الطقس الرائع وألوان الزهور والرائحة العطرة عوامل جذب إضافية مع حلول الربيع ووصول طلائعه في ألوان الزهور المبهجة وروائحها العطرة، جذبت حدائق الدوحة العائلات والرواد بمختلف أعمارهم وفئاتهم، رواد لم يهجروها خلال الشهور الماضية حتى في أوقات البرد والمطر وإن قلّت، لكن أعدادهم اليوم زادت بشكل ملحوظ، فمئات العائلات الأخرى جذبتها نسمات الربيع العليلة لتتوجه إلى الحدائق علها تحصل على نصيبها من النزهة الاستثنائية في الهواء الطلق ونسماته المنعشة قبل أن يداهمها الصيف بحرارته الشديدة التي تجعل من زيارة الحدائق أحيانا مهمة «للفدائيين فقط». «العرب» تجولت في عدد من حدائق الدوحة, ورصدت كيفية تمضية روادها لأوقاتهم فيها, والعوامل التي جذبتهم إليها. الأكثر تفضيلا البداية كانت مع أسرة عبدالله المالكي التي اعتادت التوجه إلى حديقة «البدع» كل أسبوع تقريبا، ربما لا تكون هذه هي الحديقة الأقرب إلى بيتهم كما يقول الأب، إلا أنها الأكثر تفضيلا لدى كل الأسرة «تفضل أسرتي كثيرا هذه الحديقة، ونأتي إليها منذ سنوات، ورغم توجهنا إلى بعض الحدائق مرات عديدة فإن «البدع» تظل الأقرب إلى قلب كل أفراد الأسرة، وهو الأمر الذي لم نجد له تفسيرا محددا، ربما لاتساعها وتدرجها، أو لوجود بعض الأماكن التي يحب الأولاد اللعب فيها كمنطقة التزلج والألعاب، وربما لأن كل أسرة يمكنها أن تشعر فيها بالخصوصية لأن بها الكثير من المقاعد المحدودة، أو حتى الجلوس تحت الأشجار وبين الشجيرات الصغيرة، وكلها خيارات أمام روادها، لكن بالطبع للقادمين مبكرا لأنك لو تأخرت بعض الشيء فربما لا تجد موطئا لقدم أو مكانا لصف سيارتك من شدة الإقبال عليها, خاصة في المناسبات والعطلات وأيام نهاية الأسبوع». موعد أسبوعي حديقة المتحف الإسلامي كانت المكان الأكثر تفضيلا لدى أسرة يوسف وتقى، فالشقيقان وهما من طلبة المرحلة الابتدائية لا يمضيان أسبوعا دون القدوم إليها لتمضية يوم الجمعة بكاملة هناك، وفور الانتهاء من صلاة الجمعة تتجمع أسرتهما مع بعض الأسر الصديقة والأقرباء، الأمر الذي يتيح لهما أن يحظيا بمجموعة رائعة من الرفقاء في نفس أعمارهما أو قريبة منها، لتحلو «اللمّة» واللعب الجماعي في مناطق الألعاب المنتشرة بالحديقة سواء المجانية، أو التي يتم دفع رسوم عليها كالنطاطيات وغيرها، فهناك يمكن التنزه على الكورنيش الموجود داخل الحديقة, أو الجلوس مع الأصدقاء على ضفاف الخليج في الأماكن المخصصة لذلك, كما تفضل تقى وصديقاتها، أو الاستمتاع بلعب كرة القدم بعد أن يكوِّن يوسف وأصدقاؤه فريقا خاصا بهم. وتشرح الأم ل «العرب» أسباب تفضيل حديقة المتحف فتقول: «منذ افتتاحها أعجبتنا كثيرا هذه الحديقة، فهي عائلية بامتياز، وأصبحت مقرا دائما لنا ولأصدقائنا خلال نهاية الأسبوع وتحديدا يوم الجمعة، فهي مكان هادئ رغم ازدحامه، كما أنها آمنة للغاية، وبها الكثير من الأماكن والمرافق التي يستمتع بها الأبناء وأصدقاؤهم، فضلا عن أنها قريبة من منزلنا». وتتابع: «نأتي إلى هنا برفقة بعض الأسر الصديقة لنمضي اليوم بكامله ونتناول الطعام, ونأتي ومعنا كل ما تحتاجه عائلاتنا, والأطفال بشكل خاص، ويكون يوما ممتعا يزيل عنا تعب الأسبوع وإرهاقه، ويجدد نشاط الأولاد ويجعلهم مستعدين لمتابعة استذكار دروسهم وبدء أسبوع جديد من الدراسة». نزهة خاصة رغم كثرة مهام عمله فإن هشام -المقيم العربي والذي يعمل في مجال الإعلام- يحرص على أن يحضر صغيرته نور إلى الحديقة كلما سنحت له الفرصة، لدوام الأب المتأخر في بعض الأيام، فهو يوم فرح للصغيرة التي لم تنه عامها الثاني بعد، فهي رغم صغر عمرها إلا أنها تعشق الخروج إلى الحدائق, حيث تجري وتلعب بكرتها الصغيرة، أو تحاول مجاراة الأطفال الأكبر سنا في ركوب الألعاب المختلفة، وأصبح الخروج إلى الحديقة هو أكبر متعة تحظى بها الصغيرة، وتطالب بها والديها دون كلام واضح، فهي لا تجيد إلا القليل من المفردات التي تعد على أصابع اليد الواحدة, منها بابا وماما, والاسم الذي أطلقته على دميتها المفضلة، لكنها رغم ذلك تعبر عن رغبتها بالخروج إلى الحديقة بوسائل أخرى يفهما الوالدان كإحضار الحذاء إليهما ليساعداها في ارتدائه، أو بجلب بعض قطع من ملابسها التي تدرك أنها خاصة بالخروج، وأحيانا بحمل كرتها الصغيرة والوقوف خلف باب الشقة «جئت اليوم إلى الحديقة من أجل نور، فهي تستمتع جدا فيها، وتجري يمينا ويسارا وكأنها عصفور خرج للتو من قفصه، وهذا يسعدني كثيرا، ويجعلني اقتنص أية فرصة تتاح لي فأحضرها إلى هنا حتى ولو من دون والدتها التي تكون في العمل صباحا، فهنا تلعب الصغيرة وتستمتع. والأهم أنها تحصل من أشعة الشمس على فيتامين (د) اللازم والضروري لكل إنسان، ومهما طالت مدة وجودنا في الحديقة لا تمل الصغيرة، حتى إننا في كل مرة نعود إلى البيت وهي باكية لأنها لا تريد مبارحتها، والحالة الواحدة التي نغادر الحديقة دون بكاء تكون عندما يغلبها النعاس, وأنا أهزها على الأرجوحة بالحديقة بسبب كثرة اللعب والتعب، فهنا ربما تكون مهمة العودة إلى المنزل أسهل، لكنها سرعان ما تطالبني مجددا بالذهاب إلى الحديقة بطريقتها الخاصة». وبالنسبة إلى نور فلا يهم الحديقة التي ستتوجه إليها, ولا يعنيها كثيرا الاسم ولا المرافق، المهم هو مكان أخضر وواسع، وسواء وجدت بها ألعاب أم لا فهو مكان مميز بالنسبة لها -كما يقول الأب- إلا أن وجود الألعاب وأيضا الأطفال يجعل متعتها أكبر, خاصة وهي تحاكيهم في اللعب بالألعاب الموجودة في الحديقة، أو بالدخول في مشاكسات معهم بهدف الحصول -عَنْوَة- على مقتنياتهم من اللعب الصغيرة في أيديهم. حفلات صغيرة يبدو أن الحدائق لم تعد مكانا للتنزه ولعب الأطفال فقط، لكنها أيضا أضحت مكانا لعمل بعض الاحتفالات البسيطة كأعياد الميلاد أو الزواج، وتروي لنا المقيمة العربية أم سعد واقعتين كانت حاضرة في إحداهما ومتابعة عن قرب للأخرى التي تصادفت مع وجودها بالقرب منها «قبل شهر تزوج أحد أصدقاء زوجي وعاد بعروسه من بلدنا بعد أيام من الزواج، وفكرنا نحن ومجموعة من الأسر الصديقة لنا ولهم على تجهيز مفاجأة سارة للعروسين، فقمنا بشراء قالب كيك كبير عليه أسماؤهما، وعبارات مباركة لهما بالزواج السعيد، ومجموعة من الحلويات والمأكولات، وقامت الشابات من بناتنا بتجهيز مجموعة بسيطة من الزينات البيضاء والورود لتعليقها على الأشجار الموجودة مكان تجمعنا في الحديقة، وجهزنا حفلا صغيرا وجميلا، وتولى الأطفال مهمة رش العروسين ببخاخات الرغوة والشرائط الملونة، وكانت بالفعل مفاجأة سارة للعروسين، وبعدها قمنا بنزع الزينات المعلقة وتنظيف المكان من آثار القصاصات الملونة ومخلفات الاحتفال, وتركناه كما كان، لأننا جئنا وهو في غاية النظافة وليس لائقا أن نتركه بأقل من الحال التي كان عليها». أما الحفل الآخر الذي تابعته السيدة فكان عيد ميلاد أقامته إحدى الأسر الأجنبية «في الأسبوع الماضي شهدنا حفلا أقامه بجوارنا في الحديقة مجموعة من الأجانب لطفل صغير يدعى (جاك), حيث كانوا يتغنون باسمه في الحفل، وأحضروا معهم مجموعة من الحلويات والكيك والهدايا ولعب الأطفال, وارتدى الصغار ملابس تنكرية لشخصياتهم المفضلة وبعض الأشياء الملونة على الرؤوس والوجه، ولفت الحفل أنظار كثير من المتواجدين في الحديقة, وقام بعضهم بالتقاط الصور له». وقالت السيدة إن الأجواء الرائعة التي تشهدها الحدائق والطقس الجميل, خاصة هذه الأيام تشجع الجميع على الاستمتاع بأوقاتهم بكافة الوسائل، فضلا عن إقامة الاحتفالات المختلفة «ولو بشكل مبسط لا يزعج الآخرين أو يمنع الخصوصية التي يحظون بها في الحدائق». راحة نفسية وتعتبر السيدة عائشة عبدالعزيز -موظفة- أن الخروج إلى الحدائق يجدد النشاط الذهني والبدني لكل أفراد الأسرة, سواء الكبار أو الصغار «أعتقد أن الحدائق هي أجمل ما في الدوحة، وهي نعمة كبيرة أنعم الله بها علينا، ونشكر دولتنا الحبيبة التي اهتمت بإنشاء الحدائق بهذه الكيفية التي يضاهي بعضها الموجود في أوروبا، وعندي أنا وأسرتي تكون أسعد أوقاتنا هي ما نمضيها في الحديقة، ونستمتع كثيرا بها عن الخروج إلى المولات أو الأماكن الأخرى، لكن للأسف الأوقات التي يمكننا الاستمتاع بالحدائق فيها ليست كبيرة كما نريد, وليست متاحة طوال العام بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي لا تطاق في شهور عديدة، ولا تسمح بالتواجد في الحديقة ولو لدقيقة واحدة؛ لذا فنحن نحاول اغتنام الشهور التي يكون فيها الطقس مناسبا, ونأتي على الفور إلى الحديقة بشكل أسبوعي». وتقول السيدة إن أسرتها غالبا ما تأتي إلى الحديقة منفردة دون أسر صديقة, كما يفضل البعض «صحيح أنا أحب «الوناسة» والأصدقاء، لكنني أفضل أن تكون أسرتنا بمفردها, لأن هذا يوم للتواصل العائلي أكثر من أي يوم آخر، فأنا وزوجي في العمل طوال أيام الأسبوع، ونشعر كثيرا بافتقاد أولادنا خلال الوقت الذي نمضيه في العمل، وكثيرا ما يتناول كل منا طعامه على حدة, وليس معا، لذلك يكون يوم النزهة الأسبوعية هو يوم لقاء كل أفراد الأسرة وتمضية الوقت معا وتناول الغداء وأحيانا العشاء في الحديقة، فلا نريد فقدان هذا الأمر بتجمعنا مع عائلات أخرى. فأنا والوالد إما إن نجلس معا -خلال قيام الأبناء باللعب- ونتحدث في كثير من الموضوعات المؤجلة خلال الأسبوع لعدم وجود الوقت أو الانشغال، وإما أن يقوم الوالد باللعب مع عيالنا بناء على طلبهم، وأحيانا أقوم أنا بنزهة بسيطة مع طفلي الرضيع في الحديقة، وكلها أمور تجعلنا نفضل الخصوصية لعائلتنا خلال هذا اليوم». كل الحدائق ممتازة وتتابع: «كنا نتمنى لو كانت حالة الطقس في قطر مناسبة طوال العام، ووقتها فلن نفارق الحدائق على مدار العام، لكننا مع ذلك نحاول الاستفادة قدر المستطاع بالأوقات المناسبة». وتقول السيدة إنها لا تنحاز إلى حديقة بعينها، لكنها تفضل تغيير الحدائق في كل مرة لمشاهدة أماكن أكثر, والاستمتاع بميزات كل واحدة منها «كل حديقة في الدوحة لها ما يميزها وما يجعلها منفردة عن الأخرى؛ لذا لا نلتزم بواحدة فقط، فكل مرة نذهب إلى حديقة مختلفة ونجربها، والتي تعجبنا أكثر نتردد عليها أكثر, لكن لا نترك غيرها، ومن الحدائق التي أفضلها بشكل كبير أسباير ودحل الحمام، كما أن حديقة المتحف جميلة للغاية ومميزة, لكنها مزدحمة جدا، بعكس أسباير التي يمكن الحصول فيها على أماكن خاصة, والشعور بخصوصية كبيرة، كما أنها تكون مناسبة لممارسة بعض أنواع الرياضة، سواء من خلال المماشي الموجودة بها أو الأجهزة الرياضية المنتشرة في أجزاء كثيرة منها، وإن كان بعضها يحتاج أن يكون أكثر مرونة, لأن بعض الأجهزة تكون صعبة الاستخدام وتحتاج لعضلات قوية!». وتنصح السيدة كل العائلات بالاستمتاع بالحدائق واغتنام الطقس الرائع خلال هذه الأيام قائلة «هي فرصة لن تدوم طويلا, فسرعان ما ستزداد درجات الحرارة, وسيصبح التواجد في الحدائق أمرا بالغ الصعوبة».