عبدالله عمر باوزير أظن أنني لن أختلف في كثير مع أحد في كون السياسية فن الممكن.. منظورا إليها من زاوية التعاطي مع القضايا وتفاصيلها من عدة زوايا لا زاوية واحدة ، وعندما نقول "فن الممكن" فإن المعنى منصرف إلى أن هناك هدفاً محدداً واضحاً في تصورنا نريد الوصول اليه . وهدفنا في هذه المرحلة هو: مغادرة ما وصلنا إليه أو أوصلتنا إليه ممارساتنا السياسية ذات البعد الأحادي الأيديولوجي – الإسلاموي أو القوموي بل والاشتراكوي – الوطني أو الأممي الذي تسيد الحياة السياسية لأكثر من نصف قرن من الزمن ، رافضاً التعاطي مع موروثاتنا السياسية والاجتماعية من خلال فن الممكن والتعاطي معها من خلال النظر اليها من زوايا مختلفة او متعددة بحيث يتمكن من تحديد الوسائل المناسبة التي تمكننا من تحقيق الهدف او الأهداف الوطنية وفي مقدمتها " الوحدة اليمنية" التي تحققت في ظروف وطنية - انقسامية ، وفي ظل متغيرات دولية ساعدت على قيامها من جهة ولكنها أي الوحدة لم تؤدٍ إلى تغيير يذكر في الذهنية السياسية ذات البعد الواحد والنظرة الأحادية لهذا المنجز الذى تحقق الأمر الذى اعاق بناء الدولة اليمنية القادرة على تجاوز كل موروثات التجزئة والتشطير .. ومما زاد طين الموروثات بلة ، اتجاه قوى اجتماعية إلى تعزيز نفوذها وحماية مصالحها بتبنيها لجماعات وتنظيمات سياسية ذات اتجاهات وشعارات أيديولوجية شمولية ، لا تحاول تغيير الواقع من خلال معرفة تفاصيله والتعامل معه من خلال الممكن مما كثف الموروثات ودفع بها إلى أرضية رخوة ومليئة بالتشققات والتصدعات الأمر الذى حوّل الأزمة من أزمة سياسية إلى أزمة وطنية .. هي اليوم امام المؤتمر الوطني للحوار ، الذى يعوّل عليه الكثير في إحداث التوازن المطلوب، وتحقيق الوفاق الوطني الدائم وبناء الدولة المدنية الحديثة واللامركزية.. بحسب ما جاء في كلمة فخامة الرئيس:عبد ربة منصور هادي ، إلى الاجتماع التشاوري لقيادات وكوادر المؤتمر الشعبي العام في8 نوفمبر الجاري . تلك الكلمة التي تناولت مهمة الحوار الوطني من خلال فن الممكن ممثلاً في المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية التى حددت المهمة الاستراتيجية والمركزية بوضوح لا لبس فيه وهي وضع اليمن على مسار جديد ومختلف يحقق الرضا للجميع ، كما قال فخامته مشددا على ذلك بقوله: وإننا لملتزمون بتحقيق هذا الهدف وسنناضل بعزيمة لا تلين وبصبر دؤوب من أجل تحقيقه. إذاً لم يعد الأمر مجرد لقاءات إعلامية .. والحوار الوطني لن يكون ساحة للمبارزات الكلامية او طاولة للمساومات والترضيات السياسية ، بل لوضع الأسس الدستورية والقانونية للدولة المستقبلية - اللامركزية شكلاً ومضموناً ومحتوى ، كما جاء في كلمة فخامته بل ولإعادة صياغة الدولة - دولة القانون والمواطنة المتساوية والحكم الرشيد.. فما هي هذه الدولة وكيف سيتم الوصول إليها؟! سؤال تكمن إجاباته في تناول القضايا التي حددتها اللجنة الفنية للحوار في (12) عنواناً رئيسياً للحوار اهمها قضية بناء الدولة وإن جاء ترتيبها الخامس بعد القضية الجنوبية وقضية صعدة وغيرها من الأسباب والموروثات التي ألقت بها صراعات الماضي التشطيرى بما في ذلك القضية الجنوبية من حيث جذورها ومحتواها وهي بكل تأكيد مختلفة عن قضية صعدة في بعدها الاجتماعي والطائفي وجميعها في تقديري تسبب فيها فشل اليمنيين في بناء الدولة قبل الوحدة وبعدها لعدم التعاطي مع القضايا على قاعدة "فن الممكن" بقدر تبنيهم لمقولة حرق المراحل وتوظيف نتائجها بما يخدم الأهداف أكانت حزبية سياسية أو عشائرية اجتماعية . من هنا فإن الدولة القادمة .. يجب أن تبنى على أسس مختلفة الشروط والمواصفات كفيلة بتجاوز كل ما ألقت به الأزمة الأخيرة من تصدعات طالت ركائزها ومؤسساتها الأساسية كالحكومة والقوات المسلحة والقوى الأمنية وغيرها من المؤسسات الرسمية فضلاً عن مكونات المنتظم السياسي – الحزبية التي فقدت بعدها الوطني واسهمت في تشظي تلك المؤسسات أو استخدامها لتحقيق رغباتها الحزبية أو المناطقية الجغرافية والاجتماعية لتعود بناء الي هويات ثانوية طائفية وتشطيرية الأمر الذي يتطلب حلولاً جذرية لا تسويات سياسية . لا نقول ذلك من فراغ ولا لمجرد التأييد لكلمة الرئيس عبد ربه منصور ..فحسب وإنما لتلافي الكثير مما قد يمكن تلك القوي من اعاقة الحوار الوطني من خلال استثمار تفرعات القضايا الرئيسية علي قائمة الموضوعات الإثنى عشر للحوار الوطني.. وجميعها ثانوية اذا ما اخذنا قضية مشروع بناء الدولة اليمنية القادمة علي اسس لا مركزية ، الامر الذي رحب به اللقاء التشاوري لفروع المؤتمر الشعبي العام في محافظتي حضرموت والمهرة وضمّنه بيانه بوضوح مطالبا بتحديد اقاليم الدولة على أسس جغرافية واجتماعية واقتصادية . هذا المطلب لم تملية لحظة عاطفية ولا نتيجة ضغوط سياسية من أي نوع .. بقدر كونه إدراك حقيقي لأهمية الوحدة اليمنية الإستراتيجية والاقتصادية لحضرموت والمهرة ولأمن واستقرار اليمن ومحيطه الإقليمي- الجزيرة العربية والقرن الافريقي. لذا ونحن نتوجه الى الحوار الوطني .. علينا ان ندرك بواقعية اننا لا نذهب لتسوية ازمة سياسية وانما لوضع حلول لازمة وطنية خطيرة وتجاوزها يتطلب اعادة بناء الدولة اليمنية على أسس فدرالية لدولة مركبة ومن عدة اقاليم لها حكوماتها ومؤسساتها المحلية ووحداتها الإدارية وهذا يتطلب إعادة النظر في مجمل الأسس الدستورية والقانونية والسياسية ، والتخلص من الكثير من المطامح والمطامع الحزبية والجهوية الاجتماعية والسياسية التي شكلت عقليتنا السياسية على مدى أكثر من نصف قرن ..حصادها سحب الماضي بما فيه شخوص صناع احداثه وصراعاته التى علينا مواجهتها وبحثها في الحوار الوطني لبناء الدولة اليمنية القادمة من خلال الممكن ..لا المستحيل! * كاتب سياسي عضو المجلس المحلي لمحافظة حضرموت