إعادة هيكلة الأجهزة العسكرية والأمنية أمر محوري لعملية انتقالية ناجحة المصيرأون لاين/تقارير وحوارات /متابعات وجود جهاز عسكري أمني احترافي، وبالخصوص متحرّر، أول الشروط وأهم الخطوات لنجاح مؤتمر الحوار الوطني والخروج باليمن من أزماته، وفق تقرير صدر حديثا عن مجموعة الأزمات الدولية. صنعاء – لو سألت أي يمني من أي طرف من أطراف الطيف السياسي في بلاده، فإنه سيعبّر عن تأييده لوجود جهاز عسكري، أمني احترافي متحرر من النفوذ العائلي والقبلي والحزبي والطائفي. إلاّ أن هذه التأكيدات العلنية لا تعني أن هذا أمر سهل، بل إنه أبعد ما يكون عن السهولة. إن إعادة هيكلة الأجهزة العسكرية والأمنية تعتبر أمرا محوريا لعملية انتقالية ناجحة، إلاّ أنها عملية بالغة الصعوبة، لأنها تهدد بشكل مباشر جملة من المصالح المتجذرة. رغم أن الرئيس عبد ربه منصور هادي اتخذ خطوات أولى هامة، فإن الجزء الأصعب لا يزال ينتظر، وهذا الجزء يتمثل في إرث طويل من الفساد والتسييس. لا يزال ينبغي إحداث هيكلية إدارية وقيادية متماسكة، وفرض الانضباط والهوية المؤسسية الموحدة والاستمرار في إضعاف سيطرة النخبة القديمة دون التسبب في رد فعل عنيف. ينبغي فعل كل ذلك في نفس الوقت الذي تواجه فيه البلاد مجموعة هائلة من التحديات الأمنية، بما في ذلك هجمات القاعدة، وتخريب البنية التحتية الرئيسية، والوجود القبلي المسلح المتزايد في المدن الرئيسية، والمكاسب التي حققها الحوثيون على الأرض في الشمال، واشتداد حدة العنف في الجنوب حول قضية الانفصال. إضعاف النظام القديم لا يزال الطريق أمام اليمن طويلا. في ظل حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، حيث تمتعت الأجهزة العسكرية والأمنية فعليا بالحصانة ضد الرقابة المدنية وكانت تعمل إلى حد كبير خارج سيطرة القانون. كانت الولاءات تتركز حول قادة يتحدرون في معظمهم من عائلة أو قبيلة الرئيس. ثم، ووسط انتفاضة عام 2011، انقسم أولئك القادة إلى نصفين، حيث وقفت إحدى المجموعتين حول اللواء علي محسن الأحمر مع المحتجين ووقفت المجموعة الأخرى (عائلة صالح) مع النظام. ولا يزال هذان الفريقان لاعبين سياسيين قويين يسيطران على موارد كبيرة وقطاعات لابأس بها من الاقتصاد. لكن مهما بلغت مزاعمهما في دعم المرحلة الانتقالية، فإن ثمة ما يبرر الاعتقاد بأنهما سيحشدان مواردهما التي لا تزال هائلة لحرف الحوار الوطني أو حتى إفشاله، وهو الحوار الذي بدأ في 18 آذار-مارس 2013 والذي يزمع أن يدوم ستة أشهر. يتمثل الإصلاح العسكري والأمني جزئيا في إضعاف قبضة النظام القديم المنقسم، ومن خلال القيام بذلك، فتح الفضاء السياسي أمام تغيير حقيقي وفعال من خلال الحوار الوطني الذي يشكل حجر زاوية في العملية الانتقالية. لقد حقق هادي بعض الاختراقات، فمن خلال إجرائه بعض التغييرات الإدارية وإحداث بعض التنقلات ومن ثم حل مؤسستين عسكريتين إشكاليتين هما الحرس الجمهوري، بقيادة ابن علي عبد الله صالح أحمد علي، والفرقة، التي يقودها علي محسن، فقد قص جناحي خصميه الرئيسيين وعزز من سيطرته هو. إلا أن ثمة مخاطر لا تزال في انتظاره، حيث أن التنفيذ لا يزال في مراحله الجنينية وسيستغرق وقتا، كما أن بعض تعيينات هادي تفوح منها رائحة نسخته هو من التحيز، ثم إن مصير محسن الأحمر وأحمد علي لا يزال غير معروف، كما أن توجيه هادي الضربات الأكثر قوة لمعسكر صالح، فإنه، ودون قصد منه ربما، يعزز موقع علي محسن بشكل غير متناسب. استراتيجية أمنية إن الإصلاحات المؤسساتية الدائمة تتطلب أكثر من مجرد تدوير بعض المناصب. وهنا تكمن مخاطرة ثانية، أو موطن خلل ثان. حتى الآن، يبدو أن التغييرات التي أجراها هادي مدفوعة بشكل رئيسي، وهذا أمر مفهوم، بالاعتبارات السياسية والحاجة الملحة إلى إزاحة القادة الإشكاليين عن مواقعهم دون إحداث مقاومة عنيفة. لكن ثمة قضايا أخرى تعتمل تحت السطح ولا يمكن تجاهلها لفترة طويلة، مثل تعزيز احترافية القطاع العسكري – الأمني، والفرض التدريجي للقوانين غير المتحيزة التي تتحكم في التوظيف والصرف من الخدمة والتقاعد وتنقلات الموظفين وإدماج رجال القبائل في قوات الأمن دون تشجيع العصبية القبلية وضمان الرقابة المدنية وتثبيت عملية اتخاذ القرار بأيدي المدنيين، وبشكل أكثر اتساعا، وضع استراتيجية أمنية وطنية يتحدد من خلالها تفويض وحجم الفروع الأمنية والعسكرية المختلفة. بشكل عام، فإن العقبة الأساسية أمام أي إصلاح ذي معنى تتمثل في غياب عقد سياسي شامل. من الصعب تخيل تخلي اللاعبين العسكريين والأمنيين الرئيسيين عن القوة "الخشنة" أو القبول بشكل كامل بالتغيير الذي يمكن أن يتركهم ضعفاء أمام خصومهم المحليين بأي حال من الأحوال. ومن شبه المستحيل تخيل ذلك عندما تسود حالة عميقة من انعدام الثقة. هناك تعقيدات أخرى ذات صلة، حيث أن مكونين رئيسيين يتمثلان في الحركة الحوثية المتواجدة بشكل أساسي في الشمال والانفصاليين الجنوبيين يتشاطران شكوكا عميقة حيال عملية إعادة الهيكلة التي تم إقصاؤهما عنها بشكل فعلي. وهكذا، فمن غير المحتمل أن يؤيدا القرارات التي تتخذ دون اتفاق موسع على معايير الدولة في حقبة ما بعد علي عبد الله صالح. وهنا يأتي الحوار الوطني. إن إدماج عملية إعادة الهيكلة العسكرية – الأمنية بشكل وثيق في الجهد الأوسع للوصول إلى إجماع سياسي شامل هو وحده الذي يمكن أن يفضي إلى نجاح ميثاق وطني ودستور جديد. ويتمثل التحدي في إيجاد حلقة مثمرة تسير فيها عملية إعادة الهيكلة والحوار بالتوازي وبشكل يعزز أحدهما الآخر. إنها رقصة تتطلب الكثير من البراعة. اللاعبون الدوليون يمكن، بل ينبغي، أن يساعدوا في هذه العملية. إلا أن اليمنيين يحملون العبء الأثقل. توصيات في ختام تقريرها الذي ركّز على ضرورة إيلاء القطع العسكري – الأمني الاهتمام الرئيس في خطوات الاصلاح حتى ينجح اليمن في عمليته الانتقال، ضمّنت مجموعة الأزمات الدولية في ختام تقريرها مجموعة من التوصيات للنهوض باليمن موجّهة إلى كل من الرئيس اليمين عبد ربه هادي ووزارتي الدفاع والداخلية واللاعبين الدوليين. الرئيس هادي مطالب بإيصال رؤية واضحة للجمهور حول كيف سيتمكن الحوار الوطني من توجيه عملية إعادة الهيكلة العسكرية- الأمنية ومضاعفة إجراءات التواصل وبناء الثقة التي تستهدف الجنوب لضمان قدر أكبر من التشميل والقبول بقرارات الحوار. أما وزارة الدفاع ووزارة الداخلية فعليهما تولي زمام القيادة في عملية إعادة الهيكلة. أيضا توجّه التقرير بتوصية إلى كل من اللواء علي محسن الأحمر والعقيد أحمد علي صالح تدعوهما إلى تنفيذ الأوامر الصادرة عن الرئيس هادي، ووزير الدفاع ورئيس أركان الجيش دون إبطاء والامتناع عن استعمال الجنود كعملاء سياسيين وتجنب النشاط السياسيى. واللاعبون الدوليون الداعمون لمبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليات التنفيذ (بما في ذلك المبعوث الخاص للأمم المتحدة، والولايات المتحدة والدول الأخرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، ومجلس التعاون الخليجي والأردن) فمطالبون بالاستمرار في التعبير عن الدعم الواضح للقرارات التي يتخذها الرئيس هادي، واللجان الفنية لإعادة الهيكلة والحوار الوطني، وذلك بغرض إحباط محاولة بعض الأطراف لإفشال هذه الجهود. العقيد واللواء المنافسة بين الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، ورجلين عسكريين قويين يقدان مؤسستين عسكريتين إشكاليتين هما العميد أحمد علي عبدالله صالح، قائد الحرس الجمهوري، واللواء علي محسن الأحمر الذي يتولّى قيادة قوات الفرقة المدرعة الأولى، تعيق بشكل كبير التقدم الذي يسعى إليه اليمن؛ فالرئيس اليمني حين حل الحرس الجمهوري والفرقة، التي يقودها علي محسن، فقد قص جناحي خصميه الرئيسيين وعزز من سيطرته هو. وتوجيه الرئيس هادي الضربات الأكثر قوة لمعسكر صالح، فإنه، ودون قصد منه ربما، يعزز موقع علي محسن بشكل غير متناسب. وتكمن قوة العميد واللواء في قدرتهما على تجاوز وزارة الدفاع والتمتّع بسيطرة مستقلّة وكاملة على شؤون الوحدات التابعة لهما. شروط الاصلاح العسكري: إضعاف قبضة النظام القديم المنقسم فتح الفضاء السياسي أمام تغيير حقيقي تعزيز احترافية القطاع العسكري – الأمني الفرض التدريجي للقوانين غير المتحيزة عدم اقصاء الحوثيين والانفصاليين الجنوبيين 94 "صحيفة العرب " إشترك الأن في قائمتنا البريدية المزيد من : حوارات وتقارير