مواضيع ذات صلة يسرا ناصر مهنا قد لا يحظى شيء باهتمام الناس وشغفهم مثلما يحظى السفر وان اختلفت أهدافهم منه باختلاف مشاربهم وطبائعهم. فالسفر كان ومايزال وسيلة البعض من الناس للاحساس بالحرية والانطلاق والمتعة وكسر قيود الحياة اليومية التى تكبّلهم بأعبائها، وتشدّهم بمشاغلها. ونفس الاحساس بالسعادة والمغامرة وتغيير المألوف هو ما يدفع العربى منذ القدم ممتطياً بعيره لاقتحام مجاهل الصحراء متحدياً العواصف الرملية وأشعة الشمس المحرقة وقلة الزاد والماء، ولا أنيس له الا مناجاته لجمله أو لرفيق سفره أو اطلاق ما يعتمل فى مكنونات نفسه شعراً يعبّر فيه عن لوعته من فراق الأهل والأحبة حتى قيل ان ثلثى الشعر العربى القديم على ظهور الابل كما تقول المصادر الشعرية. واذا كانت البداوة تعنى فى جوهرها التنقل والترحال بحثاً عن موطن مؤقت أكثر كلأً وماءً أو هرباً من بطش قبيلة قوية تقطن فى الجوار، فان التجارة كانت مصدر الدخل الرئيسى للبدو وغيرهم من قدماء العرب،الذين دفعتهم حاجتهم هذه لطلب الرزق منذ قديم الزمان للتوغل بعيداً نحو المدن والقرى المترامية على حدود الصحراء أو باتجاه المناطق البعيدة عنهم نحو مراكز التمدن والحضارة فى بلاد الشام ووادى الرافدين واليمن حاملين معهم ما ينتجونه أو ما تجود به بيئتهم الشحيحة، وفى المقابل يحضرون معهم من المدن ما يحتاجون له من مواد غذائية ومصنوعات يدوية. فالتجارة التى مارسها البدو والحضر من عرب شبه الجزيرة العربية التى كانت لبعض القبائل العربية مثل قريش صولات وجولات فيها حتى عدّت مصدر ثرائهم وسر تميزهم بين قبائل العرب ووسيلة رزقهم الرئيسية، التى شكلّت نشاطاً موسمياً سنوياً، حيث يرتحلون صيفاً الى بلاد الشام وشتاءً نحو اليمن والبلاد الواقعة على المحيط الهندي، وقد ذكر القرآن الكريم هذه الرحلات المهمة فى سورة قريش. وتنطلق القوافل عادةً فى بداية الخريف لتنهى رحلتها قبل الشتاء تجنباً لبرد الشتاء القارس وحر الصيف الحارق. حيث يستعد الرجال المرتحلون فى القوافل للرحلة استعداداً جيداً قبل الرحلة بفترة معينة، ويتولى رئيس أو مشرف القافلة مسؤولية الاشراف على كافة الاستعدادات وتأمين متطلبات وسلامة الرجال المنضمين للقافلة وحماية ما تحمله من بضائع من قطاع الطرق المنتشرين على طرق القوافل وذلك بحمل البواريد والسيوف، حيث غالباً ما يكون الرجال المرتحلون من القافلة من ذوى النشاط والهمة والمعرفة بفنون الحرب والقتال للدفاع عن أنفسهم وعن أمتعتهم. فتسير القافلة نحو بغيتها مدفوعةً بعزيمة رجالها وبصبرهم وتحملهم المشاق والأهوال، وحبهم للسفر والمغامرة وكرههم لحياة السكينة والخمول، وحفزت هذه الرحلات والأسفار البعض من الموهوبين لتدوين رحلاته ومغامراته ليخرج من خلالها جنس جديد من الأدب هو أدب الرحلات الذى تذكر المصادر الأدبية ان العرب هم أول من ابتكروه وتركوا به تراثاً ثرياً ومنه استمد أدباء الرحلات فى العصر الحديث أفكارهم وقصصهم. فاذا كان الفينيقيون والأغريق فى الماضى هم سادة البحر فان العرب هم سادة الرحلات البرية من غير منازع