بالتربية السليمة، والأخلاق الفاضلة، تبنى الأمم وتقوم المجتمعات، ويحيا الإنسان حياة سعيدة بعيدة عن كل ما من شأنه الفساد والإفساد، ولذلك جاءت التربية النبوية بتوجيهات سديدة ونصائح غالية، تحذرنا من خمس صفات سلوكية جمعت الشر والفساد، لما فيها من منافاة شديدة للإيمان وليس هذا فحسب، بل ان من وجدت فيه خصلة واحدة من هذه الخصال، فقد تخلق بصفة من صفات المنافقين حتى يتركها ويبتعد عنها. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «آية المنافق ثلاث: اذا حدث كذب، واذا وعد أخلف، واذا ائتمن خان». عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، اذا حدث كذب، واذا وعد أخلف، واذا خاصم فجر، واذا عاهد غدر» رواه البخاري ومسلم. الصفة الأولى: «اذا حدث كذب» والكذب في الحديث يشمل الحديث عن الله ورسوله، قال تعالى (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب)، وقال صلى الله عليه وسلم «من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». ومن الكذب على الله ورسوله ان يقول هذا حلال وهذا حرام من غير دليل عن الله ورسوله. والكذب: هو ان يقول الإنسان غير الحقيقة، أو يخبر بما يخالف الواقع، والمؤمن لا يكون كذابا، ومن كذب كان منافقا لا يراعي آداب الإسلام وتعاليمه. الصفة الثانية: «إخلاف الوعد»، وهو ان يضرب الشخص موعدا لأحد من الناس أو يعطيه وعدا بشيء ما ثم لا يفي بما وعد، ولا يلتزم به. ان الوفاء بالوعد من شيم النفوس الشريفة، ومن العار على المسلم ان يعد ثم لا يفي بما وعد، ولذلك فإن من وعد وهو ينوي ألا يفي بوعده كان أشر ممن وعد وهو ينوي ان يفي ثم يبدو له أمر فيخلف من غير عذر. ذكر الزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «من قال لصبي تعال هاك تمرا، ثم لم يعطه شيئا فهي كذبة»، وذلك لأنه وعده بالعطاء ثم لم يفِ بما وعد، وإخلاف الوعد يدخل تحت صفة الكذب. الصفة الثالثة: «إذا اؤتمن خان»: ان الإسلام يربي المسلم على ان يكون ذا ضمير يقظ، وأمانة قوية تصان بها حقوق الله وحقوق الناس، وتحرس بها الأعمال من دواعي التفريط والإهمال، قال تعالى (ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها)، وقال تعالى (فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه). اي اذا كانت عنده أمانة من الأموال أو الحقوق أو الأسرار فعليه الا يضيعها بل يحفظها، فلا يأكل الوديعة ولا يهدر الحقوق ولا يفشي الأسرار. واسمعوا الى هذه القصة لأحد الذي تربوا في مدرسة النبوة وهو حفص بن غياث أحد السلف، وكان قاضيا للكوفة في عهد الرشيد، فقد مرض حفص خمسة عشر يوما لم يتول فيها القضاء بين الناس، فدفع الى قريب له مائة درهم، وقال له: اذهب بها الى عامل أمير المؤمنين فادفعها إليه وقل له: هذه رزق خمسة عشر يوما لم أحكم فيها بين المسلمين، فلا حظ لي فيها. الصفة الرابعة: «إذا خاصم فجر»، فان المسلم لا يفجر عند الخصام بمعنى ألا يقلب الحق باطلا والباطل حقا، لأن هناك من الناس من لهم القدرة على التظاهر عند الخصومة بما يخالف الحقيقة والواقع، حتى يخيل لمن سمعه انه على الحق ومثاله: ما يسمى الآن «توكيل محام...» أي في غير حق . الصفة الخامسة: «إذا عاهد غدر»، فهو ينكث العهود التي بينه وبين الله، والعهود التي بينه وبين الخلق، فلا يفي بالعهد الذي أمر الله بالوفاء به، قال تعالى (وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا). والغدر بالعهود حرام حتى ولو كانت مع الكفار، فقد أمر الله بالوفاء بعهودهم اذا قاموا عليها ولم ينقضوا منها شيئا. ولقد جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان». عباد الله، من تجمعت فيه هذه الصفات القبيحة: الكذب في الحديث، والخيانة في الأمانة، والغدر في العهود، والفجور في الخصومات، لم يبق معه من الإيمان شيء وصار منافقا خالصا، فهي بمنزلة الأمراض الخطيرة التي متى تجمعت في جسم أفسدته وقضت عليه، ومن كانت فيه خصلة واحدة منها فقد اتصف المؤمن بصفة من صفات المنافقين، وصار فيه ايمان ونفاق. ان من شأن المؤمن ان يتوب من صفات المنافقين ويتصف بصفات المؤمنين الصادقين، فيجب على المؤمن ان يتطابق ظاهره مع باطنه على الأخلاق والصدق في الأقوال والأفعال في جميع الأحوال، وفي جميع المواقف، فيكون قدوة حسنة ومثالا صادقا للمؤمن الذي يعتز بإيمانه، ويحافظ على دينه فيصدق في حديثه، ويراعي أمانته، ويفي بوعده، ويعدل في خصومته.