تسيطر على الأجواء اللبنانية مناخات إيجابية تتسم بالتفاؤل الحذر بعد تسمية تمام سلام رئيسا للحكومة.. موقف حدّ من ارتفاع منسوب التوتر الأمني الذي تصاعد على مدار السنتين الماضيتين في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. جميع الكتل السياسية اليوم تنشد في العلن حكومة وفاق وطني يكون دورها الأساس إجراء الانتخابات النيابية القادمة. وإن اختلف الفرقاء حول شكل الحكومة وحجم أعضائها وبيانها الوزاري. يوم الإثنين الفائت، تمكن مجلس النواب من تعليق مُهل الترشح للبرلمان إلى التاسع عشر من مايو القادم.. أمر عكس ارتياحاً لدى أغلب الكتل السياسية وليس كلها، حيث إن كتلة النضال الوطني التي يتزعمها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط قاطعت جلسة مجلس النواب. وقد تعاطف معها نائب رئيس مجلس النواب فريد المكاري المحسوب على تيار المستقبل، وهو ما أثار الريبة من أن يكون بداية التفاهم بين جنبلاط وسعد الحريري، بعد سقوط ميقاتي والتوافق على تمام سلام رئيساً للحكومة، قد دخل في مرحلة الموت السريري. جنبلاط كان استياؤه واضحاً من الحريري حين قال: غلطة الشاطر بألف ومع هكذا علاقات لا تحتاج إلى عدو خارجي. وسبب التباين في وجهات النظر بين جنبلاط والحريري أن الأخير قبل بتعليق المُهل الانتخابية في حين أن جنبلاط كان يريد تمديد المهل خشية أن يفقد ما يعرف "بقانون الستين" الذي سمح له بالحصول على كتلة نيابية لا تقل عن سبعة نواب كانوا بمثابة بيضة القبان في ترجيح محور على آخر وسط الانقسام السياسي بين قوى 14 و8 آذار منذ العام 2008. أما الحديث عن شكل الحكومة التي يرأسها تمام سلام القادم من بيت الوسط، وحجم الكتل داخلها، وطبيعة البيان الوزاري أمور تثير الخلاف السياسي فضلاً أن قانون الانتخاب يظهر المزيد من الانقسام بين قوى الأكثرية والأقلية. رغم ذلك يأمل سلام ألا يكون الإجماع على تشكيلته المرتقبة بأقل من الإجماع الذي ناله رئيساً للحكومة العتيدة، فهل سينجح رئيس الحكومة في إخراج حكومة ضمن المهل المعتادة في تشكيل الحكومات؟ وما هي شكل الحكومة المرتقبة، ما بيانها الوزاري؟ أين هي من النأي بلبنان عما يحيط به من حرائق؟ إلى الآن تمام سلام يتحسس الخطى لتشكيل حكومته العتيدة.. الاستشارات النيابية غير الملزمة انتهت والرؤية باتت واضحةً لدى الرئيس المكلف.. هي حكومة مصلحة وطنية.. شعار يردّده تمّام سلام في كل مناسبة.. فماذا تريدُ أبرزُ الكتلِ السياسيةِ تأثيراً؟ يقول رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد (حزب الله): "في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها تداولنا معه في الكثير من الأمور المتصلة بالحكومة وطبيعتها ومتبنياتها السياسية، وطالبناه بأن تكون حكومة سياسية جامعة تشرف على الانتخابات تدير شؤون البلاد ويتمثل فيها الفرقاء السياسيون بحسب أوزانهم وحضورهم نسبياً في المجلس النيابي". يقف سلام طويلاً أمام المشهد اللبناني فيتحاشى الدّوس على أيّ لغم سياسي قبل أوانه.. من توزيع الحصص داخل الحكومة إلى البيان الوزاري لها إلى معادلة الجيش والشعب والمقاومة.. ملفات ملغومة لا بدّ من فتحها. ينأى سلام حالياً بنفسه عن الخلاف السياسي ما أمكن، فالحكومة المرتقبة لن يكون فيها ثلث معطل، ولن تكون حكومة مغالبة.. هي حكومة انتخابات بالدرجة الأولى. يقول سلام: "إذا طال التأليف أو تعذر وتم التجديد للمجلس النيابي فأنا سأعتذر وأسلّم الأمانة وأقول إن مهمتي انتهت وليأتوا بحكومة تمديد، لأن وظيفة حكومتي هي الانتخابات النيابية وتحقيق الاستقرار". معركة تأليف الحكومة لم تنجح في حجب معركة إقرار قانون للانتخابات، فأي تقدم في إحداهما سينعكس على الأخرى، سلباً كان أو إيجاباً. نجح مجلس النواب في كسب جولة من المعركة، فعلّق المُهل للترشح للبرلمان إلى أمد قريب.. تسوية سياسية لم تكن مكتملة بعد رفض كتلةِ النائبِ وليد جنبلاط السّير بها.. هي فرصة للتوافق على قانون انتخابي مختلط، يقولُ البعض.. وقد تكون مقدمةً لجولة جديدة من الصراع سينعكسُ حتماً لا محالةً على الحكومة القادمة، تأليفاً وتأثيراً.