أسلوب الانتقائية في قضايا الحوار يدعم بقاء الأزمات مشكلة المؤتمر في حضرموت هم الموظفون الحضارم في صنعاء لا طرف في الحراك يحق له تمثيل حضرموت، وعليهم مغادرة (عنفطي والا خشعتك) يحذر الأستاذ عبدالله عمر باوزير من خطورة الذهاب إلى الحوار الوطني لإنجاز مهمة التسويات السياسية، وليس للحلول.. وينبه إلى فداحة "الانتقائية" الملحوظة في التعامل مع قضايا الحوار بصورة تشير إلى كونها "مراضاة أطراف سياسية أو اجتماعية" عوضاً عن السير من الحوار إلى بناء الدولة القابلة للاستمرار لا الحاملة للتشطير.. إلى تفاصيل حديثه ل"المنتصف": حوار: صلاح العجيلي - كيف تقرؤون المشهد السياسي اليمني في إطار التسوية السياسية والتحضيرات لعقد مؤتمر الحوار الوطني؟ ** نحن أمام مشهد غاية في الصعوبة، هناك من لا يرغبون في بناء الدولة ولا الحكم الرشيد !! تختلف أدوارهم ومواقعهم لكن أهدافهم واحدة في إعاقة التغيير أو التجديد مستندين على موروث سياسي واجتماعي يجيد حوار المساومات والتسويات ولكنه يعيق الحلول حتى تظل الأزمات قنابل موقوتة لتفجيرها في حالة عدم التوصل إلى تسوية تبقي على الأزمات وتحقق توسيع دائرة نفوذهم ومكاسبهم.. ما نشهده اليوم.. لم يعد أزمة سياسية بل أزمة وطنية.. وهذا واضح في المشهد السياسي بسبب قبول المؤتمر الشعبي، الحزب الحاكم، لشروط المعارضة للحوار الوطني وتأجيل الانتخابات النيابية ومن ثم المحلية بالإضافة إلى توقف السير في مشروع الحكم المحلي إلى ما بعد الحوار الوطني الذي تم الاتفاق عليه عام 2010 وصولا إلى التدهور الأمني وتسييس التقطعات وعمليات التخريب وتحويلها إلى مطالب حقوقية لتأتي ثورة الشباب وتنزع تأمين مرجل الأزمات المتفاعلة التي انفجرت في وجه الجميع بمن فيهم الذين بادروا إلى تبنيها مما أدى إلى تصدع القوات المسلحة والمؤسسات الأمنية وغيرها وصولا إلى استهداف حياة رئيس الجمهورية، الأمر الذي افقد الدولة هيبتها وساعد على انهيار المجتمع وتمزيق نسيجه الوطني وتشظيه إلى هويات مناطقية وطائفية اجتماعية عشائرية ودينية.. فالاعتداء على رئيس الجمهورية ليس اعتداءً على شخص.. بل على مؤسسة سيادية وبالتالي هو اعتداء على الدولة بكل ما تمثله من قيم جامعة. المشهد اليوم ليس مجرد عواصف محملة بالأتربة والغبار.. قد تصيب بأزمات صدرية أو زكام، ولكنه محمل بما هو اخطر وعلينا ان ندرك ذلك ونحن ذاهبون إلى الحوار الوطني لا لتسوية بل للحلول وأمامنا فرصة تاريخية لمساعدتنا تتمثل في القلق الإقليمي والاهتمام الدولي.. وإذا لم نستغل ذلك فحتما سيتغير المشهد وأظن المتابع لتصريحات الرئيس عبدربه منصور الإعلامية وما تتضمنه خطاباته سيدرك خطورة الذهاب إلى الحوار للتسويات لا الحلول. - استعرضت محطات ومواقف شكلت المشهد اليمني ولكنك لم تقل رأيك في التحضيرات للحوار الوطن والذي هو جزء من سؤالي؟ ** ما فائدة ما سأقوله ونحن على أبواب المؤتمر الوطني للحوار، وقد أعلنت اللجنة موضوعات الحوار وعناصره الفرعية واضعة القضية الجنوبية: جذورها، محتواها، سبل معالجتها وضمان عدم تكرارها في المقام الأول، يليها قضية صعدة وبنفس التفرعات، ثم قضايا النازحين وسبل معالجتها واسترداد الأموال والأراضي المنهوبة بسبب إساءة استخدام السلطة ومكافحة الإرهاب، وأطلقت عليها: قضايا ذات بعد وطني، لتأتي ورقة المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وتفرعاتها وعلى رأسها الصراعات السياسية السابقة وانتهاكات الحقوق المرتبطة بها، فقضايا وحقوق المخفيين المرتبطة به، ثم انتهاكات حقوق الإنسان التي حصلت في 2011. أما بناء الدولة فقد أخذ الترتيب الخامس.. الدولة التي علينا أولا أن نتفق عليها من حيث شكلها ونظام الحكم وكذلك النظام السياسي، ديمقراطي رئاسي أم برلماني، كما يطالب به البعض!! ودون شك النظام الانتخابي والذي هو احد أسباب الأزمة السياسية التي غدت اليوم وطنية واحد مظاهرها الدور السياسي للجنة التحضيرية للحوار المطالبة بمناقشة جذور القضية الجنوبية في وقت المطلوب فيه بحث جذور الأزمة اليمنية برمتها وجذورها ليست محددة في صعدة بل تمتد إلى مختلف المحافظات.. فهذه الانتقائية هي لمراضاة أطراف سياسية أو اجتماعية يمكن أن تبقي على الجذور الممولة للازمات ولا تنتزعها وقد ترسخ الشطرية من خلال مناصفة التمثيل الذي أعلن ولم تعلن كيفيته !! علينا اليوم ان نسير في طريق الحوار لتحقيق هدف اكبر وهو بناء الدولة القابلة للاستمرار لا الحاملة للتشطير، تقل لي كيف أقول لك بالاعتراف بالخصوصيات الاجتماعية والجغرافية التاريخية للدولة اليمنية . *مضى عام على توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.. ما تقييمكم لمسار التسوية بعد عام ؟ ** المبادرة، في حد ذاتها، آليات أو برنامج عمل لإخراج اليمن من أزمة سياسية.. ولكنها صالحة لأن تكون لمغادرته أزماته بكل موروثاتها، وما قطعناه حتى الآن جيد لو أخذنا ما دفعت به الأزمة من معوقات ومنزلقات على طريق تنفيذ المرحلة الأولى من المبادرة.. في ظل حكومة وفاق سياسي ويعد الفضل في ذلك بعد الله إلى حكمة وصبر وقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي . لا أقول ذلك مجاملة فقد تحمل المسئولية في لحظة تاريخية فارقة واستطاع أن يحافظ على تماسك الدولة رغم ما بدا عليها من مظاهر الانهيار المؤسسي وبالذات في مؤسساتها الاستراتيجية عقب إصابة رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح ورئيس الحكومة د. علي مجور وعدد كبير من رجال الدولة والحكومة وأدار دفة الحكم رغم تلك التصدعات مفوتا على من كانوا خلف تلك العملية ما أرادوا منها وباشر تنفيذ الفصل الأول منها بتكليفه محمد سالم باسندوة تشكيل حكومة الوفاق وإجراء الانتخابات الرئاسية في 21فبراير 2012 وحسب الدستور الساري وبتفويض شعبي تابع مهامه السيادية .. لتتحول المبادرة من تسوية سياسية إلى حل لأزمات اليمن المركبة .. ونحن اليوم أمام الفصل الثاني أو المرحلة الثانية أجد في خطابه الواضح ما يؤكد عزمه على مغادرة يمن الأزمات إلى يمن الاستقرار، وهذا لن يتم إلا في إجراء حوار وطني شامل وحقيقي نفرز خلاله موروثاتنا المولدة للصراعات ونحللها ونبحث فيه واقعنا بصدق ومسؤولية ونحدد كل ما أفرزته أو كشفته الأزمة من تشوهات مناطقية وعشائرية أولاً وقبل أن نحدد ما نريد حتى لا نترك لأي جذر من جذور الأزمات فرصة لينمو ويتجدد وفي مقدمة ذلك التسويات .. يجب ان لا نذهب للحوار للتسويات السياسية بل للحلول وأظن في كلمة فخامة الرئيس في حضور اميني الأممالمتحدة ومجلس التعاون لدول الخليج العربي ما يشجعنا على ذلك ويؤكد ثقتنا في قيادة رئيس الجمهورية لبلوغ الهدف النهائي في بناء الدولة اليمنية القادمة . - ما تقييمكم للقاءات التشاورية للمؤتمر الشعبي العام التي عقدت مؤخرا في المكلاوعدن ؟ ** جاءت هذه اللقاءات لمناقشة الموضوعات المقترحة للحوار وعناصرها الفرعية للجنة الفنية للحوار وهنا في المكلا وبعد أن ألقى الأخ سلطان البركاني كلمة الرئيس عبدربه منصور، أمين عام المؤتمر الشعبي العام ، التوجيهية تركز النقاش على محاور الكلمة التوجيهية وشكل الدولة المطلوبة –اللامركزية - وأفضى إلى الدولة المركبة أي الفيدرالية من عدة أقاليم على أسس ومقومات كل إقليم، الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية، وتركت التفاصيل لرؤية فروع المؤتمر في حضرموت والمهرة وفي تقديرنا نحن ان حضرموت ليست مع الدعوات التقزيمية أو الجهوية ومجتمعها اكبر بكثير مما هو طافٍ على السطح وأهلها يدركون مصالحها وان غابت عن بعض أبنائها ربما تحت تأثير الشعارات العاطفية المستغلة لبعض الممارسات في مؤسسات الدولة . على أية حال كان اللقاء مفيداً ومنعشاً لنا سياسيا وناجحا وان جاء متأخرا، والمهم ان يكون له ما بعده وان تدرك القيادة ان المؤتمر في حضرموت يستطيع الاضطلاع بدوره بشرط ان لا يأخذ الدور الموظفون من الحضارم في صنعاء وهذا هو المهم.. مع احترامنا لهم!! - كيف سيكون المشهد السياسي إذا اقتصر تمثيل القيادات الجنوبية على جماعة الحراك فقط ؟! ** سيكون قاصرا بكل تأكيد .. وأنا هنا لا أنكر وجود الحراك على اختلاف فصائله وشعاراته في حضرموت وان كنت أنكر ادعاء أي منهم تمثيل حضرموت أو الجنوب، أكانوا بزعامة حسن احمد باعوم أم جماعة بيروت أو جماعة القاهرة وان كنت أتمنى مشاركتهم في الحوار الوطني خصوصا وان تلك الزعامات خرجت من عباءة القوميين العرب حتى لا يكونوا مرتدين قطريين.. ومنهم من كان يرفع تصحيح مسار الوحدة فكيف ونحن بصدد بنائها والحفاظ عليها وعلى أسس تحفظ للجميع حقوقهم الوطنية لا السلطوية. * وفي حال رفض الحراك المشاركة في مؤتمر الحوار هل سيتعثر مؤتمر الحوار ؟! ومن يدفع بأطراف في الحراك للمقاطعة ؟ ** لا.. ولكن العقل هو العضو الذي منحه الله القدرة على التفكير والتخيل.. والعقل الذي يظل حبيس الجمجمة ولا يستطيع ان يفكر في كل ما حوله لا يستطيع ان يقدم لك شيئا على الإطلاق وبالتالي عليك ان لا تخشاه بل قد يكون الحوار معه مضيعة للوقت، لا اعتقد ان مؤتمر الحوار سيتعثر بسبب رفض مشاركة الحراك الجلوس على طاولة الحوار ولكن أيضا هناك بعض أطراف وتكوينات ضمن الحراك أبدت استعدادها والأيام القادمة ستبين ذلك. الأخوة في الحراك، وبعد كل تجاربهم اظنهم غادروا العقل ذا البعد الواحد وبالتالي هم يدركون حجم المتغيرات المحيطة بهم وعلى جميع الأصعدة الوطنية والاقليمية والدولية وعليهم بالتالي مغادرة (عنفطي والا خشعتك!!) كما يقول المثل الحضرمي، نحن في بلاد ليس فيها أثنيات عرقية وان كان لدينا موروثات تجزئة وتشطير اجتماعي شكلت خصوصيات اجتماعية فهذه يمكن أخذها في إطار إعادة صياغة الدولة لا الهوية الوطنية والقومية، لذا نقول لهم: عليكم مغادرة الأحادية العقلية والسياسية ذات البعد الواحد حتى لا تنكمشوا أو تجدوا أنفسكم في عزلة عن العالم. أما من يقف خلفهم.. بكل تأكيد العمل الخارجي موجود لأسباب كثيرة، فاليمن يشكل حجر الزاوية في أمن الجزيرة العربية وتأمين المصالح الدولية وهذا يفشل تنفيذ مخططات لقوى إقليمية وأخرى دولية لا تجد في أمن واستقرار المنطقة ما يخدم مصالحها بل ومطامحها الجميع يدرك ان ما تعرض له اليمن وعبر التاريخ هو بسبب موقعه الجيواستراتيجي في هذه المنطقة من العالم المتناطحة مصالحه فيها. - من يعيق تنفيذ المبادرة الخليجية؟ ** القوى التي استمرأت الاستئثار بالنفوذ في السلطة من داخلها ومن خارجها أكانت اجتماعية أم فئوية لا تحتمل التنوع والمشاركة وهي ذات بعد واحد.. والأزمة الأخيرة كشفت هؤلاء بوضوح.. ودون شك هم سيعملون على وضع العراقيل أمام الحوار الوطني لإفشال المبادرة بل ولاستثمار الأزمة.. وهؤلاء هم صناعها وعملوا على تكثيفها منذ إعلان الرئيس علي عبدالله صالح الانتقال إلى الحكم المحلي عقب الانتخابات الرئاسية والمحلية الثانية ودعوته إلى الحوار لبناء الدولة اليمنية الحديثة، في عدن مطلع 2007، يجب ان نتذكر ذلك ونتذكر الممارسات السياسية لقوى سياسية واجتماعية هي اليوم في حكومة الوفاق .. كما علينا ان نتذكر منذ البدايات الأولى لنشأة الحراك الجنوبي بل وحتى استغلاله في التأزيم السياسي وتوسيع بؤره !! مشكلتنا أننا ننسى كيف صنع الحدث وننشغل به لا كنتيجة بل كمحطة لنجد أنفسنا في المحطة التالية.. وهذا أعاقنا عن التوقف لقراءة تلك الأحداث قراءة سليمة حتى نستبين ما ستؤدي بنا إليه . علينا ان نتوقع الكثير من المعيقات التي سيثيرها هؤلاء بما فيها العنف وتوسيع دائرة الاختلالات الأمنية.. المطالبة بهيكلة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بل الإدارية لأسباب ترسيخ النفوذ لإيجاد الحلول. - الانفلات الأمني.. أهم مظاهره.. مخاطره على مستقبل اليمن؟ ** بدأ الانفلات الأمني على هذا النحو منذ 2007، وأنا هنا لا أتحدث عن عمليات الإرهاب التي تنفذها القاعدة أو تحت غطائها ولكن عندما تحولت قضية مواجهة الخروج على القانون تجارة مربحة للمتقطعين والخاطفين ولبعض القائمين على المؤسسات الأمنية وهناك عقلية استثمار حتى في مواجهة التظاهرات تحت مبررات واهية منها عدم توافر الإمكانات إلى غير ذلك.. الأجهزة الأمنية احد أسباب الانفلات الأمني ودليل ذلك ان المجتمع لم ينحدر إلى استغلال هذا الانفلات ولعبت قيمه وتقاليده دورا في تجنب استغلال الأوضاع التي آلت إليها البلاد في ظل هذه الأزمة . أما المخاطر فهي كثيرة وحلها في عدم مساومة أي جهة تقوم بأي أعمال مخلة بالأمن والعمل على هيكلة المؤسسات الأمنية قبل العسكرية بل تطهيرها، دون ذلك لا دولة ولا مستقبل.. وهذا كله يحتاج إلى أجهزة أمنية احترافية + جهاز قضائي محترم+ إدارة عامة حديثة = دولة، دون ذلك اللبننة وإن قلت اللبلبة كما نرى ونسمع في ليبيا .. وان شاء الله أن لا ننزلق إلى ذلك.. وتجربتنا كافية وعلينا أن نتعظ بما يجري في دول الخريف العربي.. وان نذهب إلى الحوار لنفرز جذور أزماتنا ونناقش مختلف الرؤى والمشاريع بعقول منفتحة مدركة المخاطر والمتغيرات. - هل هناك سؤال لم نسألكم إياه تودون إجابته ؟ ** كثيرة هي الأسئلة ولكنني أقول: جاءت مبادرة الأشقاء في مجلس التعاون تحت ضغط ظروف والاهتمام الدولي تحت ضغط المصالح وجميعها تمنحنا فرصة وتدفع بنا إلى أن نصلح من أنفسنا فهل يكسبنا هذا إرادة التغيير والبناء؟! هذا ما سنعرفه في الحوار الوطني.. وأملي كبير أن نغادر الماضي إلى مستقبل أفضل. * صحيفة المنتصف