خلال الشهرين الماضيين، استعر الجدال بين الساسة في واشنطن حول المسؤول عن الهجوم ضد المجمع الديبلوماسي الأميركي في بنغازي – ليبيا، الذي أدى إلى مقتل السفير كريستوفير ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين. لميس فرحات: خلال جلسات الاستماع التي عقدها الكونغرس، تحوّل التحقيق إلى فوضى سياسية، تبادل خلالها الفريقان الديمقراطي والجمهوري الاتهامات بالتقصير والنفاق، من دون التوصل إلى استنتاجات تذكر. وفيما تشتد حدة النقاشات ليومي الخميس والجمعة خلال جلسة استماع مغلقة للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، يستعر جدال آخر في بنغازي نفسها، حيث يتساءل العديد من الليبيين عن فشل السلطات في اعتقال مشتبه فيه واحد، أو إجراء تحقيق جدي يكشف ملابسات الهجوم. "السلطات الليبية لا تقوم بأي تحقيق جدي حول المسألة" يقول رامي العبيدي، رئيس جهاز المخابرات السابق للمجلس الوطني الانتقالي للثوار الليبيين، مشيراً إلى أن "السلطات الليبية غير مستعدة لإجراء تحقيق سليم في الهجوم الإرهابي، خوفاً من أن يعرّضها ذلك لانتقام الميليشيات المتطرفة". وصف بعض الليبيين التحقيق في هجوم 11 أيلول/ سبتمبر الماضي بالعشوائي وغير الكفؤ، معتبرين أن المسؤولين يخشون التعمّق في البحث، خشية أن يؤدي إلى تبادل الاتهامات غير المرغوب فيها، ويسبب في المزيد من الفوضى والتوتر في البلاد. على الرغم من ذلك، يعتقد العبيدي أن الهجوم كان متطوراً، ومخططاً بشكل مسبق، معتبراً أن السفير ستيفنز كان هدفاً بحد ذاته، على الرغم من الاعتقاد الواسع بأن "سوء الحظ" أدى إلى وجوده في القنصلية أثناء الهجوم، وأن مقتله كان حادثة أو صدفة. ويقول العبيدي إن الجماعات المتشددة المسلحة كانت تراقب القنصلية، وتعرف مكان وجود ستيفنز وتحركاته. الجزء من المشكلة في تحقيق بنغازي، هو الاضطراب العام في مرحلة ما بعد الحرب في ليبيا، التي لا تزال تصارع للخروج من 42 عاماً من الديكتاتورية. البلاد بالكاد لديها حكومة وظيفية، وقوات الأمن التابعة لها تضم خليط من الميليشيات المسلحة، تصارع بعضها البعض للتنافس على السلطة. لكن إلى جانب انعدام الكفاءة الممكنة لبعض المسؤولين، يعتقد العبيدي أن بعض عناصر هياكل إنفاذ القانون في ليبيا هم أنفسهم شاركوا في الهجوم، من خلال المساس بتفاصيل التحقيق. وقال: "التحقيق غير جدي بسبب الاشتباه في تورط بعض أعضاء إنفاذ القانون والأجهزة الأمنية في بنغازي، الذين ينتمون أو يتعاطفون مع الحركات المتطرفة". إلى جانب هذه الأسباب، هناك مسألة نظام العدالة في ليبيا، التي لا تزال وليدة وغير متجذرة في البلاد، فيوم الأربعاء، قالت قاضي بنغازي، نعيمة جبريل، إن الفقهاء في المدينة قد أجمعوا بعد وقت قصير من الهجوم على تعيين قاض للإشراف على التحقيق. لكن ذلك القاضي استقال بسرعة بعد زيارة واحدة إلى القنصلية "لأن المبنى مخرب، ومن المستحيل إجراء تحقيق جيد، لأنه تم تدمير كل شيء". وأضافت: "بعد ذلك، اخترنا شخص آخر من طرابلس، لأنه يتحدث الإنكليزية بطلاقة، لكن من المرجّح أن يرفض هو الآخر. وحتى لو أجرينا التحقيق، فبعد أسابيع من التأخر، ستكون الكثير من الأدلة قد اختفت، وهذا سيلحق ضرراً بالغاً بالتحقيق". جلسات الاستماع: هل يفيد النقد السياسي اللاذع في تحسين الوضع الأمني؟ الغرض الرئيس لجلسات استماع الكونغرس في حول هجوم بنغازي الإرهابي هو التوصل إلى كيفية تحسين أمن الدبلوماسيين في الولاياتالمتحدة. لكن ذلك لا يعني أنه لن يكون بالإمكان تسجيل نقاط سياسية ضد الفريق الآخر. زعماء الكونغرس على جانبي الممر (الحزبين الديمقراطي والجمهوري) يقولون إنهم يريدون كشف الحقيقة خلف هجمات 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية في بنغازي، بحيث يمكن تعلم الدروس وتحسين الأداء بشأن التخفيف من المخاطر التي تنطوي عليها البعثات الديبلوماسية في أماكن خطرة. لكن يبدو أن الجو السياسي المشحون المحيط بالتحقيقات لا يسهّل مهمة كشف الحقيقة، بل ويقف عائقاً أمام جلسات الاستماع التي تتحول إلى تبادل اتهامات بالتقصير بين السياسيين. عقدت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب يوم الخميس جلسة استماع في محاولة لفهم ما حدث في بنغازي من أجل تفادي مآس مماثلة في المستقبل. لكن الجلسة، وهي واحدة من اجتماعات عدة للكونغرس، التي ستعقد بشكل علني هذا الأسبوع حول مسألة بنغازي، تميزت بالهجمات السياسية والاتهامات المضادة التي سادت النقاش قبل الانتخابات الرئاسية. يتهم الجمهوريون الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ب "الكذب" على الشعب الأميركي حول ما حدث في بنغازي، في حين يرد الديمقراطيون باتهام زملائهم الجمهوريين ب"النفاق" على خلفية اتهام وزارة الخارجية بالتقصير في الأحكام الأمنية بعدما رفضوا طلبات الإدارة حول ميزانية الأمن. ومن النقرر أن تدلي كلينتون بشهادتها أمام الكونغرس، بعدما أعلنت إيليانا روس ليتينن رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب أن "وزيرة الخارجية تعهدت الإدلاء بشهادتها أمام لجنتنا ولجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ في شأن التقرير حول التحقيق الذي أجرته الخارجية الأميركية، والذي يفترض الانتهاء من إعداده بحلول مطلع أو أواسط كانون الأول/ديسمبر. ويقترح الخبراء الديبلوماسيون والأمن، الذين مثلوا أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، أن وزارة الخارجية يمكنها القيام بعمل أفضل للحدّ من المخاطر التي تواجه الدبلوماسيين، لكنهم أكدوا أيضاً أن الخطر هو جزء مفهوم في الوظائف الديبلوماسية في القرن الواحد والعشرين في الأماكن الأكثر خطورة واضطراباً. وقال ريان كروكر، السفير الأميركي السابق في أفغانستان والعراق خلال الحرب في تلك البلدان، إنه يشعر بالقلق من أن الولاياتالمتحدة سوف تتعلم "دروساً خاطئة" من مأساة بنغازي، مشيراً إلى أن زميله السفير ستيفنز عرف المخاطر التي تحدق به في دولة مثل ليبيا.