| إعداد علاء الفروخ | يجب الاعتراف بنجاح «فيسبوك» في وقت واجهت فيه معظم شركات التكنولوجيا تحولا جوهريا في بنية التكنولوجيا، التي يتم حصدها مثل قمح الخريف. فبعد اتقان تطبيق تكنولوجيا موجودة، فإن الشركات لا تستطيع التكيف مع التغيرات الأساسية في عملية التنمية، وتجربة العملاء ونموذج الأعمال الذي يأتي مع اتباع نهج جديد. ولعل الانتقال من شبكة الإنترنت إلى الهاتف المحمول هو أفضل مثال على هذا التحول. فعدد الأشخاص الذين يزورون «فيسبوك» عبر جهاز حاسوب شخصي في انخفاض مستمر، ما يعد حالة من انعكاس القلق في شركة ساهمت بشكل كبير في صياغة وتشكيل عالم التفاعل عبر الإنترنت. وكانت الاستجابة سريعة، وإلى حد ما، فعالة. ف «فيسبوك» لم تكن تمتلك منتجا إعلانيا خلويا إلا منذ أكثر نحو عام بقليل. بيد أنه وحتى الربع الأخير من العام 2012، فقد جلبت بالفعل 23 في المئة من إيرادات الإعلانات. وبعد استحواذ «فيسبوك» بمليار دولار على «Instagram»، وهو تطبيق مشاركة صور يشهد نموا سريعا ولكنه ولّد «صفرا» من الإيرادات، كان أيضا نوعا من المناورة التي أثبتت أن «فيسبوك» على استعداد للتغيير مع الزمن. وكمؤشر على مدى حدة التلة التي لا تزال «فيسبوك» بحاجة الى تسلقها، جاء يوم أمس الخميس مع كشف النقاب عن الهاتف النقال المصمم لتشغيل شبكتها الاجتماعية. وبعد عدة بدايات خاطئة وشائعات لا نهاية لها حول «هاتف فيسبوك»، شيء ما يقترب من الجهاز الأسطوري رأى النور أخيرا. فمن المحتمل أن يكون مخيبا للآمال، إذا كانت التقارير الأولية حوله دقيقة، إذ أنتجته شركة «HTC»، ويعمل بنسخة من نظام تشغيل «غوغل أندرويد» التي تم تعديلها لإظهار خدمة «فيسبوك» كشاشة رئيسية، تمنح المستخدمين إمكانية الوصول الفوري إلى صفحاتهم من دون الحاجة إلى فتح تطبيق «فيسبوك»، أو نشر الصور التي يلتقطها المستخدمون تلقائيا على صفحات «فيسبوك» الخاصة بهم، بما يتناسب مع المهووسين بالشبكة. ولكن يبدو من الصعب جدا أن ينافس هاتف «فيسبوك» أجهزة رائجة مثل «آيفون 5» أو «سامسونغ غالاكسي S4» الجديد. بيد أن «فيسبوك» لا تمتلك خيارا سوى «زرع علمها» في الهواتف النقالة. ولكن يأتي التحذير الصارخ، بالأسود والأبيض، في الإيداعات التنظيمية الخاصة ب «فيسبوك»: «ليس هناك ما يضمن أن تواصل الأجهزة النقالة الشهيرة تقديم خدمة فيسبوك». وهذا ما يبدو من غير المحتمل بالنسبة لشبكة تمتلك مليار مستخدم. ولكن كما أثبتت «Instagram»، أنها تجربة مثلى معدة خصيصا للهاتف المتنقل وقادرة على جذب مستخدمين بعيدا عن الخدمات الأخرى بسرعة ملحوظة. وتمتلك قوى أخرى أيضا تأثيرا قويا على نوعية الخدمات التي تجذب معظم المستخدمين، كالنظام البيئي المحمول الجديد، ومصنعي الهواتف وشركات المحمول ومديري مخازن التطبيقات الذين يفرضون سيطرتهم، لتحديد التطبيقات التي يتم إعطاؤها الأهمية. التكامل العمودي الواسع من هذا النوع الذي أتقنته شركة «أبل» هو إحدى الإجابات على ذلك- عندما وجد «غوغل» أن تطبيق خرائطه خارج نظام «اي او اس» العام الماضي. وبالنسبة للآخرين، فإن من المرجح أن يحدد تحالفا إعلانيا خاصا الحزمة النهائية المقدمة للمستخدمين: مصنعي الهواتف ومشغلي المحمول، ومنصات البرمجيات ومطوري التطبيق جميعم يتنافسون على النفوذ. في هذه الشراكات، فإن كيفية تقاسم التكاليف والإيرادات تصبح مسألة قدرة نسبية على المساومة. حتى «فيسبوك» يعتمد على النعم الجيدة للآخرين. وقد أظهرت بالفعل بعض القدرة على التكيف. كتوقيع اتفاقيات تسويق مشتركة مع مشغلي شبكات الهاتف النقال في بعض البلدان النامية، والتي على سبيل المثال، استخدمت كوسيلة لتشجيع مستخدمين جدد لشراء خدمات الإنترنت عبر الهاتف النقال. فإذا تمكنت «فيسبوك» من دفع مبيعات خطط البيانات على الهاتف المتنقل، هل يمكنها أن تقود أيضا مبيعات الأجهزة؟ فنجاح هاتف «HTC» قد يقطع شوطا طويلا لتعزيز حجتها لتحديد موقعها الرئيسي داخل الأجهزة النقالة الأخرى. إلا أن ذلك يترك الكثير يركب على لفة واحدة من الزهر. وعلى سبيل المقارنة، كان «غوغل» مشاركا في هذه اللعبة لوقت أطول، وخاض رهانات أكثر على الطاولة، وبصورة رئيسية مع منصة برمجيات «أندرويد». وكان الاستحواذ على «موتورولا» مزيدا من التحوط، وفتح الطريق إلى مستوى أعمق من التكامل أكثر من أي شركة، باستثناء «أبل». على النقيض من ذلك، فقد راكمت «فيسبوك» البدايات الخاطئة في الهاتف النقال. وأضاعت وقتا ثمينا، وفشلت، في محاولة الالتفاف على مخازن التطبيقات، التي لعبت دور حراس البوابات لتطبيقات الجوال، وتخلت في النهاية عن محاولة إنشاء تطبيق باستخدام تكنولوجيا «HTML5» المطورة في المتصفحات النقالة الحديثة. وتأتي تجربة هاتف «HTC» بعد أن استحوذ «غوغل» بالفعل على أكثر من نصف مليار مستخدم ل«أندرويد». ولا تزال «فيسبوك» تمتلك ورقة رابحة على شكل «الرسم البياني الاجتماعي» التي تقوم بدور الغراء في شبكتها، تجعل أعضاءها إلى التواصل مع أصدقائهم. هاتف «HTC» لن يكون نهاية القصة، لكن يجب أن يكون مؤشرا حيويا على عما إذا كان يمكن ل»فيسبوك» استغلال هذه الأصل لتأمين موطئ قدم أقوى في الهواتف النقالة.