يرى خبراء الاقتصاد في الصين ووسائل الإعلام الرسمية أن مستقبل النمو الاقتصادي للبلاد يتوقف على إعادة توجيه الاقتصاد نحو الاستهلاك المحلي وتنمية المناطق الداخلية . وذكرت صحيفة "جلوبال تايمز"الحكومية في الصين أمس أن "العامل الرئيس هو قدرة البلاد على تحقيق توقعات الشعب الصيني بشأن زيادة الدخل وتعزيز العدالة والرفاهية الاجتماعية". وذكرت صحيفة "الشعب"اليومية المملوكة للحزب الشيوعي الحاكم أن "التنمية حاجة مطلقة لهذا البلد، ولكنها ليست الأولوية الوحيدة". وأضافت أن الصين تحتاج إلى عقد من "التنمية المستدامة"وإلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية جديدة لتوفير حلول للعدد المتزايد من المشكلات الجديدة . وقد ناقشت عشرات التعليقات في وسائل الإعلام الحكومية بالصين طرق المضي قدماً في طريق النمو الاقتصادي، وذلك على هامش اجتماعات المؤتمر السنوي للحزب الشيوعي الصيني والذي شهد إقرار أكبر تغييرات في القيادة العليا للبلاد منذ عشر سنوات . وذكرت صحيفة "كايشين"الاقتصادية واسعة التأثير في الصين أن الصين وصلت إلى "مرحلة اجتماعية واقتصادية حرجة". وقدمت الصحيفة 18 إصلاحاً مقترحاً تشمل كسر احتكار الشركات الحكومية للعديد من الصناعات الأساسية والسماح للشركات بطرح أسهمها في البورصة من دون موافقة الحكومة وكبح استثمارات الحكومات المحلية وتطوير استقلال القضاء . وفي ظل التوقعات بانخفاض معدل نمو الاقتصاد من 2 .9% العام الماضي إلى 5 .7% العام الحالين في أقل معدل نمو من 13 عاماً، فإن الصين تواجه "فرصاً غير مسبوقة للتنمية إلى جانب مخاطر وتحديات لم تكن معروفة من قبل"بحسب ما ذكره الرئيس الصيني المنتهية ولايته هو جينتاو في خطابه أمام مؤتمر الحزب الشيوعي الأخير . وحذر وزير التجارة الصيني شين ديمينج السبت الماضي من أن آفاق الصادرات الصينية تزداد سوءاً، بعدما ظلت هذه الصادرات قاطرة النمو الصيني خلال العشرين عاماً الأخيرة . ويأتي تراجع هذه الصادرات بسبب الأزمة التي تعصف بالاقتصاد العالمي وزيادة نفقات الشركات الصناعية الصينية وتزايد الإجراءات الحمائية في الأسواق الدولية . وقال شين: "سيظل أفق التجارة قاتماً نسبياً خلال الأشهر القليلة المقبلة وسيكون هناك الكثير من الصعوبات العام المقبل". كان إجمالي التجارة الخارجية للصين سجل معدل نمو 3 .6% خلال الشهور العشرة الأولى من العام الحالي، وهو ما يعني استحالة تحقيق معدل النمو الذي تستهدفه الحكومة للعام ككل وهو 10% . وقال الرئيس المنتهية ولايته هو جينتاو إن الصين مازالت "في المرحلة الابتدائية من الاشتراكية"وأنها تستهدف مضاعفة دخل الفرد خلال عشر سنوات عبر زيادة الطلب المحلي كجزء أساسي من الإصلاحات الهيكلية المقررة . وتحاول الحكومة زيادة الطلب المحلي وتوجيه الشركات الصناعية لتقلل من اعتمادها على التصدير، ولكن الكثير من الخبراء يشعرون بالقلق من تباطؤ هذا التوجه وغموض الاتجاه في الإجراءات الاقتصادية الأخيرة . وكانت الصين قد نجحت بالفعل في تقليل اعتمادها على صادرات الصناعات الأساسية مثل السيارات ومعدات التشييد والهندسة الميكانيكية والبتروكيماويات، وشجعت صناعات التكنولوجيا المتقدمة ومنها تقنيات الحفاظ على الطاقة وتكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية . ومفتاح زيادة الطلب المحلي هو تنمية المناطق الداخلية الأشد فقراً، مدعومة ببرنامج الحزب الشيوعي لتنمية المناطق الريفية وتمدينها . ويقول باحثو الحكومة في الصين إن مستويات الأجور في المناطق الداخلية ذات الكثافة السكانية المرتفعة مثل شينجشو ووهان وشيان وشينجدو أقل بنسبة 70% عن متوسط الأجور في المراكز الصناعية على السواحل الجنوبية للصين . وقال شانج مينج أستاذ العلوم السياسية في بجامعة الشعب في بكين إن نائب الرئيس الصيني شي جينبينج الذي سيتولى الرئاسة خلفا للرئيس جينتاو سيبدأ فترته الرئاسية بإصلاح الشركات المملوكة للدولة . وأضاف: "الاقتصاد يواجه صعوبات حاليا، ولذلك إذا استطعنا فتح القطاعات الخاضعة للاحتكار وتقسيم الشركات الحكومية الكبيرة وخصخصتها، ستبدأ جولة جديدة من النمو الاقتصادي على الفور". كان البنك الدولي دعا إلى الإسراع بوتيرة خصخصة الشركات الحكومية في الصين، ولكن خطاب الرئيس هو جيتناو لم يعط أي إشارة إلى التفكير في هذا الاتجاه . وكان تقرير حكومي صدر الشهر الماضي، وأشار إلى أن الكثير من الشركات الحكومية تقاوم الإصلاح . في الوقت نفسه، لدى معظم الشركات الحكومية الكبيرة قواعد إقليمية قوية ولها علاقات وثيقة مع الحكومات الإقليمية التي تقاوم الإصلاح حتى لا تفقد المزايا التي توفرها هذه الشركات . وبعض هذه الشركات موجود في مناطق فقيرة، وهو ما يعني أن الخسارة في عائداتها من شأنه أن ينسف خطط الحكومة لتضييق الفجوة بين الإقاليم في الثروات . ويقول المحلل السياسي شانج ليفان إن حكومات إقليمية عديدة توقفت عن تلقي أوامر من السلطات المركزية منذ نحو 10 سنوات . (د .ب .أ)