شهدت الساحة الإعلامية هذا العام إنتاج كم كبير من برامج اكتشاف المواهب، مثل "أراب جوت تالنت" و"أراب أيدول" على شبكة "أم بي سي" وكذلك "أحلى صوت"، وأخيراً برنامج "صوت الحياة" الذي عُرض على قناة الحياة المصرية، إضافة إلى برنامج "أكاديمية عمرو دياب" على الموقع الإلكتروني "يوتيوب" وغيرها الكثير . وقد لاقت هذه البرامج إقبالاً من الشباب الذي يريد عرض مواهبه وقدراته الخاصة، وحققت أعلى نسب مشاهدة لدى الجمهور على مستوى العالم العربي، لدرجة نستطيع معها أن نطلق على 2012 عام انفجار برامج اكتشاف المواهب . "النجومية السريعة هي السبب الرئيس وراء مشاركة الشباب في هذه البرامج" بهذه الكلمات بدأ الدكتور محمد الأمين، أستاذ الإعلام بجامعة الشارقة كلامه، وتابع: الشباب في هذه الأيام سواء كان موهوباً أم لا، يريد الشهرة التي تأتي بين يوم وليلة، لا النجومية التي تأتي بعد تعب وسهر ومحاولات نجاح وفشل يصحبها إبداع، أما القنوات الفضائية فتريد تحقيق أعلى نسب مشاهدة، وبالتالي الحصول على أكبر قدر من الإعلانات التجارية . أضاف د . الأمين: كل برامج المواهب "بدعة"، وحتى نقول بدعة حسنة أو سيئة علينا ذكر بعض الأمور، أهمها أن الموهبة لا تحتاج إلى من يكتشفها لأنها تفرض نفسها، فهي عبارة عن قدرات وملكات وهبها الخالق للإنسان وميزه بها عن غيره، إلا أن هناك بعض المواهب التي تحتاج إلى من يزيل عنها الغبار ويقدمها للناس، وهنا يأتي دور المكتشف، لكن من الواضح للمتابع للفضائيات التي حققت برامجها شهرة كبيرة أن الهدف من هذه البرامج ليس اكتشاف الموهبة، إنما جمع كم كبير من أموال الجمهور الذي يعتبر مصدر الدخل للقناة نفسها من خلال التصويت عن طريق الاتصالات للمشاركة في البرامج . وأكمل الأمين كلامه: اكتشاف الموهبة وتقديمها في حد ذاته لابد أن يكون جائزة للفائز، إلا أن القنوات تخصص له جزءاً كبيراً مما حصلت عليه من أموال الإعلانات والاتصالات، كنوع من التشجيع على المشاركة، وهذا دليل واضح على أنها تحقق ربحاً كبيراً جداً، وهناك نقطة أخرى مهمة تؤكد أن الهدف من تقديم هذه البرامج هو الجري وراء أموال الإعلانات، هي أن الساحة الغنائية تعج بالأصوات والمطربين، كما أن وسائل التعبير عن المواهب الغنائية باتت سهلة في ظل قنوات "اليوتيوب" ومواقع التواصل الاجتماعي، فلماذا لا نقدم برنامجاً يبحث عن المواهب في عالم التأليف أو التلحين؟ والإجابة تتلخص في أن البحث عن مواهب غنائية أسهل وأسرع انتشاراً بين الشباب . في نهاية كلامه أكد الأمين أن هذه البرامج لم تقدم مواهب حقيقية قادرة على البقاء والمنافسة، مثل المواهب التي ظهرت سابقاً وسجلت تاريخها بأحرف من نور،لأنها برامج تجارية مغلفة بغلاف جميل . الدكتور حسام سلامة، رئيس قسم الإعلام بجامعة عجمان، قال: إن انتشار هذه البرامج أمر جيد في حد ذاته،لكن السؤال الذي يطرح نفسه وبشدة هو "أي نوعية من المواهب نبحث عنها؟" وحتى نجيب لابد أن ننظر للبرامج الموجودة على الشاشات الفضائية بدقة، على سبيل المثال لا الحصر برنامج "أراب جوت تالنت" الذي قدم نماذج ممسوخة من الغرب للموهبة والثقافة العربية، وللأسف نظر الجمهور المتابع لها وهو من الشباب باعتبارها القدوة في الموهبة والنموذج الذي يجب أن يسير عليه، وهذا خطأ فادح وقعت فيه كل المحطات الفضائية والجهات المسؤولة عنها . وأضاف سلامة: لجان التحكيم غير مؤهلة لتقيم المتقدمين للمسابقة، فغالباً ما يكون المحكم مطرباً، والمتقدمون لديهم مواهب متنوعة ما بين فنية وحركية، وهنا يكون تقييم المحكم مثل تقييم المشاهد العادي، لأنه لا يملك القاعدة العلمية التي يمتلكها الخبير في تقيم المتسابق، لذلك لابد من الاهتمام باختيار لجان التحكيم بدقة متناهية، إضافة إلى أن هناك بعض النجوم لا تحكمهم الموضوعية وإنما الحفاظ على شعبيتهم في بعض الدول، وعلى هذا الأساس يضعون التقييم . وتساءل سلامة: لماذا لا يوجد برنامج من نبت عربي يخرج للعالم كله ليثبت أننا قادرون على تقديم برنامج يهتم بالموهبة المحلية ويدعمها، خاصة أن كل البرامج الموجودة على الساحة الفضائية هي نسخ مُقلدة من أخرى أجنبية، ما عدا قلة قليلة حققت نجاحاً كبيراً وملحوظاً مثل برنامج "شاعر المليون" الذي أعتبره مميز اً وله هدف واضح بعيداً عن تجارة الفضائيات والإعلانات؟ وتابع: أفضل ما في هذه البرامج أنها كشفت الوجه الآخر للنجوم، وأزاحت الستارة عن سلوكياتهم وطرق تعاملهم مع الجمهور، كما أن كل هذه البرامج لن تستمر طويلاً لأن الجمهور سيصل في يوم من الأيام لحالة من التشبع الإعلامي، علماً بأنها تعمل على تمزيق الوطن العربي من خلال إثارة المشاحنات بين الدول أثناء التصويت حيث الكل يعتبر النصر لبلده وليس لمطرب أو موهبة . لم يختلف رأي الدكتور سعيد حامد، المخرج التليفزيوني والمحاضر في كلية المعلومات، عن هذه الآراء كثيراَ، فقد أكد أنه لأول مرة هو وأولاده يرسلون رسائل للتصويت لمصلحة "كارمن سليمان" في برنامج "أراب أيدول"، لأنه اعتبر فوزها مسألة وطنية، وأضاف: البطالة وعدم توزيع الفرص الفنية بين الموهوبين، وتواجد المحسوبية والوساطة لدى المنتجين تعد من أهم أسباب جري جيل الشباب وراء المشاركة في برامج البحث عن المواهب، فالمنتج اليوم لم يعد ينظر إلى صاحب الصوت الجيد وإنما يبحث عن أشياء أخرى ليس لها علاقة بالفن أو الصوت الجيد، فأصبحت هذه البرامج متنفساً لمن لا يملك وسيلة المساعدة للظهور . وأكد حامد أن الحلم بالنجومية والمكسب المادي السريع هو سبب آخر عند فئة من الشباب المشارك أيضاً، فالواضح للجميع أن أكثر الفئات ثراء هم نجوم كرة القدم وأهل الفن، لذلك كثيراً ما نرى أسراً تدعو بل وتلهث حتى يلتحق ابنهم أو ابنتهم بأي من هذه المجالات حتى ولو كان لا يملك أي مواهب . وعن رأيه بشكل عام في هذه البرامج قال حامد: هي سلاح ذو حدين، قد يضر وقد ينفع، خاصة فيما يتعلق بلجان التحكيم التي كثيراً ما تكون غير قادرة على التقييم، والدليل على ذلك خروج المتسابق محمد خلف صاحب الصوت المميز من برنامج "أحلى صوت" الذي شعر كل الجمهور لحظة خروجه بتعرضه لظلم شديد، فهو صاحب صوت قوي وإحساس عالٍ . ووجه المخرج التلفزيوني نداء لكل المحطات الفضائية التي تعرض برامج المواهب لإعادة النظر في لجان التحكيم، مؤكداً: لا بد من وجود خبير نفسي يحلل الموهبة سيكولوجياً من حيث الكاريزما، الثقة بالنفس، القدرة على التفاعل مع الجمهور ومواجهة الكاميرا، وقد يتم هذا من خلال استمارة تساعد باقي أعضاء اللجنة على الاختيار، مع ضرورة وجود خبير إعلامي وسط المحكمين . المتحدث الرسمي باسم مجموعة "أم بي سي" مازن حايك، علق على هذه الآراء قائلاً: إحدى نقاط القوة لدى مجموعة "أم بي سي" أنها استطاعت أن توفر للمشاهد العربي الذي أصبح مشاهداً مدمجاً"متصفح وقارئ ومستمع في آن" أكبر 3 برامج عالمية بصيغة عربية "أراب جوت تالنت"، "أراب أيدول" وأخيراً "أحلى صوت"، وهي برامج ذات أهمية كبرى ، أولاً تسهم في وضع المنطقة العربية على خريطة الإعلام التثقيفي الترفيهي العالمي، ثانياً تكمن قوة المجموعة في أنها عملت على استثمار هذه البرامج العالمية بالمستوى المحلي العالي الجودة بموازاة الإنتاج المحلي وليس على حسابه، فمن المهم أن يتكامل المحتوى العالمي بصيغه العربية مع قدرتنا على توفير أكبر وأفضل محتوى محلي، سواء درامياً أو من ناحية الأفلام والبرامج الأخرى بكل أشكالها وأنواعها، حتى نتمكن من تقديم الأجود للمشاهد العربي . وأشار حايك: هناك جزء مهم لابد أن نتحدث عنه، وهو أن هذه البرامج حصدت أعلى نسب مشاهدة وأصبحت قبلة المشاهد المدمج عالمياً، فمثلاً "أحلى صوت" قيل عنه إنه أعاد التلفزيون لعصره الذهبي وحقق أعلى نسب مشاهدة لم تحظ بها الشاشة إلا في أوقات البطولات الرياضية، أما في المنطقة العربية فهي أعطت التلفزيون حقه وأثبتت أنه يبقى المصدر الأساسي بامتياز للترفيه العائلي، والوسائل الإعلامية الأخرى هي داعمة له بما في ذلك الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي . وعن فكرة تقليد أفكار البرامج قال: عندما نقدم هذه البرامج العالمية فنحن نبتكر محلياً وعالمياً ونبذل مجهوداً جباراً لخدمة الإعلام العربي، لأنها تأتي لنا بأفضل الممارسات والتقنيات الحديثة من ناحية الصيغة والفكرة وكل ما هو جديد في الإضاءة والتصوير والديكور، إذن فنحن نعمل على صقل مهارات الكادر العربي التلفزيوني، ونأتي له بخبرات كبيرة هائلة تساعد في الارتقاء بالمستوى المهني للتليفزيون، وتضعه على مصاف العالمية، نحن لم نخترع التليفزيون لكننا نطبقه، ونتعلم من كل ما هو جديد ونطبقه، والدليل أن هذه البرامج تقدم بإنتاج وتقنيات وقدرات عربية . وعن وجهة نظره في كثرة أعداد المشاركين في هذه البرامج، قال حايك: هناك مواهب أكثر بكثير مما نتصور، فعالمنا العربي يبلغ 300 مليون نسمة، نصف هذا العدد تحت سن الثلاثين، وهناك مواهب وطاقات وإبداعات عربية شبابية هائلة، أكثر بكثير مما تستوعبه هذه البرامج، والعدد الموجود حالياً يسهم مساهمة بسيطة في إلقاء الضوء على هذه القدرات، لذلك يجوز وصفها بأنها منصات تليفزيونية وثقافية للتعبير عن النفس وإطلاق مهارات الشباب العربي وتسليط الضوء عليها . وعن عدم استمرار الموهبة على الساحة قال حايك: هذه النقطة موضوع جدل ونقاش دائم، لكن لا يمكن تعميم أو مقارنة نجم بآخر، نحن دائماً نسعى لأن تكون النهائيات بداية مسيرة احتراف ونجومية لهؤلاء الأشخاص، والتحدي الكبير هو الاستثمار فيهم على طريق النجومية الفعلية وصقل مواهبهم أولاً، وثانياً التزام المجموعات الإعلامية بتوفير الاستثمارات والقوة الداعمة المهنية لبلوغهم النجومية الحقيقية، لكن التزامنا نحن كمجموعة هو توفير أفضل تليفزيون . حتى ننقل الصورة كاملة كان لابد لنا من معرفة آراء جيل الشباب في هذه الظاهرة، يزن وراق، طالب في كلية الإعلام، قسم إذاعة وتلفزيون، قال: هذه البرامج كلها نسخ مكررة من الأجنبية، وكأن إعلامنا العربي غير قادر على إنتاج فكرة تأخذها المحطات العالمية عنه، وللأسف معظم من يلهث خلف المشاركة لا يملك موهبة أو قدرات خاصة، لكنه يشترك من باب البحث عن الشهرة، أما الجمهور فهو يتابعها من باب التسلية والترويح في ظل إعلام يكتظ بالأحداث . اتفقت سارة أحمد، طالبة بجامعة عجمان، مع رأي يزن، وأضافت: هناك نقطة مهمة لا يجب أن نغفلها وهي عدم وجود من يكتشف المواهب في المجتمعات العربية ويشجعها، كما أن معظم الأسر لا تريد من الأبناء سوى التركيز على الدراسة العلمية، والاهتمام بالمستقبل المهني، وبالتالي يقتلون الموهبة داخل أبنائهم . وأكدت سارة: رغم وجود عدد كبير من الموهوبين بين المشاركين في البرامج إلا أن هناك فئة منهم لا تريد سوى لفت انتباه الناس لها، وإثبات أنها قادرة على النجاح . منيرة صفر، أمين سر عام جمعية الموهوبين، ووالدة الإماراتية شما حمدان التي حصلت على المركز الثاني في برنامج "أراب جوت تالنت" في موهبة الغناء والعزف على الجيتار، قالت: ما أجمل أن يكون هناك من يساعد الموهوب على إبراز موهبته وصقلها، وما أجمل أن توجد برامج فضائية تقدم هذا للجميع، لكن الأجمل والأهم أن تتناسب هذه البرامج مع عاداتنا وتقاليدنا، وألا تعتمد على التقليد الأعمى . وعن سبب إقبال الشباب الكبير على المشاركة قالت: يوجد العديد من الموهوبين في كل مكان لكن لا يوجد من يساعدهم لإبراز مواهبهم، لذلك نجد هذا الإقبال الضخم من كل الدول العربية على المشاركة، وفي الوقت نفسه هناك شباب لا يملك موهبة لكنه يجري خلف التقليد، لذلك فالكل يريد أن يغني ويحقق الشهرة، وهذا ليس على مستوى الدول العربية فقط، بل على مستوى العالم كله . وعن تجربة ابنتها مع برنامج "أراب جوت تالنت" قالت: قبل أن تشارك شما في البرنامج لم نجد لها مكاناً مناسباً للتدريب أو لتنمية موهبتها في المعاهد الموسيقية لأنها كانت مزدحمة بالرجال، ولا يوجد فيها أماكن للبنات، لذلك شاركت شما في البرنامج، وهدفها ليس المركز الأول ولكن إيصال موهبتها للناس . ثم أكدت صفر: المشاركة كانت ناجحة جداً، فقد حققت شما ما تريد، إضافة إلى حصولها على لقب سفيرة الطفولة من الاتحاد الأوروبي، وسخرت موهبتها لخدمة المجتمع والأعمال الإنسانية، وهذا هدف يجب أن تضعه هذه البرامج أمامها، حتى نخرج بجيل من الموهوبين يخدم المجتمع والدولة ويرتقي بها، ومن الضروري ألا نركز كل اهتمامنا بالمواهب الفنية فقط، لكن لابد أن نسعى لاكتشافها في كل المجالات العلمية والحياتية . أما زينب خرفاتي، فقالت: المشاهد المسكين هو من يدفع ثمن عرض هذه البرامج، فهو لا يملك بديلاً عنها في أوقات فراغه، أما الشباب فهم يجرون خلفها لأسباب عدة، أولاً الصعوبة في الانخراط بسوق العمل، فمعظمهم لديهم شهادات جامعية وليس لديهم وظيفة أو عمل حر، كما أن أصحاب العمل دائماً ما يطلبون من المتقدم للوظيفة وجود خبرة، فكيف لشاب حديث التخرج أن يمتلك خبرة؟ لذلك يبدأ في البحث عن البديل، ومع كثرة هذه البرامج وحباً في التقليد تصبح هي البديل والحل الأسرع . وأضافت زينب إن التصويت لا يكون عادلاً، خاصة أن عدد سكان الدول مختلف، والدليل على ذلك أن دنيا بطمة صوتها كان أفضل من صوت كارمن سليمان لكن أهل مصر غير أهل المغرب، وبوجه عام برامج المواهب لن تستمر طويلاً، لأن الجمهور بطبعه يمل التكرار.