لمن يجهل قيمة الإنتقالي    فضيحة قناة الحدث: تستضيف محافظ حضرموت وتكتب تعريفه "أسامة الشرمي"    ريال مدريد يثأر من السيتي ويجرده من لقب أبطال أوروبا    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    حضرموت تستعد للاحتفاء بذكرى نصرها المؤزر ضد تنظيم القاعدة    الجنوب ومحاذير التعامل مع العقلية اليمنية    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "سيضيف المداعة في خطبته القادمة"...شاهد : خطيب حوثي يثير سخرية رواد مواقع التواصل بعد ظهوره يمضغ القات على المنبر    ثلاث مساوئ حوثية أكدتها عشرية الإنقلاب    فيديو اللقاء الهام للرئيس العليمي مع عدد من كبار الصحفيين المصريين    "ليست صواريخ فرط صوتية"...مليشيات الحوثي تستعد لتدشين اقوى واخطر سلاح لديها    دوري ابطال اوروبا ... ريال مدريد يطيح بمانشستر سيتي ويتأهل لنصف النهائي    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    الرئيس الزُبيدي يطمئن على الأوضاع في محافظة حضرموت    العين الاماراتي يسحق الهلال السعودي برباعية ويوقف سلسلة انتصارات الزعيم التاريخية    حكومات الشرعية وأزمة كهرباء عدن.. حرب ممنهجة على الجنوب    سحب العملة الجديدة في صنعاء... إليك الحقيقة    رافقه وزيري العمل والمياه.. رئيس الوزراء يزور محافظة لحج    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    رافينيا يوجه رسالة حماسية لجماهير برشلونة    استقرار أسعار الذهب عند 2381.68 دولار للأوقية    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    أنس جابر تنتزع تأهلا صعبا في دورة شتوتجارت    محافظ المهرة يوجه برفع الجاهزية واتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية تحسبا للمنخفض الجوي    وفاة وإصابة 162 مواطنا بحوادث سير خلال إجازة عيد الفطر    أمين عام الاشتراكي اليمني يعزي الرفيق محمد إبراهيم سيدون برحيل زوجته مميز    إيران: مدمرة حربية سترافق سفننا التجارية في البحر الأحمر    توكل كرمان تجدد انتقادها لإيران وتقول إن ردها صرف انتباه العالم عما تتعرض له غزة    عن صيام ست من شوال!    مصر: ختام ناجح لبطولة الجمهورية المفتوحة " للدراجون بوت "ومنتخب مصر يطير للشارقة غدا    حزب الإصلاح يكشف عن الحالة الصحية للشيخ ''الزنداني'' .. وهذا ما قاله عن ''صعتر''    أبناء الجنوب يدفعون للحوثي سنويا 800 مليون دولار ثمنا للقات اليمني    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وفاة طفل غرقًا خلال السباحة مع أصدقائه جنوبي اليمن    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    محافظ عدن يلزم المنظمات باستصدار ترخيص لإقامة أي فعاليات في عدن    مصير الأردن على المحك وليس مصير غزة    من هم الذين لا يدخلون النار؟.. انقذ نفسك قبل فوات الأوان    نيابة استئناف الامانة تتهم 40 من تجار المبيدات والأسمدة بارتكاب جرائم بيئية وتعريض حياة الناس للمخاطر    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    الكشف عن آخر تطورات الحالة الصحية للفنان عبدالله الرويشد    ارنولد: انا مدين بكل شيء ل كلوب    دوري ابطال اوروبا: دورتموند يخالف التوقعات ويُحرج دفاع الاتلتيكو برباعية    الضالع: القوات المشتركة تُحافظ على زخم انتصاراتها وتُحبط مخططات الحوثيين    بعد تراجع شعبيتهم في الجنوب ...المجلس الانتقالي الجنوبي يعتزم تعيين شخصية حضرمية بديلاً عن عيدروس الزبيدي    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    حكم الجمع في الصيام بين نية القضاء وصيام ست من شوال    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كما لو أن السماء غرفة مغلقة!
نشر في الجنوب ميديا يوم 23 - 06 - 2012

كما لو أن السماء غرفة مغلقة!إن كنت ذاهبا الى مدينة 'ساليرنو' ستمرّ بمحاذاة بركان 'فيزوف' الشهير الذي ربما تكون قرأت عن ثوراته العارمة في مناهج الدراسة، وكان آخرها، حسب علمي، في منتصف القرن العشرين. لم ينطفىء هذا البركان القديم ولم تخمد الحمم، تماماً، في أحشائه النارية. فقد ترى دخانا وبخارا يتصاعدان من إحدى فوهاته الغامضة.. لكنك مع ذلك ستجد أن الحياة لم تهجره تماما. هذا ما رأيته عندما مررت به برفقة صديقي الفنان والشاعر العراقي فوزي الدليمي، قبل بضع سنين، في طريقنا الى 'ساليرنو' في الجنوب الايطالي.
وقفت برهبة تحته. لكن رهبتي زالت وأنا أرى بشراً يعيشون بالقرب منه. قال لي فوزي، الذي يقيم منذ السبعينات في ايطاليا، إن البركان لا يزال نشطاً، فهو 'يتحرك' بين حين وآخر ولكن ليس إلى حد يشكل فيه خطراً حقيقياً على محيطه.. حتى الآن. رأينا بيوتاً عند كعب الجبل وأناساً وحيوانات ترعى بالقرب من البيوت.. بكل اطمئنان.
قال فوزي إن الأرض في هذه المنطقة مزهود فيها. فمن يرغب في أن يجاور بركاناً نشطاً إلاّ من لا يملك بناء بيتٍ وامتلاك حقلٍ في مكانٍ آخر؟ لقد حاولت الحكومة أن تخرج هؤلاء المواطنين من هذه المنطقة ولكنها لم تستطع.
فكرتُ: كيف يمكن للمرء أن يشاطر بركاناً السكنى وأن ينام، مطمئناً، بجانبه؟
لكن 'فيزوف'، الذي تراه وأنت ذاهب من 'نابولي' إلى 'ساليرنو'، ليس المكان العلم الوحيد في هذه الجهة من إيطاليا، بل تمكن رؤية أطلال واحدة من أكبر ضحاياه طراً: مدينة 'بومبي' الشهيرة التي ضربها زلزال مدمر عام 36 للميلاد، ثم قضت عليها ثورة بركان 'فيزوف' عام 79. ويبدو أن فيزوف، حسب إحدى الروايات التاريخية، ظل يقذف رماداً ودخاناً لعدة أيام قبل ثورته الأولى لذلك رحل معظم سكان البلدة عنها، وعندما ثار البركان وحلت الكارثة على المدينة لم يكن هناك الكثير من السكان. بيد أن رواية أخرى تقول إن البركان فاجأ الأهلين في ثورته العارمة ولم يتمكن من الفرار سوى قلة، بل ان من فرَّ خنقته الغازات التي صاحبت ثورة البركان بمن فيهم المؤرخ الروماني 'بليني الكبير' الذي هرع الى المكان كي يسجل الواقعة. هناك تضارب أيضاً في عدد سكان المدينة ولكن التقديرات تقول إنهم كانوا في حدود 10 آلاف. ويعتقد أن 2000 شخص قضوا في بيوتهم، أو في شوارع المدينة وهم يحاولون الفرار. البيوت والشوارع طمرت قروناً تحت طبقات من الرماد الصلب. ولم يكشف النقاب عن هذه المدينة المنكوبة سوى في القرن الثامن عشر.
لعل 'بومبي' هي المدينة الوحيدة في العالم التي حافظت على لحظة ثابتة من التاريخ. لحظة جمدتها حمم البركان الى الأبد. فهناك بشر صاروا مومياوات حجرية. لم يحدث في التاريخ أن بشرا صاروا، فعلا، حجرا بكل معنى الكلمة. يمكن لك أن ترى كيف حفظ فن التحنيط المصري بشرا ميتين، لكن رماد بركان 'فيزوف' وأخلاطه العجيبة حفظا بشرا في حالة حركة. أي رهبة تصيبك وأنت تعرف أن تحت هذا الكائن الجصيّ شخص من لحم ودم ورعب، وها هو مجمد في آخر حركة قام بها: احتماء بزاوية ودفع الساقين كدريئة، استلقاء على الارض وتلوٍ من الألم، تكور في محاولة لحماية الرأس. الى غير ذلك من اوضاع تبدو مسرحية لمن يشاهدها.
كل ما كان في 'بومبي'، قبل أن تطمر المدينة تحت طبقات من الرماد، ظل محتفظاً بهول الكارثة، حتى ليمكنك أن ترى أماً تحضن طفلها ذا السنين الأربع لتحميه من العصف مجمدة في هيئة الرعب التي رأتها في تلك اللحظة. أحد الناجين من الكارثة يصف اللحظة المريعة التي ثار فيها البركان قائلا في رسالة إلى المؤرخ 'بليني الصغير': إن السماء أظلمت، فجأة، كما لو أنها غرفة مغلقة. غرفة بلا نوافذ على الاغلب.
أطلال المدينة تلوح، لمن يراها من كعب الجبل، عالية ومعتصمة بغموض ميتافيزيقي، تشعرك برهبة الواقعة التي أحيلت، في واحد من التفسيرات الأخلاقية المتهالكة، إلى ما عرفته المدينة من تهتك وسهر سادر كان يصل الليل بالنهار!
' ' '
ستة عشر قرنا فقد فيها أثر 'بومبي'. يرد اسمها في التاريخ ولكن لا وجود لها حتى العام 1748 عندما كشف النقاب عن 'بومبي' وشقيقتها الاقل شهرة منها 'هيركولينوم' لتصبح بعد ذلك واحدا من أكثر الأمكنة الأثرية استقطابا للزوار في العالم. وها هما 'بومبي' و'هيركولينوم' يحطان الرحال في 'المتحف البريطاني' في معرض ضخم يضم قطعا ومقتنيات وصورا من تينك المدينتين الرومانيتين، قد يكون الاكبر من نوعه خارج ايطاليا. (يستمر المعرض حتى نهاية أيلول (سبتمبر) القادم). يعيد معرض 'المتحف البريطاني' بناء جوانب من حياة المدينتين ويبعث اشكالا من النشاط الاجتماعي والفني اندثرت، وعادت، من تحت طبقات الرماد البركاني المتجمد. هناك قطع متعددة تعكس الاحوال الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لهاتين المدينتين اللتين كانتا تطلان، بدعة واسترخاء، على الأزرق المديد للمتوسط، غير أن الاكثر إثارة للتأمل والدهشة هو المهد الخشبي لإحدى العائلات الرومانية الذي حفظه الرماد البركاني كما كان عليه عند هبوب 'التسونامي' الذي ضرب المدينتين (يقال إن سرعة العصف البركاني تجاوزت مئة كلم في الساعة!) بما في ذلك الطفل في مهده!
فها هو طفل روماني في مهد خشبي لا يختلف كثيرا عما هو عليه اليوم أمام زوار المتحف البريطاني بالقماط الذي قمطته به أمه قبل ألفي عام!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.