الرئاسة في خدمة برامج 'التوك شو'محظوظة برامج 'التوك شو' في الفضائيات المصرية، ما ظهر منها وما بطن، فلا يكاد يفقد حدث أهميته، حتى يتفجر حدث جديد، على نحو أراح المعدين فيها، علم الله أن فيهم ضعفاً. فلم يكد المولد الذي نصب بمناسبة قبول نجل الرئيس محمد مرسي في وظيفة بمطار القاهرة ينفض، حتى تفجرت قضية إقالة الدكتور خالد علم الدين مستشار الرئيس لشؤون البيئة، وربما توقعت مؤسسة الرئاسة أن تركز برامج الفضائيات على ما أثير ضد المستشار 'السلفي'، الذي قالت الرئاسة إن سبب الإطاحة به راجع الى أنه أستغل نفوذه، لتكون الحملة ضده هنا، خصماً من حزب 'النور'، الذي يمثل خطراً حقيقياً على جماعة الإخوان المسلمين، ومنذ الانتخابات البرلمانية الماضية، إذ مثلت المقاعد الذي حصل عليها السلفيون مفاجأة للجميع، لحداثة اشتغالهم بالسياسة، فعمد الإخوان على التخويف منهم، وهم من حيث الشكل يجعلون من ينظر إليهم يعتقد أنهم من قريش. الفضائيات خيبت ظن الإخوان، إذ تعاملت مع الدكتور خالد علم الدين على انه ضحية، والرجل قضى أسبوعاً يخرج من قناة الى قناة، حتى خشي إخوانه نظراً لذلك على 'المشروع الإسلامي' من أن يصاب بالهزال، وبدلاً من أن يلام الجاني، كان اللوم من نصيب المجني عليه. أصل الحكاية يا قراء، أن الدكتور محمد مرسي عين جيشاً من المستشارين لديه، عقب انتخابه، حتى ظننا لكل هذا العدد، انه منصب معلوم للسائل والمحروم، وقد مثل الفلول فيه تمثيلاً عادلاً، وكان من بين المعينين عمرو الليثي، الذي يقال أنه كان عضواً في لجنة السياسات بالحزب الحاكم قبل الثورة، التي كان يترأسها خالد الذكر جمال مبارك، والتي كانت مهمتها تمهيد الأرض لتوريث الحكم، وقيل أن سبب تعيينه أنه حاور الدكتور مرسي قبيل جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية في برنامجه التلفزيوني، وكان يخاطبه ب 'سيادة الرئيس'.. فتفاءل 'سيادة الرئيس' بذلك، وقرر رد الجميل لصاحبنا، ليوغر صدر محمود سعد، الذي وان كان لم يخاطب مرسي باللقب، إلا انه كان يقود حملة عبر برنامجه، الذي صار كلاً على قناة 'النهار'، ضد الفريق احمد شفيق. محمود سعد لديه ثأر مع شفيق، منذ أن حرقه سياسياً، عندما أراد سعد أن يركب ناقة النضال، وقاد حملة هجوم على النظام البائد، عبر برنامجه على التلفزيون المصري، الذي لم يكن مسموحاً لأحد بالظهور المكثف على شاشاته ضيفاً إلا إذا كان احد رجال هذا العهد، وان انتمى نظرياً للمعارضة، فما بالنا بالمشاركة في تقديم البرنامج الرئيس به، وما يتقاضاه راتباً بمفرده يكفي للإنفاق على فضائية من بابها. كان سعد يغني ويرد على نفسه، ويتوج نفسه زعيماً بأن قال ان وزير الإعلام انس الفقي طلب منه أن يحاور احمد شفيق رئيس الحكومة، لكنه أبى واستعصم، وقال شفيق أنه لم يطلب الفتى ليحاوره وانه فقط أراد أن يخفض راتبه من 13 مليون جنيه في العام، الى 9 ملايين، فكان هذا الإعلان بمثابة القشة التي أنهت على زعامة سعد قبل أن تبدأ، وهو الآن يمارس فاصلاً جديداً من البطولة بالهجوم على الدكتور محمد مرسي، لكن حتى المذيعين المتدربين يهاجمون مرسي، فلم يعد الهجوم على الحاكم دليل بطولة، أو عنوان شجاعة في مصر بعد الثورة، وهذا ليس دليل سماحة أهل الحكم، ولكنه حق حصلنا عليه بفضل دماء الشهداء. سعد كان يشارك في تقديم برنامج 'البيت بيتك' الذي تحول الى برنامج 'مصر النهارده'، وكان معه تامر أمين، الذي قرأت تصريحاً له مؤخراً نصه: 'الأيام أثبتت أنني لم أكن ابن النظام السابق'، ولا أعرف شخصياً متي أثبتت الأيام ذلك؟!.. اللهم إلا إذا قام بتحليل 'دي ان آي'، فأثبت التحليل انه ليس ابن النظام السابق، ولكنه ابن أبيه. الششتاوي رئيساً ربما يظن تامر أمين أن استضافته اليومية المتكررة، لزميلنا الاخواني هاني صلاح الدين قد انتقلت به الى صفوف الجماهير، واثبت بموافقة هاني على الظهور معه أنه لم يكن ابناً للنظام السابق، وفي هذا السياق اذكر أن لقاء جمعنا مع رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل، وتصادف أن مقعد الإعلامي إسماعيل الششتاوي رئيس الإذاعة كان بجانب مقعدي، فإذا بالرجل يهرول الى الضفة الأخرى من المائدة، ليجلس بجانب زميلنا عادل الأنصاري رئيس تحرير جريدة 'الحرية والعدالة'، وبعد أقل من شهر كان الششتاوي رئيساً لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، الأمر الذي جعلني أبحث في ذاكرتي عن صديق إخواني لكي ينالني من الحب جانباً، فلم أجد فيها سوى زميلنا سمير حسين، الذي كنت أتعامل معه على انه إخوان، وبعد الثورة اكتشفت انه سلفي، يقولون ان قليل الحظ يجد العظم في الكرشة، ولا يسألني مستشرق عن معنى 'الكرشة' فلست مستعداً لأن اكتب لكل مقال مذكرة تفسيرية له. عمرو الليثي، بعد أن غسل سمعته، باختياره مستشاراً بالاختيار الحر المباشر لأول رئيس منتخب، تقدم خطوة للإمام ، فاستقال من موقعه، بعد الإعلان الدستوري الذي قرره الرئيس، والذي كان سبباً في حملة هجوم عليه من المعارضة، وقد أعلن عن تقديم استقالته على مرتين، ففي الأولى لم يهتم احد بها، فأعلنها بعد مرور بضعة أيام وكأنها حدثت تواً، وقد استقال عدد من المستشارين، وأعلنوا براءاتهم من هذا الإعلان، وقيل إن الرئيس لم يستشرهم فيه، وتبين انه لم يستشر حتى نائبه، الذي قال انه فوجئ به، على نحو جعلني أقول ان الإعلان جاء من مكتب الإرشاد في مظروف، فأعطاه لمحدثه الإعلامي ليفتح المظروف في اللحظة التي يذيعه فيها! ويبدو أن الرئيس نظر لموقع المستشار على انه منصب للوجاهة الاجتماعية وفقط، فأغدق به على كثيرين، وكما تعملون فان أبي سفيان يحب الفخر، وقد تم تعيين أكثر من واحد من حزب 'النور' السلفي في هذا المنصب، وتبين باعتراف خالد علم الدين أن الرئيس لا يلتقي مستشاريه، وقد ظل هو ثلاثة شهور يحاول مقابلة الرئيس وفشل. لمن لا يعلمون، فان المنافس الحقيقي ل 'الحرية والعدالة'، وهو حزب الرئيس، هم السلفيون، الذين احتشدوا في حزب 'النور'، وهناك أحزاب سلفية أخرى تحالفت معه، وهي أحزاب صغيرة لا تُرى بالعين المجردة، فكان القرار هو: لابد من تفخيخ 'النور'، من الداخل، وبالمشي بين قياداته بالنميمة، وقد فاجأ الجميع بما حصل عليه من مقاعد في الانتخابات البرلمانية الماضية. وعلى الرغم من محاولات تخويف التيارات المدنية من السلفيين، فان قيادات 'النور' تمكنت من أن تظهر نضجها، بمبادرة المصالحة بين 'جبهة الإنقاذ' والرئاسة، وعز على الإخوان أن يكون حزب 'النور' هو من يقوم بذلك فعملوا على تشويهه، إذ كيف يقبل الجلوس مع يهود بني النضير، مع أن الرئيس نفسه يطلب القوم للحوار وهم يريدون ضمانات،لأن السوابق لا تطمئن! أزمة المستشار وفجأة تفجرت أزمة الدكتور خالد علم الدين، الذي أقيل من منصبه كمستشار لدى رئيس الدولة، وقيل أن سبب قرار الاستقالة أنه استغل نفوذه، وتعجبت لأن المناصب في مصر لا تزال تمنح نفوذاً، وأحد الوزراء كان في طريق مصر إسكندرية الصحراوي، وقد طلب منه عامل البوابة أن يدفع الرسوم المقررة لمرور السيارات، وعندما سعى سائقه لإفهام هذا الموظف بأن الجالس بجواره هو معالي الوزير، وهو معفي رسمياً من الدفع، إلا أن الموظف أصر، فما قيمة الوزير وعشرة شباب لو خرجوا الى ميدان التحرير وهتفوا ضده لأقالوه.. هكذا قال. للوهلة الأولى، خشيت أن تكون دوافع الاستغناء مرتبطة 'بالحملة القومية' على السلفيين، وعلى حزب 'النور' بالذات، لاسيما أن الانتخابات على البرلمانية على الأبواب، ووجدت برامج 'التوك شو' في الرجل رمية بغير رام، ولم يميز هو بين الفضائيات الداعية له، وتوجه القائمين على البرامج، فظهر مع إبراهيم عيسى على قناة 'القاهرة والناس'، ومع جيهان منصور على 'دريم'، وهو معذور فقد كان يدافع عن شرفه، وقد استبيح، وشعرت مؤسسة الرئاسة بأنها في وضع لا تحسد عليها، فجاء أداؤها ارتجالياً ومرتبكاً، فقيل أن من استغل نفوذه شخص يعمل مع خالد علم الدين، ثم قيل إن الأمر معروض أمام جهات التحقيق وتبين أن هذا غير صحيح، قبل أن تعود مرة أخرى لتعليق تهمة استغلال النفوذ في رقبة المستشار. وعلى قناة 'النيل للأخبار' قلت انه كان أمام الرئاسة خياران لمعالجة الموقف، إما ان تسرح الرجل بإحسان، وإما أن تحيل ملفه لجهات التحقيق، قبل أن تتهمه بما يفقد الثقة والاعتبار، دون تبين، هذا إن كان هذا الاتهام هو فعلاً السبب في إقالته. وفي مقابلاته الفضائية قال المستشار المقال انه كان قد تقدم لمؤسسة الرئاسة بتقرير عن 'الاخونة' وشغل عناصر من الإخوان لمناصب مهمة في الدولة، ثم همز في الرئيس ولمز، وقال ليس لي ابن عينته في الشركة القابضة للمطارات، وهو الموضوع الذي كان حديث الساعة قبل موضوعه، إذ أن وزارة الطيران وبحسب كلام الوزير في لقاء تلفزيوني كانت قد عرضت إعلاناً بداخلها يطلب حاجتها (الماسة للغاية) الى موظفين، وإذا يا الهي بنجل الرئيس يكون بالمصادفة، التي هي خير من ألف ميعاد، في زيارة لصديق له بالوزارة، وإذا به يلمح الإعلان بطرف عينه اليسرى، فيهرول إليه، فيكتشف يا الهي بالمصادفة أن كل الشروط المطلوبة متوفرة فيه، فتقدم لشغل الوظيفة، وقد وقع الاختيار عليه، بالمصادفة أيضاً. من زمن حسني مبارك ونحن لدينا حساسية مفرطة من أبناء الرؤساء، وأمامنا قرن من الزمان للتخلص منها، وما كان ينبغي على ابن الرئيس ان يثير حساسيتنا، وإذا كان لابد فاعلاً فمن خلال سعيه لشغل وظيفة من خلال إعلان ينشر على الكافة، وبقواعد اختيار صارمة، لاسيما وأنه كان المطروح علينا منذ البداية حكماً قدوته عمر بن الخطاب بكل ما عرف عنه من عدل وإنصاف. الوظيفة المنظورة بعد أن شغل عمر محمد مرسي الفضائيات بوظيفته، قلت في 'النيل للأخبار' إنها أصبحت وظيفة 'منظورة'، وقد نظر له الجميع فيها، والعين، كما ورد في الأثر، فلقت الحجر، ولو كنت مكانه لتنازلت عنها. وقد أسعدني انه تنازله بعد ذلك، وقبل أن تعاني برامج 'التوك شو' من الفراغ، جاءت قضية المستشار السلفي، خدمة من الرئاسة لهذه البرامج. 'الحافظ'، فضائية سلفية، إلا أن هناك جناحا من السلفيين موال للإخوان، على العكس من الشيخ حازم أبو إسماعيل، فهو إخواني موال للسلفيين، وهو بمثابة السنارة الاخوانية التي تدلت في الوسط السلفي، ومهمته لم تتضح معالمها بعد. وعلى 'الحافظ' كان عاطف عبد الرشيد، مؤسس قناة 'الناس' وقد اتهم صراحة خالد علم الدين بهدم 'المشروع الإسلامي'، وقال له: 'انت داير في كل الفضائيات تحكي في الموضوع'.. وقد سخر المستشار المقال من عبارة ' المشروع الإسلامي'، وقال إن نظام مرسي أسوأ من نظام مبارك! وهذا برنامج كاشف عن خطاب كثير من الإسلاميين الذين كانوا يريدون للرجل ان تضيع سمعته هدراً فلا يغضب ولا يدافع عن نفسه، حتى لا يهدم 'المشروع الإسلامي'، ومنذ فترة وأن أتساءل عن هذا المشروع الذي شيد له البعض ضريحاً وأنهكوا أنفسهم بالطواف حوله. على 'الجزيرة مباشر مصر' قال الشيخ صفوت حجازي أن هدف المعارضة إسقاط 'المشروع الإسلامي'، على نحو يصيبني بالارتباك، مخافة أن أتعثر في 'المشروع الإسلامي' ذات ليلة مظلمة، أو أقوم بهدمه وأنا اعتقد انه ضريح الشيخ العريان، والذي من الواضح انه يعاني من الضعف العام لدرجة أن ظهور شخص في برنامج تلفزيوني من شأنه أن يهدمه، أو يسقطه. ولا بأس فبعد ثلاثة أيام من هذا الاتهام الذي وجهه عبد الرشيد للمستشار المقال، تم تعيين عبد الرشيد عضواً في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.. جزاء وفاقاً. محظوظة برامج 'التوك شو' بمؤسسة الرئاسة، ففي أسبوع واحد تم منحها موضوعين حيويين واحد خاص بنجل الرئيس والثاني بمستشار الرئيس. فعلي طواقم الإعداد بالفضائيات أن تتقدم بالشكر لمؤسسة الرئاسة. صحافي من مصر [email protected]