لايزال من الواضح أن موجة الارتفاع التي شهدتها أصول المخاطر لم تحظ باهتمام العديد من مستثمري القطاع الخاص أو أن ثقافة سندات الدخل الثابت متجذرة بما فيه الكفاية ليتم اعتبار السندات المدعومة بالقروض مساوية للأسهم على صعيد المخاطر . وكأحد استراتيجيي الاستثمارات الذين خاضوا غمار العديد من الأزمات غير المتوقعة منذ عام ،1992 فإنني أجد ذلك مثيراً للقلق . ويجدر باللاعبين في مجال الدخل الثابت إعادة النظر في التداعيات المدمرة للارتفاعات المفاجئة بالأسعار في سوق السندات التي حدثت عام 1994 إبان عهد الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي آلان جرينسبان . وقد أعيد سرد سلسلة الأحداث المتسارعة تلك في مقالة شهيرة نشرتها مجلة "فورتشن" تحت عنوان "المجزرة الكبرى لسوق السندات" التي نرجو الاطلاع عليها . مع وجود العديد من أوجه التشابه مع سوق الدخل الثابت اليوم، فإن ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية جاء بعد فترة من تحقيق أسعار فائدة قصيرة المدى وضعيفة النمو عقب الركود الاقتصادي لعامي 1990 و1991 . وأدى ارتفاع أسعار السلع العالمية في نهاية المطاف إلى التضخم، كما تحولت الأرباح المجزية المحققة في عام 1993 إلى خسائر متسارعة مطلع العام 1994 مع تغيير "مجلس الاحتياطي الفيدرالي" لسياسته المتساهلة إلى أخرى متشددة بين ليلة وضحاها . وكانت السوق آنذاك مملوءة باستثمارات السندات طويلة الأجل المدعومة بالقروض مع اطمئنان المستثمرين إلى دعم "مجلس الاحتياطي الفيدرالي"، لكنه لم يفعل ذلك . ورغم أن العالم قد تغير في نواحٍ عدة منذ ذلك الحين، غير أن النزعة إلى الممارسات الكفيلة بتدمير الثروات لم تتغير على الإطلاق . وعليه، فإن ذراع إدارة الثروات التابعة لبنك "الإماراتدبي الوطني" تنصح المستثمرين بالتركيز إما على ديون الشركات قصيرة الأجل ذات التصنيف الاستثماري الجيد في الأسواق الناشئة أو - لمزيدٍ من الإقدام على المخاطر - على سندات العملات المحلية الأطول أجلاً خارج دول مجموعة الثلاث، ونشير في هذا السياق إلى أن السندات الأمريكية قصيرة الأجل تعد قليلة التأثر نسبياً بأسعار الفائدة أو مخاطر التضخم . ولم يجد أولئك الذين تجاهلوا هذه النصيحة عام 1994 - ولاسيما المستثمرين في السندات الأمريكية طويلة الأجل الهامشية أو المدعومة بالقروض - الوقت الكافي للتخارج من استثماراتهم قبل فوات الأوان، وهؤلاء كانوا المستثمرين الأكثر خبرة . وفي غضون ذلك، سافرنا إلى المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع لاستضافة عملاء البنك ضمن إطار جولة استثمارية خاصة . وبوصفها أحد الاقتصادات النفطية الكبرى، فإن الوعي تجاه المخاطر العالمية في المملكة يعد أمراً مألوفاً، ولكن الجديد في الأمر إلى حدٍ ما هو انجذاب دول مجلس التعاون الخليجي نحو الشرق الذي اعتنق مبدأ التحرر الاقتصادي وأصبح بالتالي أقل اعتماداً على النفط والغاز . وكان ثمة اهتمام واضح أيضاً بموضوع إنتاج الغاز الحجري في الولاياتالمتحدةالأمريكية وتأثيره في ثروات قطاع النفط السعودي، فمع تراجع اعتماد الولاياتالمتحدة على النفط الخليجي بنسبة الخمس خلال العامين المنصرمين، كان هناك شعور حقيقي بأن التقدم السريع لتقنيات التكسير الهيدروليكي يدعو حالياً إلى إعادة التفكير بالحاجة إلى التحرر الاقتصادي المستدام . ورغم التهديد الذي يشكله قطاع الغاز الحجري حالياً، غير أن هذا التغيير قد يكون شافياً وينطوي على فرص هائلة . ولعل أبرز ما غاب عن بال الكثيرين هو التطور الحاصل شرقاً في آسيا، حيث إن النمو الاقتصادي السريع في القارة سيؤدي حتماً إلى استمرار الطلب على منتجات الطاقة من الشرق الأوسط على المدى الطويل، ولو لم يكن الأمر كذلك، لما كان مد خط أنابيب النفط من الحقول الرئيسة في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الفجيرة الواقعة على الساحل الشرقي للبلاد ذا أهمية بالغة . ومع تنامي إمكانات تكرير النفط في المنطقة، فإن القدرة على شحن المنتجات النفطية شرقاً من دون المرور بمضيق هرمز سيكون أمراً منطقياً تماماً، ولاسيما في ظل ملاءمة البنية التحتية الموجودة لناقلات النفط العملاقة . وكان الإحساس السائد لهذا الأسبوع بأن نجاح دولة الإمارات العربية المتحدة في التغلب على المخاطر الجيوسياسية سيثمر عن تحقيق مزيد من التعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي . ومن المجالات الأخرى التي حازت أيضاً الكثير من الاهتمام موضوع الأمن الغذائي وتأثر عمليات التنمية الزراعية والصناعية بالقيود المزمع فرضها على إمدادات المياه العالمية . وسيؤدي النمو السكاني السريع، والتوسع العمراني، وتكوين الثروات في الأسواق الناشئة إلى ارتفاع حجم الطلب على الغذاء بالتوازي مع ارتفاع الطلب على المنتجات الغذائية التي تتطلب كميات كبيرة من المياه (البروتينات) . وبالعودة للحديث عن الأسواق، جاءت نتائج البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين التي استضافتها موسكو نهاية الأسبوع الماضي مخيبةً للآمال بشكل كبير كالعادة، فبينما كانت وسائل الإعلام ترفع من سقف التوقعات، خيب الحاضرون أمل الجميع من دون استثناء . حيث وافقت المجموعة على مواصلة اليابان لسياسة الين الضعيف طالما أنها لا تتسبب بخفض القيمة التنافسية للعملة . ومع هذه الموافقة الضمنية للمجموعة، عاد الين الياباني للتراجع مجدداً أمام الدولار، وشهدت الأسواق الآسيوية ارتفاعاً مع ازدهار تصدير الثروات وتحسن السيولة الإقليمية الصادرة عن طوكيو . وغاب في قمة موسكو الحديث عن حروب العملات، وهو أمر صحيح إلى حدّ ما باعتبار أن سلطات منطقة اليورو لم تعلن عن أية إصلاحات جديدة للمشكلات المصرفية العابرة للحدود . وتتمثل الحقيقة البسيطة للتيسير الكمّي في أنها إن لم تنجح بسرعة، فعندها ستظهر تجربة اليابان انهيار العائد على الاستثمار مع عائدات السندات طويلة الأجل . ولعل السبيل الوحيد للعودة إلى معدلات النمو التاريخية هو من خلال طبع كميات أكبر من النقود وتوليد الدين من قبل الدول حسبما تقتضيه الحكمة التقليدية، وبالتالي قد يتطلب خفض قيمة العملة وقتاً طويلاً من الزمن . ولهذا السبب ننصح بالحدّ من انكشاف المَحافظ الاستثمارية على سندات/ أسعار صرف عملات دول مجموعة السبع، وإعادة التوجه نحو انكشاف طويل الأمد على الأسواق الناشئة التي تتمتع بمعدلات نمو أعلى مثل سوق الأسهم، والقروض المحددة، ومنتجي السلع الأساسية على وجه الخصوص . وتتلخص النتيجة من وجهة النظر التكتيكية في أن إجراء مزيد من خفض قيمة عملات دول مجموعة السبع يعكس إشارة إيجابية لأصول مخاطر الأسواق الناشئة طالما لا توجد خشية من حدوث تضخم أو نمو . ولايزال النمو في الأسواق الناشئة الأساس المنطقي للإقدام على المخاطر في الأسواق الأقل تطوراً، كما تبدي الأسواق المتاخمة أداءً استثنائياً في عام 2013 مع بروز وجهات غير مألوفة مثل لاوس، وغانا، ونيجيريا، ورومانيا، وفيتنام التي أصبحت أفضل الأسواق من حيث العوائد . وارتفعت سوق دبي بنحو 18% تقريباً، مما جعلها خامس أفضل سوق للأسهم في هذا العام . وارتفع أداء السندات الأمريكية عالية العائدات بنسبة 1،4% منذ بداية العام وحتى الآن، وأظهرت العوائد الإجمالية انخفاض معدلات الائتمان في الأسواق الناشئة بنحو 0،5%، والسندات الحكومية لدول مجموعة السبع بنحو 2،7% .