هاشم عبدالعزيز بعد أن رمت بكامل ثقلها الدبلوماسي والسياسي، وأجهضت في مجلس الأمن مشروع قرار منح الدولة الفلسطينية العضوية الكاملة في الأممالمتحدة، تجدد الولاياتالمتحدة الآن الموقف ذاته تجاه التحرك الفلسطيني للحصول على صفة دولة غير عضو في الأممالمتحدة . منتصف الأسبوع الماضي أجرى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اتصالاً مطولاً مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان محوره هذه القضية، وحسب ما تناقلته الأنباء قدم عباس للرئيس أوباما شرحاً لدوافع القرار الفلسطيني، وفي الأبرز "استمرار النشاط الاستيطاني، واستمرار الاعتداءات "الإسرائيلية" على المواطنين وممتلكاتهم"، لكن الرئيس الأمريكي لم يكن في حال اقتناع بهذه الخطوة وحسب، بل غير متفهم للدوافع الفلسطينية، ويتضح هذا من بيان البيت الأبيض الذي نشر بعد الاتصال الهاتفي الذي أكد "أن الرئيس أوباما جدد خلال اتصاله بعباس، معارضة الولاياتالمتحدة للجهود أحادية الجانب في الأممالمتحدة" . المواقف الأمريكية هذه لم تكن بهذا المستوى المندفع والمتغطرس، حين تقدمت السلطة بطلبها لحصول الدولة الفلسطينية على اعتراف بعضويتها الكاملة في الأممالمتحدة، والأمر يعود إلى أن مشروع القرار بهذا الشأن قدم إلى مجلس الأمن، وفي تلك الدائرة تمكنت الإدارة الأمريكية من إجهاض ذلك المشروع بنفوذها، وهي كانت ستلجأ إلى استخدام حق الفيتو لو أن القرار حصل على أصوات مرجحة، إنما الأمر الآن أشبه بالمتغير، فالفرصة التي كانت متاحة للأمريكيين ولمصلحة الكيان الصهيوني في مجلس الأمن، وهي كانت غير متاحة على الأقل بالمستوى المطلوب للفلسطينيين في المجلس ذاته، هي غير ذلك في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ أغلب أعضائها دول تحررت من الاستعمار، وهي متعاطفة تاريخياً مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة . هناك أيضاً المجموعات التي إذا ما بذلت جهوداً صائبة ستكون فاعلة في هذا الشأن، مثل مجموعة دول عدم الانحياز، والمجموعة الإسلامية، والمجموعة الإفريقية، والمجموعة العربية، والأهم من كل هذا في هذه المعركة أن قرابة 118 دولة عضواً في الأممالمتحدة تعترف بالسلطة الفلسطينية . البعض يرى أنه في حال حصول الدولة الفلسطينية على مكانة العضوية غير الكاملة في الأممالمتحدة، لن يكون ذلك أكثر من مكسب معنوي، وهي خطوة لبداية مسيرة شاقة وطويلة في هذا الاتجاه . هؤلاء يتساءلون: على ماذا تقوم هذه الحملة الصهيونية المناهضة والمواقف الأمريكية المعارضة؟ يدعي الطرفان الصهيوني والأمريكي أن التحرك الفلسطيني إلى الأممالمتحدة بشأن عضوية الدولة الفلسطينية خطوة أحادية الجانب، الإشكالية هنا تبدأ من تفسير هذا الطرح، فإذا ما كان مبنياً على اتفاقات، فالاتفاقات ذاتها أسقطها الكيان الصهيوني، إما بعدم الالتزام بها وإما بتجاهلها، وبشكل أدق خرقها بأعمال مناقضة . ربما كان مفيداً الإشارة إلى بناء الجدار العنصري العازل داخل الأراضي الفلسطينية، وطوفان الاستيطان في الأراضي الفلسطينية والتهويد الذي يستهدف القدس بطبيعتها وتاريخها، فما الذي تمثله هذه الأعمال؟ يدّعي الرئيس الأمريكي أن سياسة بلاده في شأن حل أزمة هذه المنطقة تقوم على مبدأ الدولتين، ألا ينسجم التحرك الفلسطيني بشأن عضوية الدولة الفلسطينية في الأممالمتحدة مع ذلك الادعاء إذا كان صادقاً؟ في أي حال، فإن حصول الدولة الفلسطينية على صفة دولة غير عضو في الأممالمتحدة، خطوة مهمة تضع نهاية حاسمة إذا ما تحققت لبقاء الأوضاع القابضة على المصير الفلسطيني، من جراء العربدة الصهيونية التي تتفاقم تبعاتها في ظل الحماية الأمريكية، وهي وحدها السائدة في الزمن المفتوح للاستفراد الأمريكي بشؤون هذه المنطقة . على هذا يمكن القول إن أسباباً تدفع الأمريكيين إلى معارضة التحرك الفلسطيني باتجاه الأممالمتحدة في شأن موضوع عضوية الدولة الفلسطينية، وأبرز هذه الأسباب تتصادم بين طبيعة التوجه الفلسطيني لطلب الحصول على صفة الدولة غير العضو في الأممالمتحدة، إذ تضمن مشروع القرار الفلسطيني التشديد على عقد مؤتمر دولي للسلام في شأن أزمة المنطقة، ما يعني وضع نهاية للاستفراد الأمريكي في شأن أزمة الشرق الأوسط الذي يتواصل من دون انقطاع منذ مؤتمر مدريد للسلام، والذي أتاح للسياسة الأمريكية إطلاق مشروعات عدة، وهو كان الزمن الذهبي للكيان الصهيوني بسياسته المستهدفة للحقوق الفلسطينية والمناهضة للحل العادل والشامل والسلام الدائم، وبين طبيعة السياسة الأمريكية في شأن القضية الفلسطينية، وهي سياسة تهدف في ما تهدف، وتحت المظلة الفضفاضة "الدولة"، إلى إيجاد وضع فلسطيني مسخ، في سياق مخطط لإعادة ترتيب المنطقة تبقى أنفاسه محبوسة في "تل أبيب" يفتقد إلى السيادة والاستقلال، لا هو بالسلطة ولا بالدولة المعتبرة، وإنما أوضاع الضياع الفلسطيني هي المحصلة . في التاسع والعشرين من الشهر الجاري سيتوجه الفلسطينيون إلى الأممالمتحدة للحصول على أقل من حقهم، هم لا يتحدّون أحداً، لكنهم يطرقون باب الشرعية الدولية للتذكير بمسؤوليات عالمنا الدولي تجاه قضيتهم، وللتعبير عن إرادتهم في استعادة حقوقهم المسلوبة من قبل الاحتلال الصهيوني الذي لا يقيم وزناً ولا اعترافاً أو اعتباراً لهذه الشرعية، وعلى هذه المفارقة سيكون الاختبار جدياً ولا يحتمل المواربة .