفتها بالمحافظة، وقالت "دائما يبقى المشكل هو تلك الصبغة المحافظة التي تحملها الحكومة والمشكل ليس دينيا بالفعل بل ثقافة العار والعيب التي تسود في المجتمع المغربي وغالبا ما تأخذ صبغة وغطاء دينيا". وشددت على أن "كل التغييرات تبقى غير كافية إن لم تكن مرتبطة بتغيير جذري للعقلية المغربية". تجدر الإشارة إلى أن المغرب يتحرك نحو إصلاح قوانينه لحماية النساء من الاغتصاب والفتيات من الزواج المبكر، لكن مراقبين وحقوقيين يرون أن الطريق مازال طويلا للقضاء على مثل هذه المظاهر التي يقولون إنها منتشرة في المجتمع المغربي.