| رولا فاضل | لا يختلف اثنان على أن الشباب هم أمل المستقبل، عماد الوطن ومصدر قوة المجتمع. فهم تلك الطاقات التي تبني الأوطان وتلك القدرات التي تصنع تاريخ الشعوب و تلك المواهب التي تحدد مستقبل الأمم. فما مصير هذا الوطن وهذا المجتمع وكيف سيكون حال المستقبل إذا كان شبابنا العربي مصاباً بإحباط و خيبة أمل واضحة الملامح؟ ظاهرة الشباب المحبط ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب؛ إنها تراكمات سنوات عديدة مضت. ولكننا نراها اليوم بشكل أوضح وأكبر ضمن شباب المجتمعات العربية المختلفة، ربما بعدما ارتفعت آمال و طموحات هؤلاء الشباب نتيجة موجة التغيير التي تعصف بالمنطقة. فالثورات العربية التي فجرها الشباب كانت تمثل الأمل شبه الأخير لهم. شباب الثورة في مصر و ليبيا واليمن و تونس، أُحبط بعد أن استُبعد عن المشاركة في المشهد السياسي ومؤسسات الدولة واستُبدل هذا الشباب الثائر بأنظمة ربما أسوأ وأقبح من الأنظمة المستبدة السابقة. فصُدم شباب الثورة بواقع مؤلم و هو أنّ ثوراتهم لم تغير شيئاً بالوضع العام سوى إسقاط الحكم الدكتاتوري واستبداله بحكم رجعي «غير معتدل» لا يختلف في ممارساته عن الأنظمة السابقة. عندما تزداد الآمال وتكبر الطموحات وتتسع آفاق التوقعات، تصبح الصدمة أكبر و تأثيرها يكون أعمق إن لم يتحقق شيء منها، تماما كآمال وتوقعات وطموحات الشباب العربي الذي كان يحلم بالتغيير وبالمشاركة في صنع حاضره ومستقبله. كان يعتقد هذا الشباب أن من يقوم بالانقلاب يحكم، ومن يقوم بالثورة على حكمٍ قائم سيشارك حتماً بالحكم البديل. غاب عن هذا الشباب أن الثورات قلّما تنجح بالوصول إلى أنظمة ديموقراطيةٍ مثالية. غاب عنهم أن الفوضى تعمّ عادةً بعد الثورات وتدخل الأيادي الخارجية لتسيطر على اللاعبين الأساسيين وعلى قواعد اللعبة. غاب عنهم أن للحكام المستبدين وجودا في كل مكانٍ وزمان وأنّ الاستبداد يتكوّن أحيانا لدى بعض من كان يرفض الاستبداد والديكتاتورية إلى أن يشعر هذا البعض أنه السبيل الوحيد للحكم والسيطرة. غاب عن الشباب أنّ السحر ينقلب على الساحر أحيانا، لتستخدم آمالهم وطموحاتهم في قراراتٍ خارجية وتوظف للعبةٍ أكبر من أحلامهم كتقسيم منطقة أو إقليم أو شرق أوسط. ربما ينقص الشباب بُعد النظر وربما يعاني من تناقض فكري نتيجة الانفتاح الهائل على الخارج، فيقوم بمقارنةِ أداء الحكومات الغربية بحكوماتنا وينظر إلى حوادث بسيطة تترجِم الديموقراطية التي يعيشها الغرب ويقارنها بالحكم الديكتاتوري الذي نعيش في ظله؛ وينظر إلى حقوق الفرد في الغرب ويقارنه بحقوقه المسلوبة ويتوقف عند اهتمام الحكومات الغربية بشبابها واحتضانهم لها عبر دعمها لمشاريعهم وإشراكهم بالحكم ويقارنه بحكوماتنا التي لا تَبْرَع إلا بإقصاء الشباب وتهميشهم. ربما ينقص شباب العالم العربي الكثير ولكنه معذور. فكيف لا يصاب بالإحباط ونحن نعاني من مشكلة صراع أجيال في الحكم السياسي. الهوة الشاسعة بين جيل الشباب الثائر الطامح لتغيير أنظمة حالت دون تقدم الأوطان لعشرات السنين وبين جيل عجوز يرفض التغيير لأنه يجهل ما يفضي إليه، ويقصي الشباب النابض بالحياة عن الحكم السياسي لأنه يخاف منه. كيف لا يصاب بالإحباط وكيف لا يبتعد عن السياسة و شبابنا المثقف الطموح الذي يحمل شهادات جامعية، لا يجد أمامه فرصة عمل واحدة ولا يجد من يموّل مشروعا ً صغيراً له بينما سياسة الواسطة والمحسوبيات في التوظيف ودعم المشاريع لا تزال تتربع على عروش إمبراطوريات المؤسسات والشركات. كيف لا يصاب بالإحباط وهو يعاني من مشكلة انتماء. لا يعرف إن كانت المعارضة في لبنان أسوأ من الحكومة. يجهل إلى أي فريق سياسي يجب أن ينتمي. هل فريق السلطة الذي يرتكب أخطاء لا تحصى ولا تعدّ في أدائه الحكومي ويطبق أجندة خارجية داخل البلد ويحمي سلاحا خارج عن إطار الدولة، يمثله؟ أم يمثله فريق آخر يقف في صفوف المعارضة ولا يملك رؤية واضحة مدروسة لمعارضته، يلوم الحكومة القائمة على أخطاء وقع فيها مرات عدة عندما كان في الحكم، وكل ما يقوم بفعله الآن هو انتقاد أداء الحكومة و محاربة هذا السلاح ورفضه؟ كيف لا يصاب بالإحباط والشباب في سورية محبط قبل بلوغه الثورة وبعدها. الشباب السوري أصيب بالإحباط عندما كان يطبق نظام الأسد في سورية ولعشرات السنين أسوأ سياسات القمع والديكتاتورية، كسياسة تدمير طموحات وقدرات الشباب عبر تدمير المستوى التعليمي في المدارس والجامعات لقمع قدرتهم على تغيير النظام. وأحبط الشباب السوري بعد الثورة أيضاً عندما وقف أمام آلة القتل يشهد على موت أهله وأصدقائه غير قادر على دعم النظام لشدة إجرامه ولما عانى من استبداده وظلمه في السابق وغير قادر على دعم الثورة السورية لرداءة ما يقوم به الثوار بحق شعبه ولعدم قدرة هؤلاء الثوار على تمثيل الشعب السوري وتلبية طموحات شبابه الذي يتوق إلى تغييرٍ جذري يمكّنه من الانتقال بوطنه وشعبه إلى المكانة اللائقة والمحترمة. نعم، الشباب العربي بدأ يصاب بالإحباط الفكري والنفسي والوجداني؛ الشباب العربي يحتاج إلى بصيص أمل لينبض بالحياة مجدداً، شباب يحتاج إلى دعم بسيط ينمّيه إصراره على رسم مستقبله وبلوغ أحلامه التي لن تتحقق إلا بالتخلي عن سياسة إقصائه و تهميشه.