تكاثرت برامج اكتشاف المواهب الموسيقية كالفطر على فضائيات عربية من «سوبر ستار» إلى «اراب ايدول» مرورا ب «ستار أكاديمي» و»أكس فاكتور» أو «استوديو دوزيم» بالمغرب. ويطرح إقبال الشباب العربي ذكورا وإناثا على هذه البرامج أسئلة كثيرة على الخبراء في العلوم الاجتماعية أن يجيبوا عليها بدراسات علمية، لماذا هذا الإقبال؟ ما دوافعه هل هي فنية أم مغامرة ورغبة في النجومية والشهرة حتى ولو لم تكن هناك مؤهلات فنية معقولة, أم هو تعبير عن حالة هروب من الواقع وتعبير عن الإحباط منه, وهل يسعى أصحاب هذه البرامج (فكرة وتمويلا وإشهارا) فعلا لاكتشاف المواهب الفنية أم هي تجارة محضة بأحلام الشباب تسعى لأرباح خيالية وغيرها من الأسئلة المطروحة على الخبراء والمختصين الإجابة عنها كما سلف بدراسات علمية؟ وإلى أن تنجز تلك الدراسات لا مانع من طرح ملاحظات سريعة على هذه الظاهرة الاجتماعية في عمقها، التي تكشف غياب التفكير المنطقي الذي يربط النتائج بالأسباب، وحالة من التبسيطية والاستسهال للنجاح، لأنه يستحيل أن يكون إقبال آلاف الشباب على برنامج من البرامج المذكورة التي ستختار في نهاية المطاف فائزا واحد، إقبالا برغبة فنية خالصة، خاصة أن أغلبيتهم لا يتوفرون على الحد الأدنى من المؤهلات الفنية، بمعنى آخر إما أنهم يرغبون في الشهرة أو حتى الوقوف أمام المشهورين من «الفنانين» المشرفين على تلك البرامج, ولو لبضعة دقائق لحظة الاختبار (الكاستينج). صحيح أن بعض تلك البرامج اكتشفت أصواتا قليلة جيدة، لكن ذلك لا يمنع من القول إن تلك البرامج بالطريقة التي تتم بها تبقى حصيلتها في المجمل سلبية جدا لأنها تكرس ثقافة النجاح السريع غير القائم على أسس معقولة، وتبسط مسلسل النجاح وتجعله وكأنه هبة ريح تأتي من دون سهر الليالي الطوال في الدراسة والكد في التحصيل أو غير ذلك لأن وهم «الشهرة والنجومية» هيمن على تفكير الشاب أو الشابة, ورأى أناسا بقدرة قادر وبضربة حظ باتوا نجوما ومشاهير في عالم الموسيقى أو التمثيل مثلا. وسيادة هذه الثقافة يشكل مرضا خطيرا داخل المجتمع يزيد الطين بلة في مجتمعات عربية تعاني من فشل كبير في أنظمتها التعليمية (مدخلاتها ومخرجاتها على السواء)، وتزداد خطورة تلك الثقافة عندما يروج لها الإعلام والفضائيات التجارية, التي تغلف الاستثمار والاتجار بأحلام الشباب على أنه خدمة لهم, والحال أن ذلك غير صحيح لأنها تربح من سعيه وراء سراب النجومية والنجاح بالحظ مليارات ومليارات، وإلا لماذا لا تعد تلك الفضائيات نفسها بالموازاة مع برامج اكتشاف المواهب الموسيقية برامج لاكتشاف المواهب العلمية والأدبية والفكرية والفلسفية والفلكية والسياسية وغيرها من المجالات التي تبني المجتمعات وتمكنها من الريادة الحضارية والتقدم, بدل البقاء في مؤخرة الركب الحضاري. لن يفعلوا ذلك لأنها حسب منطقهم الربحي تجارة خاسرة تحتاج لإنفاق أموال طائلة ووقت طويل وصبر كبير وعناء لبناء الكفاءات وتطوير المواهب ورعايتها, وتكوين العلماء والمفكرين, وأما التجارة في أحلام الشهرة وصناعة الوهم فإنها تدر المليارات بأسهل الطرق وأسرع وقت.