جالبة أمل بناء مستقبل لا مجال فيهل لإفلات من العقاب ولا لارتكاب الفظائع الجماعية. ولتجسيد هذا الأمل علي صعيدالواقع الراسخ, تحتاج المحكمة إلي دعم الأمم في شتي أنحاء العالم. لقد شهد عام 1950 اندلاع الحرب في وطني, كوريا. وإبان المعركة من أجل السيطرة علي سول, لاذت عائلتي إلي ملجأ تحت الأرض عالي درجة الحرارة والرطوبة حيث بقيت لمدة ثلاثة أشهر. وعندها تعين علي كل يوم, وأنافي التاسعة من العمر, أن أقطع ماشيا16 كيلومترا لأجد طعام يومنا وأعود به إلي الملجأ. وكنت, كلما انهالت القنابل من أعلي, أركض للاحتماء مسقطا ما أحمله بين ذراعي من مشتريات. لن أنسي أبدا كيف كنت أمر بين مئات الجثامين الجاثية علي الطرقات. فكأني مازلت حتي اليوم أشم نتن الجثث التي تتحلل بفعل شدة حرارة الجو. وبعد مضي ستين سنة,التقيت, بصفتي رئيسا للمحكمة, بمجني عليهم في أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. بعضهم أطفال سبق أن جندوا يكافحون الآن لإعادة بناء حياتهم, وبعضه متعرض لعنف جنسي.وبينهم من فقد ذراعيه أو رجليه أو شفتيه أو أذنيه,لأنها بترت عن عمد. فوجدتني أتساءل: كيف يمكن أن يرتكب هذا التنكيل الفظيع في القرن الحادي والعشرين؟ أفلايتعظ البشر يوما؟ للأسف مازالت الجرائم ضد الإنسانية وغيرها من الفظائع الجماعية تقترف. إن هذه الجرائم تمزق المجتمعات وتخلف جراحا لا تندمل إلا بتعاقب الأجيال. فينبغي, بل يجب, ألا يبقي مقترفو هذه الأفعال في منجي من العقاب. وإذا أردنا وضع حد لهذه الجرائم فيتعين أن تسود العدالة يوما ما. ذلكم هو الأمل الذي تجسده المحكمة الجنائية الدولية.فهي نتاج عزم أهالي المعمورة جمعاءعلي وقف الأعمال الوحشية التي ما فتئت تفسد الحياة عليها. وللحيلولة دون ارتكاب العنف والإبادة الجماعية, يجب أن يكون ردنا موحدا وعالمي النطاق. فعلينا أن نستحث آمال الأجيال الجديدة في شتي أنحاء العالم والتزامها. إننا نحتاج إلي دعم متنوع وصريح وواسع النطاق من جميع البلدان لتحقيق تيقظ يقوي مبدأ سيادة القانون ويمنع ارتكاب هذه الجرائم المقيتة. إن المحكمة الجنائية الدولية هي السبيل الطبيعي لكل من يسعي إلي إرساء سلام دائم ومستقبل آمن للبشرية. فتصديق الدول علي نظام روما الأساسي برهان ساطع علي التزامها بالسلام وبالعدل وبسيادة القانون. لقد بلغ عدد الدول الأطراف في هذه المحكمة 121, وثمة دول أخري كثيرة تنظر جديافي الانضمام إلي منظومتها المتواصلة التطور للعدالة الجنائية الدولية. وكلما صدقت دولة أخري علي نظام روما الأساسي,أضيفت لبنة إلي السورالذي يحمي الأجيال المقبلة من فظائع عصية علي البيان. ليست المحكمة الجنائية الدولية بديلا عن المحاكم ولا عن المدعين العامين ولا عن الشرطة علي الصعيد الوطني. فبموجب نظام روما الأساسي, تبقي مسئولية التحقيق في الجرائم الفظيعة ومقاضاة المسئولين عنها منوطة في المقام الأول بالدول وبمحاكمها الوطنية. لكن إذا تعذر عليها ذلك لأي سبب كان, فإن المحكمة الجنائية الدولية تنبري للمساعدةوالعمل بمثابة صمام أمان. وبعد تصديق الدولة علي نظام روما الأساسي, فإن كل من ينوي أن يرتكب علي أراضيها جريمة إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب يكون عرضةللمقاضاة أمام المحكمة الجنائية الدولية وللتوقيف في إحدي الدول الأطراف. وبذايوفر نظام روما الأساسي حماية قانونية هامة لأهالي كل دولة من الدول الأطراف. فالعضوية في المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن تمثل رادعا قويا عن ارتكاب أبشع الفظائع. ففي الآونة الأخيرة أخبرني وزير في حكومة إحدي الدول الأطراف بأن إمكانية تدخل هذه المحكمة أدت بحد ذاتها دورا حاسما في المساعدة علي منع العنف الواسع النطاق خلال الانتخابات التي أجريت في بلده. إن منظومة العدالة القائمة علي نظام روما الأساسي لا تعني بالعقاب فحسب,بل تعني أيضا بتقديم العون إلي الجماعات وبتمكين المجني عليهم. فبها تتاح للمجني عليهم, لأول مرة في تاريخ العدالة الجنائية الدولية, إمكانية طلب جبر أضرارهم والمشاركة في الإجراءات بمساعدة ممثلين قانونيين. ويساعد الصندوق الائتماني للمجني عليهم, الذي أنشئ بموجب نظام روما,أكثر من 80000 مجني عليه, موفرا لهم خدمات منها خدمات الصحة الإنجابية, والتدريب المهني, وإسداء المشورة في حالات الصدمات النفسية, وتنظيم حلقات العمل الرامية إلي المصالحة, وممارسة الجراحة الترميمية. فأدعو الأمم قاطبة إلي إتاحة إمكانيةالانتصاف إتاحة شاملة للمجني عليهم في الجرائم البالغة الخطورة. وغدا, في 14 نوفمبر 2012, ستجتمع الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا بمناسبة انعقاد جمعيتها السنوية لاتخاذ قرارات هامة تخص المحكمة ولتجديد عزمها علي وضع حد للإفلات من العقاب. إن أسرة أمم المحكمة تتنامي كل عام. ولبلدكم أيضا منزلته بين ظهرانيها.