بصوت مرتعش وملامح ملائكية وقفت الطفلة الصغيرة أمام هيئة المحكمة تروي تفاصيل واقعة التحرش بها من جانب السائق الخاص بوالدها، التفاصيل بينت حياة أسرية مشتتة عاشتها الطفلة وشقيقتها، كما تضمنت أقوالها أوجاع انفصال الأبوين وفقدان الرعاية والحنان. وامتلأت عيون حاضري جلسة محكمة جنايات أبوظبي بالدموع عندما احتضن الأب ابنته الصغيرة وارتفع صوت نشيجهما حتى اخترق قلوب الجميع، ورفعت هيئة المحكمة الجلسة احتراماً للحظة إنسانية لأب حرم من رؤية ابنتيه منذ أشهر، ومهما كانت الأسباب والحيثيات المباشرة لهذا الموقف، فإن السبب الرئيس أن الأبوين فقدا آداب التخاصم بعد طلاقهما، ونسيا أنهما محكومان بتقبل أحدهما الآخر والتفاهم لما فيه مصلحة بناتهما. بداية الأزمة بدأت القصة قبل سبع سنوات عندما زادت الخلافات بين الزوجين وحدث الطلاق رغم وجود طفلتين أكبرهما في الخامسة من العمر، وكما يحدث دائماً بقيت الطفلتان في حضانة والدتهما في منزل الزوجية وغادر الأب المنزل ليبني أسرة جديدة، ولكنه بقي على تواصله مع ابنتيه. وقد وفر لهما الحياة الكريمة التي تتناسب مع دخله وبالتساوي مع أبنائه من زوجته الجديدة، وكان يرى ابنتيه يوم الجمعة من كل أسبوع حيث تقضيان إجازتهما في بيته الثاني مع إخوتهما ثم تعودان في آخر النهار إلى والدتهما، وهكذا مضت السنوات التي سبقت يوم الحادث. في ذلك اليوم ذهب سائق الأب كعادته وأحضر الفتاتين لزيارة والدهما في شقته بالطابق الأول في مبنى صغير يمتلكه، وما إن وصلتا حتى ركضتا على الدرج تتسابقان للوصول إلى أبيهما، وكان برفقتهما السائق، وقد سبقت الفتاة الصغيرة أختها الكبرى ووصلت نهاية الدرج، وفي تلك اللحظة أمسك السائق الفتاة وحاول أن يقبلها على خدها، فتفلتت منه بسرعة، عندها دفعها نحو الحائط محدثاً كدمة بيدها وساقها، ولكنها ركضت منه ولم تخبر والدها أو زوجته بما حدث. بكاء ومشاجرة وفي المساء رجعت الفتاتان إلى والدتهما التي أخذت تسألهما عن تفاصيل يومهما، عندها أخبرتها الصغيرة بأن شقيقتها كانت تبكي، ثم أخبرتها الفتاة عما فعله السائق وأرتها مكان الكدمات التي أصيبت بها، فاتصلت الأم بوالد ابنتيها وأخذت تصرخ وتلومه على ما قام به سائقه محملة إياه المسؤولية لإهماله الفتاتين،عند ذلك طلب الأب منها الهدوء مؤكداً انه سيتصرف. ذهب الأب من فوره إلى السائق وواجهه بما قالته الفتاة، فأكد أنه لم يحاول تقبيلها، ولكنها كانت تركض بسرعة محاولة اللحاق بشقيقتها فحملها من الخلف ليركض بها مشاركة منه في لعبهما، وقال إنه يوصلهما منذ سبع سنوات، كما يوصل أشقاءهما من وإلى المدرسة فلماذا يفعل هذا الآن، وصدق الرجل كلام سائقه، ولكنه أنهى خدماته وقام بتسفيره إلى بلده من باب اتقاء الشر في حال وجود أي شبهة لصحة ما شعرت به الفتاة. داخل المحكمة لم يرضي الإجراء الذي قام به الأب طليقته، فذهبت وتقدمت ببلاغ إلى الشرطة عن الواقعة، ثم امتنعت عن السماح للأب برؤية بناته على أساس أنه غير أمين عليهما، وبناءً عليه قام الأب باستدعاء السائق من بلده وأرسل له تذكرة ليعود، حيث قبض عليه في المطار ليتم تحويله إلى محكمة الجنايات. وفي جلسة المحاكمة وقفت الصغيرة التي لم يتجاوز عمرها الثانية عشرة تروي ما حدث معها بينما أنكر المتهم أقوالها مؤكداً أنه حملها فقط وأنها هي التي تسببت في الكدمات في يديها وساقها بعد أن تفلتت من يده. من جهته أكد الأب للمحكمة أن القضية بالكامل مختلقة من قبل الأم التي أرادت من ذلك قهره بمنعه من رؤية بناته. وإلا ما الداعي لإبلاغ الشرطة وجعل فتاة صغيرة بهذا العمر تتعرض لهذا الموقف في المحكمة بعد أن قام بإنهاء خدمات السائق وإبعاده إلى بلده، فإن كان أخطأ فقد عاقبه بإنهاء خدماته وإن كان خطراً فقد أبعده إلى بلده، وأضاف أن طليقته لم تسمح له برؤية بناته منذ يوم الحادث، فردت هيئة المحكمة أنها مختصة بالجانب الجنائي من القضية، أما موضوع السماح له برؤية بناته فيمكنه إثارته أمام محكمة الأحوال الشخصية. دموع الأب وفي آخر الجلسة طلب الأب أن يتحدث إلى الطفلة المجني عليها أمام المحكمة، وجلس على ركبتيه أمام ابنته مستفسراً عن حقيقة ما حدث، ثم سألها إن كانت بخير فردت إن يدها وساقها قد جرحتا، عند ذلك نزلت دموع الأب واحتضن ابنته فبكى وبكت بصوت عال، أمام هذا الموقف رفعت المحكمة الجلسة بعد أن قررت تأجيل القضية للنطق بالحكم، فأخذ الأب ابنته وخرج من المحكمة ودموعه تملأ وجهه، وفي الجلسة التالية نطقت المحكمة بالحكم على السائق بالحبس أربعة أشهر مع إبعاده عن الدولة بعد تنفيذ الحكم. * "ضمن التعاون القائم بين صحيفة البيان ودائرة القضاء فى أبوظبى ، تنشر الصحيفة صباح كل أحد ، قصصا من أروقة القضاء ، بهدف نشر التوعية بين أفراد المجتمع"