نلتمس الأعذار كثيراً لمن يتعرض للظُلم ومرارته.. بل ونتعاطف معه غالباً دون حتى أن نعرف حيثيات وتفاصيل الأمر، أو حتى مدى مصداقية «المظلوم» أو تورط «الظالم» في الظلم نفسه.. ولكننا اعتدنا أن نندفع بعواطفنا الجياشة دون الرجوع لأصل الموضوع.. أو القوانين الضابطة والمُشرعة.. أو حتى «الظالم» نفسه.. خاصة في ظل تأخر عدالة قوانين الأرض.. وأكثر ما يؤلمنا أن نجد أن البعض من الظالمين قد اعتاد بل وامتهن الانتقام من الضعفاء من المظلومين! والأكثر ألماً عندما يمضي الوقت.. وقد تأخرت عدالة البشر والأرض.. فيتحول المظلوم لظالم بدافع رغبة ولذة الانتقام من الظالم.. غافلاً عن عدالة الخالق العظيم الذي يمهل ولا يهمل.. ولو بعد حين.. الانتقام يأتي من الإحساس بالظلم وعدم القدرة على الوصول إلى الحق بالقانون، إما لأن القانون ليس في صف المنتقم، أو لأن القانون أو العدالة بطيئة، أو لأن القانون لا يشفي غليل المنتقم الذي يريد أن ينزل بعدوه أقسى أنواع الألم! وإذا اصطبغت النفسُ بحبِّ الانتقام وأدمنته.. فإن الغِلظةَ والجَبَروت والبطش هي العلاماتُ البارِزةُ التي تحكُمُ شخصيةَ «المنتقم» الذي سيُشارُ إليه بالبَنَان على أنه رمزُ النَّذَالة والوحشيَّة.. لأن المعروفَ عن الانتقام أنه إنزال العقوبة مصحوبةً بكراهية تصِل إلى حد البُغض والحقد الذي يُفرزُه «جنون العظمة» و»إدمان الانتقام».. كما قال فرعون: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى} (غافر: 29).. ولذا فإن الانتقام إنما هو علامةُ ضعفٍ لا قوةٍ.. والضعفُ هنا يكمُن في أن الغِلظةَ والتشفّي يسيطران على قلبِ المُنتقِم «المريض» أسير الشرِّ والحُمق والهوى لتحقيق نزوته ورغبته في الانتقام فقط.. فيموت ضميره.. بعد انعدام أخلاقه.. ويصبح دينه مجرد «مظاهر سلوكية» للتسويق والمتاجرة فيها وقت الحاجة.. وربما للتكفير فيها عن عظم وقبح فعله! فكم سمعنا وقرأنا عن انتقام «خدم المنازل» من سوء المعاملة لهم، وأكثر الضحايا زهور بريئة دفعت ثمن غيرها! وكم سمعنا وقرأنا عن انتقام أزواج من زوجات والعكس.. وتعدت لفضائح إن صح التعبير.. وكأن الله يريد بهم مثلاً! وكم تألمنا من انتقام الحسد والغيرة والبُغض في نفوس البعض فتحول لمؤامرات كيدية و»سحور وطبوب» تعجز عنه قوانين البشر! فلا عجب أن يتهم شاعر مغمور ذلك المشهور بسرقة قصيدته وبعض أفكاره فقط.. للتسلق على «شهرته».. ولا عجب أن تواصل تلك المُعلمة المفصولة سلسلة مؤامراتها الكيدية «بفزعة أصحاب الذمة والضمير أمثالها» ليس إلا فقط أنها اعتادت الانتقام من كل من يقف في طريق جنون عظمتها! ولا عجب ولا غرابة في الكثير من قصص وحكايات «مُتبلدي الضمائر والقيم» من مُدمني الانتقام! آخر الكلام.. لكل من أدمن الانتقام.. لا تنس أن تحفر قبراً لضميرك الميت والمُتعفن.. لدفنه مع لذة انتقامك!