المرتزقة يعلنون حالة الطوارئ في عدن خوفا على المعاشيق    مصرع واصابة 19 في اصطدام سفينة مكسيكية في نيويورك    صحف عالمية: خطة صهيونية لتقطيع غزة وحشر السكان في 3 مناطق    بالاس يقهر السيتي ويتوج بكأس الاتحاد الإنجليزي    اختام بطولة "علم وجهاد" لمنتخبات أحياء المراكز الصيفية بشعوب    اليمن يستهدف عمق الكيان وبيان مهم بعد قليل    صحفي يكشف ما استهدفته الغارات الاسرائيلية في ميناء الحديدة    القادة العرب يجددون دعمهم لوحدة اليمن ويشددون على وقف العدوان على غزة    الحكومة: إعلان الحوثيين عن جاهزية مطار صنعاء استعراض دعائي لتضليل الرأي العام    صحفي يكشف عن نجاته من الاعتقال في ذمار بعد تقديمه بلاغ عن تهديده بالتصفية ويتوقع توسع حملة الاعتقالات    انتخاب اليمن رئيساً للاتحاد العربي للرياضات المائية    مقتل طفلة في إب    - ماذا تعرف عن مركز عفار الجمركي وماذا يحدث فيه ؟    575 مسافرا غادروا ووصلوا صنعاء في يومنا السبت عبر طيران اليمنية    وزير التربية: العام القادم سيشهد تطورًا نوعيًّا في قطاع التعليم الفني    الصقر والسهام في نهائي بطولة البلياردو لأندية تعز    في سابقة غير معهودة .. أمن ذمار يعتقل الأديب الحراسي اثناء مراجعته على اعتقال الحقوقي اليفاعي    الوزير البكري يبارك للخليفي بمناسبة فوزه برئاسة الاتحاد العربي للرياضات المائية    ياسين البكالي.. الشاعر الذي جسَّدت قصائده وجع اليمن    فليك: أريد الاحتفال مع برشلونة «كل عام»    وزارة الاتصالات في صنعاء تصدر بيانا هاما    رئيس هيئة العمليات يعقد اجتماعاً موسعاً في مأرب ويشدد على رفع الجاهزية القتالية    البكالي.. الشاعر الذي مات حزينا    وزارة الاوقاف تبدأ تفويج الحجاج اليمنيين براً إلى الأراضي المقدسة    الرهوي يناقش مع وزير المالية سير تنفيذ الآلية المؤقتة لدعم فاتورة المرتبات    الصحة تعلن حصيلة لضحايا استهداف مينائي الصليف والحديدة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 17 مايو/آيار 2025    الحركة الوطنية الديمقراطية اليمنية المعاصرة نشاءت موحدة الاهداف والتكوين    احتجاجات لنساء أبين تنديدا بتدهور الأوضاع المعيشية وللمطالبة بتوفير الخدمات    شاب يطلق النار على والدته في حضرموت    هبوط اول طائرة بمطار صنعاء الدولي بعد تعرضه لغارات اسرائيلية    الصحة: ارتفاع ضحايا العدوان الصهيوني على الحديدة إلى 12 شهيداً وجريحاً    رئيس مجلس القيادة يصل بغداد للمشاركة في أعمال القمة العربية ال34    صدمة لفنان مصري بعد إيقاف معاشه الحكومي اعتقادا بأنه توفي    اليمنية تعلن انضمام طائرة لأسطولها ودخولها الخدمة نهاية مايو الجاري    أطعمة شائعة ولذيذة قد تساعد في خفض ضغط الدم المرتفع    منظمة إنسان: قصف كيان العدو الصهيوني لميناء الحديدة جريمة حرب    اليوم نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي    مسلح حوثي يحرق مسنًا في إب    وزارة الثقافة تنعى الشاعر ياسين البكالي وتشيد بدوره الأدبي    "التربية" في غزة: استشهاد 13 ألف طالب و800 تربوي واغتيال 150 أستاذًا جامعيًا    الأمن يلقي القبض على شاب قتل جدته بتعز    جريمة العديني المغلي بالزيت    المغرب.. مقابر حجرية ونقوش غامضة عمرها 4 آلاف عام    طبيب يوضح سبب تنميل اليدين ليلا    رسميا.. برشلونة يتوج بطلا للدوري الإسباني للمرة 28 في تاريخه    احباط تهريب قطع اثرية في باب المندب    دراسة طبية: المشي اليومي يخفض خطر الإصابة بالسرطان    الذهب يتراجع ويتجه لأكبر خسارة أسبوعية في ستة أشهر    "درع الوطن اليمنية".. وتجنيد الاطفال    إب.. ضابط امن يصب الزيت المغلي على بائع مسن    دعوة للمواطنين من دار الافتاء    رحيل الشاعر اليمني ياسين البكالي بعد مسيرة أدبية حافلة    ارتفاع طفيف للذهب مع إقبال المستثمرين على الشراء    مكة المكرمة.. و منها دَعا إبراهيم    تدشين أولى رحلات تفويج الحجاج جواً من مطار عدن الدولي    بلجيكا.. اكتشاف أنبوب مياه روماني فريد من نوعه    المناخ الثوري..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأبعاد الرمزية للرؤوس المقطوعة
نشر في الجنوب ميديا يوم 24 - 04 - 2012

لم يدر في خلد الظلاميين الذين عمدوا إلى قطع رأسي أبي العلاء المعري وطه حسين، ولو من خلال تمثاليهما التذكاريين، أن الفارق كبير جداً بين فكرة الأصنام وغايتها وبين الفن وغايته، ففي الأولى لا يكون الجمال هدفاً للأنصاب أو الأوثان، بل الغاية هي التزلف للخالق والاتصال به عبر وسيط حسي ومباشر، ذلك أن الجاهلين لم يكونوا قادرين على التواصل الدائم مع إله لا يرونه بالعين المجردة ولا على إيلاء المهمة للعقل المجرد، فأوكلوها إلى رموز أرضية محسوسة يستطيعون أن يحمِّلوها همومهم وهواجسهم المتعاظمة، ثم ما لبثوا أن استبدلوا الأصيل بالوكيل واستأنسوا إلى الأوثان نفسها لسهولة الاتصال بها ولأنها تكفيهم مشقة إعمال العقل والتفكر العميق، لكن الأوثان والأنصاب ليست من الفن في شيء، خاصة أنها قد تأخذ صورة صخرية عادية أو شجرة أو ثمرة قابلة للأكل، كما حدث لبعض الجوعى من "المتعبدين" السذج .
ليست التماثيل أصناماً للعبادة بالقطع بل إن فكرتها متصلة اتصالاً وثيقاً بجوهر الفن نفسه الذي يقوم على استنطاق اللغة والمادة والصوت واللون للتعبير عن احتفائنا بالجمال وفتنة الوجود، أو عن ردنا على محدودية الحياة الزائلة بلا محدودية الفن وقدرته الرمزية على مواجهة الموت، وهو ما عبر عنه محمود درويش في جداريته الشهيرة بقوله "هزمتك يا موت الفنون جميعها"، ورغم أن الحضارة اليونانية احتفت بالتماثيل أكثر من أية حضارة مماثلة، فإن الآلهة آنذاك لم تلبس لبوس التماثيل، ولم تحل في أي منها، حيث كان البحث عن الجمال ومحاكاة نماذجه العليا هو هاجس النحاتين الأهم .
ومع ذلك فقد ظلت العلاقة بين الفن والحياة واقعة دائماً في دائرة الالتباس والمشاكلة، ففي الأسطورة الإغريقية يعمد بجماليون إلى صنع منحوتة رائعة لامرأة في خياله ما يلبث أن يقع في غرامها مبتهلاً لفينوس أن تنفخ في أوصالها الحياة، وحين استجابت الآلهة له سمى المرأة غالانيا وتزوجها، في إشارة رمزية إلى أن الحياة أهم من الفن في نهاية الأمر، أما توفيق الحكيم فيذهب بالأسطورة نفسها إلى مكان مختلف حيث يطلب النحات العاشق من فينوس أن تعيد غالانيا التي خانته مع صديقه مرة أخرى إلى تمثال يحطمه قبل أن يضع حداً لحياته، وقطع رأس التمثال في هذه الحالة ليس إلا القطع الرمزي للمكان الذي يحيط بالدماغ ويحتويه، وحرمان المرأة الخائنة من إمكانية التفكير مرة أخرى .
لم يكن هدف التكفير بين الظلاميين الذين عمدوا إلى قطع رأسي أبي العلاء المعري وطه حسين، ولو على صورتي تمثالين، هو النيل من التماثيل نفسها، بل من الفكر النير والمتحرر من العقد الذي امتلكه الرجلان المبدعان، فالتكفيريون يعلمون تمام العلم أن أحداً من الناس لا يعبد صاحبي "رسالة الغفران" و"الأيام"، وأن تمثاليهما ليسا سوى شكل من أشكال التكريم والاحتفاظ بصورتهما في الأذهان والقلوب، لكن المستهدف الحقيقي هو القضاء على أية محاولة جادة للتفكير وطرح المسائل الجوهرية التي تخرج العقل العربي من غيبوته وعمائه، وما حدث بالتالي هو النظير الموازي لمنع الكتب المميزة وإحراقها ومصادرتها، بمفعول رجعي يعود إلى "ألف ليلة وليلة" وغيرها ويخلص الظلام اليقيني من أي ضوء محتمل أو شكوك في غير محلها .
ليست التماثيل هي الهدف، بل أصحابها حتى ولو لم يتم التذرع بالدين والتلطي وراء فكرة تحطيم الأصنام وحرمة إقامتها في ديار المسلمين . وإلا فلماذا لم تختر الفؤوس الحاقدة أعناق عشرات التماثيل الأخرى المنتشرة في عواصم المسلمين وحواضرهم الشاسعة؟ إن المستهدف الفعلي هو أبو العلاء نفسه، حين قال: "اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا/ دين وآخر دين لا عقل له" . والذي قال "كذب الظن لا إمام سوى العقل/ مشيراً في صبحه والمساء" . والمستهدف هو صاحب "في الشعر الجاهلي" الذي تجرأ على المس بالمسبقات اليقينية والمحرمات الثابتة، ودعا إلى إعمال العقل في كل ما تقاربه من قضايا ومسلمات ومعتقدات .
لكن الأمر الأكثر إدهاشاً ومدعاة للتأمل هو أن يكون المبدعان "المغتالان" قد أصيبا في حياتهما بالعمى الكامل، وأن يدفعهما فقدان البصر إلى إطلاق أكثر الدعوات صلة بالتنوير في تاريخ العرب . وهو ما يذكر بقول الكاتب الأرجنتيني الضرير بورخيس من أن الله أعطاه العمى وضوء الكتابة في وقت واحد، أما التكفيريون فيرسبون في الظلمة الدامسة والعمى الكامل ويطعنون "الربيع" العربي في صميم قلبه وشميم وروده، قاطعين الطريق على أية محاولة جادة للخروج من العتمة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.