أحاول حين أتحدث عن الأمازيغ أن أكون موضوعيا، لكن دون أن أتخلى بالطبع عن كوني إنسانا عربيا، يراقب بقلق كل الأخطار الأخطبوطية التي تريد الالتفاف على جسد العروبة المنهك، وكنت قد طرحت أسئلة واضحة تتعلق بالأمازيغ، وهل هم سكان أصليون موجودون قبل دخول الإسلام إلى دول المغرب العربي، أم أنهم جاءوا من مناطق مختلفة واستوطنوا أراضي تلك الدول، ولمحاولة الإجابة كان لا بد من العودة لقراءة ما كتبه العلامة عبد الرحمن ابن خلدون، والذي مر على رحيله عن عالمنا 607 سنوات بالضبط، حيث إنه قد رحل عن عالمنا يوم الجمعة 28 رمضان سنة 808 هجرية- الموافق يوم 19 مارس سنة 1406 وقد تم دفنه- وقتها- بمقابر الصوفية قرب باب النصر بشمال القاهرة، وكان ابن خلدون قد ولد في تونس سنة 1332 ميلادية. في مستهل كتابته عن الأمازيغ ضمن كتابه العظيم- كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، يقول ابن خلدون: هذا الجيل من الآدميين هم سكان المغرب القديم، ملأوا البسائط والجبال من تلوله وأريافه وضواحيه وأمصاره، يتخذون البيوت من الحجارة والطين ومن الخوص والشجر ومن الشعر والوبر. ويظعن أهل العز منهم والغلبة لانتجاع المراعي فيما قرب من الرحلة، لا يجاوزون فيها الريف إلى الصحراء والقفر الأملس. ومكاسبهم الشاء والبقر والخيل في الغالب للركوب والنتاج. وربما كانت الإبل من مكاسب أهل النجعة منهم شأن العرب، ومعاش المستضعفين منهم بالفلح ودواجن السائمة. ومعاش المعتزين أهل الانتجاع والأظعان في نتاج الإبل وظلال الرماح وقطع السابلة. ولباسهم وأكثر أثاثهم من الصوف يشتملون الصماء بالأكسية المعلمة، ويفرغون عليها البرانس الكحل ورؤوسهم في الغالب حاسرة، وربما يتعاهدونها بالحلق. ولغتهم من الرطانة الأعجمية متميزة بنوعها، وهي التي اختصوا من أجلها بهذا الاسم. ويروي ابن خلدون حكاية طريفة تتعلق بالتسمية التي تبناها في وصفه للأمازيغ بأنهم بربر، فيقول: إن أفريقش بن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة لما غزا المغرب وإفريقية، وقتل الملك جرجيس وبنى المدن والأمصار، وباسمه زعموا سميت إفريقية، لما رأى هذا الجيل من الأعاجم وسمع رطانتهم ووعى اختلافها وتنوعها تعجب من ذلك وقال: ما أكثر بربرتكم.. فسموا بالبربر. والبربرة بلسان العرب هي اختلاط الأصوات غير المفهومة. ومنه يقال بربر الأسد إذا زأر بأصوات غير مفهومة. وفي نفس السياق المتعلق بالأمازيغ، ومن أين جاءوا إلى دول المغرب العربي، يقول ابن خلدون إن الطبري مع آخرين سواه قد ذكروا أن البربر أخلاط من كنعان والعماليق، فلما قتل جالوت تفرقوا في البلاد وغزا أفريقش المغرب ونقلهم من سواحل الشام وأسكنهم إفريقية وسماهم بربر، وقيل: إن البربر من ولد حام بن نوح بن بربر بن تملا بن مازيغ بن كنعان بن حام. وقال الصولي: هم من ولد بربر بن كسلوجيم بن مصرائيم بن حام. وقال مالك بن المرحل: البربر قبائل شتى من حمير ومضر والقبط والعمالقة وكنعان وقريش تلاقوا بالشام ولغطوا فسماهم أفريقش البربر لكثرة كلامهم. وسبب خروجهم عند المسعودي والطبري والسهيلي: أن أفريقش استجاشهم لفتح إفريقية وسماهم البربر وينشدون من شعره: بربرت كنعان لما سقتها من أراضي الضنك للعيش الخصيب ولكي أتعرف أكثر على ما ذكره الطبري بشكل مباشر، كان لابد أن أعود إلى كتابه الضخم المشهور بعنوان تاريخ الرسل والملوك، والمعروف كذلك بعنوان تاريخ الأمم والملوك، ومن خلال ما ذكره ابن خلدون، وما ذكره آخرون من بينهم الطبري، يتضح لنا أن هناك روايات مختلفة ومتنوعة فيما يتعلق بالأمازبغ، وهل هم السكان الأصليون لدول المغرب العربي، أم أنهم جاءوا من بلاد الشام قبل ظهور الإسلام، كما جاء العرب من بعدهم من الجزيرة العربية، عندما انطلقوا برسالة الإسلام. وبالطبع فإن هذه الروايات تتعارض فيما بينها وتتناقض، على ضوء الانحياز مع أو ضد الأمازيغ. هامش: الأمازيغ.. ظالمون أم مظلومون؟. كان هذا عنوان المقال الذي نشرته الشرق لي يوم الخميس الماضي ضمن عمود مرايا الروح، وفي نفس اليوم تلقيت رسالة غاضبة من ناشط أمازيغي جزائري، اسمه صلاح الدين أزواز، كما نشر موقع إليكتروني مغربي اسمه- ناس هيس- مقالي كاملا نقلا عن الشرق، وقد توالت عليه تعليقات كثيرة، بعضها مكتوب باللغة العربية، وبعضها باللغة الفرنسية، وكذلك قام موقع موريتاني، اسمه الرأي المستنير بنشر المقال كاملا، وقد استأذنت الزميل صالح غريب رئيس القسم الثقافي بالشرق في الرد على كل التعليقات مرة واحدة فيما بعد، وقد وافق مشكورا على ذلك، فإلى لقاء متجدد.