حوار: أحمد سعد الدين هذا الموضوع الشائك لفت نظر المخرج الشاب أمير رمسيس وجعله يفتش داخل الأوراق القديمة ويحولها إلي فيلم تسجيلي بعنوان' عن يهود مصر', يكاد يكون الفيلم التسجيلي الثاني في تاريخ السينما المصرية الحديث الذي يعرض في السينمات ويحقق بعض الإيرادات برغم الصعوبة البالغة التي صاحبت هذا الفيلم من تعنت الرقابة علي المصنفات الفنية, ومن ورائها جهاز الأمن الوطني الذي رفض عرض الفيلم لأسباب مجهولة, لكن الحرية انتصرت في النهاية بفضل وقوف جميع المهتمين بالفن وراءه, وتم عرض الفيلم في ثلاث نسخ, وعقب الخروج من العرض الأول التقي ملحق' نجوم وفنون' مخرج ومؤلف العمل' أمير رمسيس' أولا: لماذا اخترت السير حافيا فوق الأشواك والتفتيش داخل موضوعات تثير الريبة والشك والجدل من حولها ؟ الفنان دائما متمرد ويبحث عن الموضوعات الصعبة التي تثير الجدل, وإلاT سوف يتساوي مع الآخرين, وقد لفت نظري عند تصوير فيلم' إسكندرية نيويورك' عام2003 أثناء وجودنا في باريس أن هناك أحد الفرنسيين يجلس علي مقهي ويتحدث اللغة العربية بلهجة مصرية خالصة ويتحدث عن ذكرياته في مصر, وعندما اقتربت منه وسألته قالوا أنه أحد اليهود المصريين الذين خرجوا من مصر عقب العدوان الثلاثي, هذه النقطة أثارت فضولي, وبعد الانتهاء من تصوير الفيلم بدأت رحلة بحث وتقابلت مع بعض اليهود الذين استقروا في فرنسا ولم يذهبوا إلي إسرائيل. ما أهم الصعوبات التي واجهتها أثناء التحضير للفيلم ؟ استغرق البحث عدة سنوات قرأت خلالها عددا من المراجع والمذكرات للعديد من الشخصيات التي عاصرت تلك الفترة مثل الوزير السابق' ثروت عكاشة, الدكتور محمد أبو الغار, والدكتور رفعت السعيد,نولة درويش وغيرهم' لكن الصعوبة الأكبر كانت في إيجاد ممول للفيلم, وكان قراري الذي لا يقبل المناقشة هو عدم اللجوء للتمويل الخارجي حتي لا يفرض علينا أحد شروطه, وأيضا حتي لا يئول الأمر إلي أنه فيلم يخدم طرفا علي حساب الآخر, لذلك تأخرت أربع سنوات حتي قابلت الصديق' هيثم الخميسي' الذي تحمس لإنتاج المشروع, وبدأنا في تنفيذه منتصف عام2009, لكن الفيلم تعاطف مع اليهود الذين تركوا مصر علي حساب الأمن القومي المصري؟ هذا السؤال صادفته كثيرا ممن سمعوا عن الفيلم ولم يشاهدوه, وكانت إجابتي أنه من المستحيل أن أفكر في أي شيء ضد مصلحة مصر, لكن ما حدث هو أني أطرح تساؤلا: هل جميع اليهود المصريين الموجودين في تلك الفترة كانوا كلهم جواسيس للصهيوينة العالمية أم أن فيهم مصريون وطنيون ؟, وهل نحن ضد اليهودية كديانه أم ضد الصهيونية كمذهب سياسي؟, وما الفارق بينهما؟, وكيف يكون هؤلاء ممنوعين من دخول مصر حتي الآن وسحبت منهم الجنسية المصرية برغم التصريح لليهود الإسرائيليين بدخول مصر بعد معاهدة السلام؟, أنا أطرح هذه الأسئلة ومن شاهد الفيلم سيجد بعض النماذج الحقيقية التي خدمت مصر, فعلي سبيل المثال كثير منهم كانوا يعملون بالصناعة والتجارة مثل' داود عدس و هانو و شيكوريل وعمر أفندي ويوسف قطاوي', وغيرهم الذين يعتبرون من أهم أعمدة الاقتصاد والصناعة في مصر خلال فترة الثلاثينيات والأربعينيات وحتي أوائل الخمسينيات, تلك الفترة تعتبر من أهم الفترات في تاريخ مصر التي كان يعيش علي أرضها أناس ينتمون لجميع الأديان, وكانت مصر هي الأرض والملاذ للجميع, ولا توجد تفرقه عنصرية بين أطياف الشعب المختلفة, لدرجة أن التاريخ يذكر في منتصف الأربعينيات عندما قامت جماعة الإخوان بحرق محلات حارة اليهود قدم الملك فاروق اعتذارا عما حدث وأمربتعويض المضارين من الحريق, وهذا دليل علي المساواة بين المواطنين بلا تمييز, لكن بعد قيام ثورة يوليو حدثت بعض التفجيرات مثل حريق سينما مترو وما أطلق عليه فضيحة' بنحاص لافون', وقد حامت الشبهات حول شباب الطائفة اليهودية, لكن جمال عبدالناصر يخطب خطبة شهيرة يميز خلالها بين اليهودي العادي المتدين وبين الصهيوني الجاسوس الذي يعمل لمصلحة مشروع سياسي استيطاني, وهذا ما أطرحه في الفيلم, أما الخلط بينهم فهذا جهل معرفي يجب أن يتم تصحيحه حتي نتعرف علي الآخر, خاصة إذا كان مصريا وطنيا بغض النظر عن ديانته. لكن اليهود الذين ذهبوا إلي إسرائيل عمدوا إلي تشويه صورة مصرفي كل مكان وبطريقة منظمة؟ قد تفاجأ بأن نسبة اليهود المصريين الذين ذهبوا إلي إسرائيل لا تتعدي ال7% فقط, وهم أولئك الذين آمنوا بالمشروع الصهيوني والفيلم بالكامل ضدهم, في حين ذهب الباقي إلي فرنسا وإيطاليا وأمريكا اللاتينية وبعضهم ذهب إلي أفريقيا مثل' سلفاتور شيكوريل',وهنا أتحدث عن وصف الحالة التي هم عليها في أوروبا وحقهم في زيارة مصر من منظور إنساني بحت لم يقدموا أي إساءة أو اشتركوا في حرب ضد وطنهم الأم, أما من هاجروا إلي إسرائيل فهذا موضوع آخر, وعلينا ألا ننسي أن كل فئة فيها الجيد وفيها السيئ, لكن في نفس الوقت كان بين اليهود بعض معتنقي الفكر الشيوعي وهو ما ذكره الوزير ثروت عكاشة في مذكراته أن'هنري كوريل' اليهودي المصري الذي أسس حركة' حدتو', الذي خرج من مصرعنوة وسحبت منه الجنسية برغم ذلك قام بتسليم خطة هجوم فرنسا وإسرائيل وبريطانيا علي مصر قبل وقوع العدوان الثلاثي عام56 إلي ثروت عكاشة, والذي قام بدوره بتسليمها إلي جمال عبدالناصر,وكذلك دوره في مجموعة' جينسون' التي ساندت جبهة التحريرالوطني خلال حرب استقلال الجزائر, وبرغم كل ذلك رفض عبدالناصر إعادةالجنسية المصرية له, وقتل في حادث غامض عام1978 في باريس, لذلك فالفيلم يدعو للتاسمح والمساواة بين الجميع والعيش بشكل آمن, دون الحديث عن الأغلبية أوالأقلية لأنه في النهاية لا أحد يستطيع أن يقتل وطنا يعيش داخل الإنسان. لماذا اخترت الشكل المتوازي في أسلوب السرد في فيلمك التسجيلي برغم وجود عناصر كان يمكن أن تحدث تشويقا أكثر ؟ بعد عملية البحث واللقاءات المتعددة وجدت أني أمام مصدرين يكملان بعضهما البعض المجموعة الأولي وهي اليهود المقيمون في باريس والمجموعة الثانية والتي تحتوي علي المؤرخين الموجودين في مصر, مثل' الدكتور محمد أبو الغار, الدكتور رفعت السعيد, الباحث عصام فوزي, الراحل أحمد حمروش, والناشطة نوله درويش' ومن هنا فضلت أن تطرح النقطة للنقاش من الجميع قبل الانتقال للنقطه الأخري لأننا في عمل توثيقي وليس روائي يحتاج إلي عناصر فنية مختلفة, وقد حاولت عمل بعض الاختلاف بين الشكلين, وللحقيقة عبرت موسيقي' هيثم الخمسي' ولكن برغم كل مامضي من حديث, لابد من السؤال: لماذا اعترضت الرقابة علي عرض الفيلم؟ غريب أن أسمع هذاالكلام الآن, فقد تقدمنا بطلب تصريح بتصوير الفيلم للإدارة العامة للرقابة علي المصنفات الفنية, وأرفقنا مع الطلب سيناريو الفيلم كإجراء قانوني, وحصلنا علي الموافقة, وشارك الفيلم في أسبوع بانوراما السينما الأوروبية في شهر سبتمبر الماضي, بالتصريح رقم(381802012) بتاريخ3 سبتمبر2012 وتم عرض الفيلم مرتين, بعدها تقدمنا للرقابة بطلب تصديرالفيلم إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية بغرض عرض الفيلم في شمال أمريكا ضمن فاعليات مهرجان' بالمسبرينجز' الذي أقيم في ولاية كاليفورنيا, وحصلناعلي ترخيص التصدير بتاريخ25 ديسمبر2012 بعد مشاهدة الفيلم من جانب الرقابة للمرةالثانية مع كتابة تقرير يفيد بالموافقة علي تصديره, لكن بعد ذلك تقدمنا بطلب تجديد تصريح العرض العام من قبل الرقابة علي المصنفات الفنية حتي نعرض الفيلم في السينما للجمهور, وأرفقت جميع الأوراق المطلوبة من خطابات الرسم النسبي لنقابات المهن السينمائية والتمثيلية والموسيقية, لكن فوجئت بأن مكتب وزيرالثقافة يطلب نسخة من الفيلم لمشاهدتها برغم أنهم شاهدوها من قبل, وأرسلت الرقابة نسخة لمكتب الوزير ثم فوجئت في اليوم التالي باعتذار من رئيس الرقابة الدكتورعبدالستار فتحي الذي أخبرني بأن جهة أمنية طلبت مشاهدة الفيلم قبل تجديد الترخيص, ومن ثم فهو لا يستطيع إعطاء ترخيص بالعرض برغم الموافقات السابقة, وبذل الرجل كل ما في وسعه لكن دون جدوي, وكنت بصدد رفع قضية علي وزارة الثقافة, لكن من الواضح أن الضغط الإعلامي أحرج جهاز الأمن الوطني والرقابة علي المصنفات مما جعلهم يصدرون تصريحا بالعرض.