تشكيل "قوات درع الوطن" لصاحبها "رشاد العليمي" غير قانوني (وثيقة)    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    قبيل التطبيع: اتفاقيات أمنية سورية مع إسرائيل قبل نهاية العام    الخونة خارج التاريخ    جائزة الكرة الذهبية.. موعد الحفل والمرشحون    للمرة السادسة.. "فيتو" أميركي في مجلس الأمن يفشل مشروع قرار لوقف النار في غزة    البوندسليجا حصرياً على أثير عدنية FM بالشراكة مع دويتشه فيله    ذكرى استشهاد الشهيد "صالح محمد عكاشة"    جنوبيا.. بيان الرئاسي مخيب للآمال    لماذا تراجع "اليدومي" عن اعترافه بعلاقة حزبه بالإخوان المسلمين    راشفورد يجرّ نيوكاسل للهزيمة    حين تُغتال النظافة في مدينة الثقافة: افتهان المشهري شهيدة الواجب والكرامة    تعز.. إصابة طالب جامعي في حادثة اغتيال مدير صندوق النظافة    تجربة الإصلاح في شبوة    صندوق النظافة بتعز يعلن الاضراب الشامل حتى ضبط قتلة المشهري    مسيّرة تصيب فندقا في فلسطين المحتلة والجيش الاسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ ومسيّرة ثانية    سريع يعلن عن ثلاث عمليات عسكرية في فلسطين المحتلة    الصمت شراكة في إثم الدم    الفرار من الحرية الى الحرية    ثورة 26 سبتمبر: ملاذٌ للهوية وهُويةٌ للملاذ..!!    وعن مشاكل المفصعين في تعز    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    إشهار جائزة التميز التجاري والصناعي بصنعاء    انخفاض صادرات سويسرا إلى أميركا بأكثر من الخُمس بسبب الرسوم    مجلس القضاء الأعلى ينعي القاضي عبدالله الهادي    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    المحرّمي يعزِّي في وفاة المناضل والقيادي في المقاومة الجنوبية أديب العيسي    الأرصاد: حالة عدم استقرار الأجواء ما تزال مستمرة وتوقعات بأمطار رعدية على أغلب المحافظات    بتمويل إماراتي.. افتتاح مدرسة الحنك للبنات بمديرية نصاب    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    الوفد الحكومي برئاسة لملس يطلع على تجربة المدرسة الحزبية لبلدية شنغهاي الصينية    تعز.. احتجاجات لعمال النظافة للمطالبة بسرعة ضبط قاتل مديرة الصندوق    برغبة أمريكية.. الجولاني يتعاهد أمنيا مع اسرائيل    موت يا حمار    أمين عام الإصلاح يعزي الشيخ العيسي بوفاة نجل شقيقه ويشيد بدور الراحل في المقاومة    يامال يغيب اليوم أمام نيوكاسل    مفاجأة طوكيو.. نادر يخطف ذهبية 1500 متر    نتائج مباريات الأربعاء في أبطال أوروبا    رئيس هيئة النقل البري يعزي الزميل محمد أديب العيسي بوفاة والده    دوري أبطال آسيا الثاني: النصر يدك شباك استقلال الطاجيكي بخماسية    مواجهات مثيرة في نصف نهائي بطولة "بيسان الكروية 2025"    الامم المتحدة: تضرر آلاف اليمنيين جراء الفيضانات منذ أغسطس الماضي    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    استنفاد الخطاب وتكرار المطالب    مجلس وزارة الثقافة والسياحة يناقش عمل الوزارة للمرحلة المقبلة    التضخم في بريطانيا يسجل 3.8% في أغسطس الماضي    غياب الرقابة على أسواق شبوة.. ونوم مكتب الصناعة والتجارة في العسل    لملس يزور ميناء يانغشان في شنغهاي.. أول ميناء رقمي في العالم    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    رئيس هيئة المدن التاريخية يطلع على الأضرار في المتحف الوطني    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تزامنا مع حكم سجن البراك

تزامنا مع حكم سجن النائب السابق مسلم البراك لمدة 5 سنوات مع الشغل والنفاذ، قامت وزارة الأوقاف بواسطة قطاع المساجد بتوزيع خطبة معممة لكافة المساحد بالبلاد غدا، وتعلقت بإحترام القضاء وأثره في أمن المجتمعات واستقرارها، وجاء في نص الخطية ما يلي:
خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
9 من جمادى الآخرة 1434ه الموافق 19 /4 / 2013م
احترام القضاء وأثره في أمن المجتمعات واستقرارها
الْحَمْدُ للهِ الْغَنِيِّ الْكَرِيمِ الْوَلِيِّ الْحَمِيدِ؛ أَصَابَ عِبَادَهُ بِالْخَيْرِ وَالسَّرَاءِ، وَدَفَعَ عَنْهُمُ الْبَلاَءَ وَالضَّرَّاءَ، وَجَعَلَهُمْ فِي دَارِ امْتِحَانٍ وَابْتِلاَءٍ؛ لِيَجِدُوا مَا عَمِلُوا يَوْمَ الْجَزَاءِ: ) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ( [الزلزلة :7-8 ]، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلاَئِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَدَّى الأمَانَةَ وَبَلَّغَ الرِّسالَةَ،وَنَصَحَ الأُمَّةَ، تَرَكَنَا عَلَى المَحَجَّةِ البَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لاَ يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ -عِبَادَ اللهِ- بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَإِخْلاَصِ الْعَمَلِ لَهُ وَحْدَهُ، وَتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِهِ دُونَ سِوَاهُ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ رَافِعُ الْبَلاَءِ، وَكَاشِفُ الضَّرَّاءِ، وَمُتَمِّمُ النَّعْمَاءِ، وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ: )قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ( [الأنبياء:112].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
مِنْ أَهَمِّ مُقَوِّمَاتِ الْعَيْشِ الْكَرِيمِ، وَنَيْلِ الْقُوَّةِ وَالتَّمْكِينِ، وَالرُّقِيِّ وَالتَّعْمِيرِ: الاسْتِقْرَارُ بِكُلِّ أَنْوَاعِهِ، وَفِي كُلِّ مَجَالاَتِهِ، لاَسِيَّمَا الاستقرارُ الأَمْنِيُّ؛ فهو ضَرُورَةٌ مِنْ ضَرُورَاتِ الْعَيْشِ، وَأَدِلَّةُ ذَلِكَ مِنَ الشَّرْعِ وَالتَّارِيخِ وَالْوَاقِعِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ. وَالْبِلاَدُ الَّتِي تَكُونُ مُسْتَقِرَّةً يَفِدُ النَّاسُ إِلَيْهَا، وَيَرْغَبُونَ فِيهَا، وَيَبْذُلُونَ الْغَالِيَ وَالنَّفِيسَ لِسُكْنَاهَا، وَمِنْ عَظِيمِ النِّعَمِ الَّتِي بُشِّرَ بِهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ: الاسْتِقْرَارُ فِيهَا، وَعَدَمُ الْخُرُوجِ مِنْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: )أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا( [الفرقان:24]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: )خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا( [الفرقان: 76]. وَكُلُّ بِلاَدٍ تَفْقِدُ اسْتِقْرَارَهَا، وَتَضْطَرِبُ أَحْوَالُهَا؛ يَفِرُّ النَّاسُ مِنْهَا، مُخَلِّفِينَ وَرَاءَهُمْ أَحِبَّتَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَدُورَهُمْ، يَتْرُكُونَ كُلَّ غَالٍ وَنَفِيسٍ، يَنْشُدُونَ الأَمْنَ وَالاسْتِقْرَارَ، وَلَوْ شُرِّدُوا وَطُورِدُوا، وَلَوْ عَاشُوا لاَجِئِينَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ، مُغْتَرِبِينَ عَنْ بُلْدَانِهِمْ، مُعْدَمِينَ بَقِيَّةَ أَعْمَارِهِمْ، فَالدُّنْيَا بِأَسْرِهَا لاَ تُسَاوِي شَيْئًا بِلاَ اسْتِقْرَارٍ، فَلاَ قِيمَةَ لِلْقُصُورِ وَالدُّورِ وَالأَمْوَالِ إِذَا فُقِدَ الاِسْتِقْرَارُ.
وَهَذِهِ النِّعْمَةُ الْعَظِيمَةُ -أَعْنِي نِعْمَةَ الاِسْتِقْرَارِ- هِيَ الرُّكْنُ الأَعْظَمُ الَّذِي مَنَحَهُ اللهُ تَعَالَى لِلْبَشَرِ لِيَصِحَّ عَيْشُهُمْ فِي الأَرْضِ، وَيَسْتَطِيعُوا عِمَارَتَهَا، وَالْقِيَامَ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى فِيهَا، وَفِي قِصَّةِ هُبُوطِ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- إِلَى الأَرْضِ، وَاسْتِخْلاَفِهِ وَذُرِّيَّتِهِ فِيهَا؛ كَانَ الاِسْتِقْرَارُ هُوَ الرُّكْنُ الأَوَّلُ مِنْ رُكْنَيْ عَيْشِ الإِنْسَانِ عَلَى الأَرْضِ وَعِمَارَتِهَا: )وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ( [البقرة: 36]، فَالْمُسْتَقَرُّ هُوَ قَرَارُهَا لَهُمْ، وَأَمْنُهُمْ فِيهَا، وَالْمَتَاعُ هُوَ الْمَآكِلُ وَالْمَشَارِبُ وَالْمَلاَبِسُ وَالْمَرَاكِبُ وَنَحْوُهَا، وَفِي مِنَّةِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ: )وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ( [الأعراف:10]، أَيْ: أَقْدَرْنَاكُمْ عَلَى أُمُورِ الأَرْضِ، وَخَوَّلْنَاكُمُ التَّصَرُّفَ فِي مَخْلُوقَاتِهَا، وَالتَّمْكِينُ فِي الأَرْضِ هُوَ الْمُسْتَقَرُّ الْمَذْكُورُ فِي الآيَةِ السَّالِفَةِ، كَمَا أَنَّ الْمَعَايِشَ فِي هَذِهِ الآيَةِ هِيَ الْمَتَاعُ فِي السَّابِقَةِ، وَمِثْلُ الآيَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: )هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ( [الملك:15].
وَمِنْ بَرَاعَةِ الْبَيَانِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الأَصْلَ عَلَى الْفَرْعِ، وَالأَهَمَّ عَلَى الْمُهِمِّ، وَكَانَ هَذَا الأُسْلُوبُ الْبَلاَغِيُّ مُطَّرِدًا فِي آيَاتِهِ، وَلَمَّا كَانَ الاِسْتِقْرَارُ أَهَمَّ مِنَ الْمَعَايِشِ وَالأَرْزَاقِ وَالْمَتَاعِ، بَلْ لاَ مَتَاعَ وَلاَ مَعَايِشَ إِلاَّ بِاسْتِقْرَارٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ اسْتِقْرَاءُ تَارِيخِ الْبَشَرِ وَوَاقِعِهِمْ؛ فَإِنَّ الآيَاتِ الْكَرِيمَةَ قَدَّمَتِ الاِسْتِقْرَارَ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَجَعَلَتِ الْمَعَايِشَ تَالِيَةً لَهُ، وَجَاءَ هَذَا التَّرْتِيبُ وَالْبَيَانُ فِي سُورَتَيِ الْبَقَرَةِ وَالْمُلْكِ، وَفِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ سُورَةِ الأَعْرَافِ؛ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ لاَ قِيَامَ لأُمُورِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَلاَ عِمَارَةَ لِلأَرْضِ الَّتِي اسْتُخْلِفُوا فِيهَا إِلاَّ بِتَحْقِيقِ الاِسْتِقْرَارِ فِيهَا، وَأَنَّ أَيَّ اضْطِرَابٍ سَيَكُونُ لَهُ أَثَرٌ بَالِغٌ فِي رِعَايَةِ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا. وَفِي الامْتِنَانِ بِنَشْأَةِ الْبَشَرِ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ( [الأنعام: 98]، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ t: «مُسْتَقَرٌّ فِي الأَرْضِ وَمُسْتَوْدَعٌ فِي الْقُبُورِ».
أيُّها المسلمونَ:
إنَّ مِنْ أهَمِّ ما يُساهمُ فِي تحقيقِ الأمْنِ والاستقرارِ في المجتمعاتِ احترامَ القَضاءِ، القضاءِ الذي يُعدُّ علامةً منْ علاماتِ نجاحِ الأممِ وتطوُّرِها، وسبباً منْ أسبابِ أمْنِها واسْتِقْرارِهَا، لأنَّهُ ملاذُ النَّاسِ لتحقيقِ العدالةِ والفصْلِ في حلِّ النِّزاعاتِ والحُكمِ بينَ المتخاصمِينَ، وقَدْ أولى الإسلامُ جانِبَ القَضاءِ أهميَّةً كُبْرى، وأضْفَى عليهِ الهَيبةَ والاحترامَ، فجعلَهُ مقصداً منْ مقاصِدِ بعثةِ الأنبياءِ والمرسلينَ، قال الله سبحانه: ) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ( [الحديد:25].
وقَدْ أوكَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ أمرَ القضاءِ إلى النَّبيِّ r ليقضيَ بينَ النَّاسِ فقالَ تعالى: ) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ( [النساء:105].
وَقَدِ امتدَحَ النَّبيُّ r القُضاةَ العادلينَ المقْسِطينَ وبَشَّرَهُمْ بالقُربِ مِنَ اللهِ سُبحانَهُ يومَ القيامَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: « إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِى حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا » .[أخرجه مسلم].
عبادَ اللهِ: لقَدِ احترَمَ الحُكَّامُ والعُلماءُ والصَّالِحُونَ عَبْرَ التَّاريخِ القَضَاءَ وكانُوا يَحْتَكِمُونَ إليهِ في المُنَازَعاتِ ولا يَنْقُضونَ لَهُ حُكْمَاً، فهذا سيِّدُنا عليُّ بنُ أبي طالبٍ t وهُوَ أميرُ المؤمنينَ يَتَحاكَمُ إلى قاضيهِ شُريحٍ، فيقضي القاضي للخَصْمِ لعدَمِ كِفايةِ الأدلَّةِ، ويُنفِّذُ أَميرُ المؤمنينَ t الحُكْمَ، بَلْ إنَّ أحدَ حكَّامِ بني العبَّاسِ تقدَّمَ معَ خصومِهِ إلى قاضي البَصرةِ، فلمَّا رآهُ القَاضي مُقبِلاً أطرَقَ إلى الأرضِ ولَمْ يقِفْ، فلمَّا انقضَى الحُكْمُ وقفَ القاضي وسلَّمَ على الحاكِمِ، فقالَ لَهُ: والله لو قُمْتَ حينَ دخَلْتُ إليكَ لعزَلْتُكَ، ولَوْ لَمْ تَقُمْ حِينَ انقضَى الحكْمُ لعزَلْتُكَ. فانْظرُوا إلى هذا الحَاكِمِ واحترامِهِ لهيبةِ القضاءِ، وإلى القَاضِي واحترَامِهِ لَهيبةِ الحاكِمِ بَعْدَ انقضاءِ الحُكْمِ.
لا شَكَّ أنَّ للقضَاءِ أهميَّتُه في حَضَارَةِ الشُّعوبِ، وتَقدُّمِهَا، وأَصَالَةِ حَياتِها، وحُسْنِ جِوارها، فالقضاءُ ميزانُ الادِّعَاءِ ونِبراسُ العَدْلِ ومَلاذُ المَظلومِ والسَّدُّ المانِعُ لأنواعِ المَظالِم والغُصُوب والتعدِّيَات، وبِقَدْر مَا يكونُ للقضاءِ مِنْ هَيْبةٍ وسُلْطَةٍ ونَفاذٍ في أيِّ مُجتمَعٍ، يكونُ لذَلِكَ المُجتمَعِ نَصيبُه المُوازي مِنَ السَّعادَةِ والرَّخاءِ، والاحترامِ والتقديرِ والثِّقة والاطمئنانِ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الشَّاكِرينَ، وَجَنِّبْنَا سُبُلَ الْهَالِكِينَ، وَزِدْنَا مِنَ النَّعِيمِ، وَأَتْمِمْ لَنَا حَسَنَةَ الدُّنْيَا وَاجْمَعْ لَنَا مَعَهَا حَسَنَةَ الآخِرَةِ: ) رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( [البقرة:201].
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِقَدَرِ اللهِ تَعَالَى لِحِكْمَةٍ يُرِيدُهَا، وَمَا تَمُوجُ بِهِ الأَرْضُ مِنْ مِحَنٍ وَفِتَنٍ وَابْتِلاَءَاتٍ لاَ يَخْرُجُ عَنْ قَدَرِ اللهِ تَعَالَى وَأَمْرِهِ: )أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ( [الأعراف:54]، وَتَقْوِيَةُ الإِيمَانِ بِالْقَدَرِ فِي هَذِهِ الأَحْوَالِ مِنْ أَسْبَابِ الثَّبَاتِ عَلَى الْحَقِّ؛ لِئَلاَّ تَمِيدَ بِالْعَبْدِ فِتْنَةٌ فَيَقَعَ فِي سَعِيرِهَا، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: « مَنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ مَعَ اللهِ قَاضِيًا أَوْ رَازِقًا أَوْ يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرًّا أَوْ نَفْعًا، أَوْ مَوْتًا أَوْ حَيَاةً أَوْ نُشُورًا، لَقِيَ اللهَ فَأَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَأَخْرَقَ لِسَانَهُ، وَجَعَلَ صَلاتَهُ وَصِيَامَهُ هَبَاءً، وَقَطَعَ بِهِ الأَسْبَابَ، وَأَكَبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ».
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ والإِيمَانِ:
لَمَّا كَانَ لِلاسْتِقْرَارِ هَذِهِ الأَهَمِّيَّةُ الْبَالِغَةُ فِي صَلاَحِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَاسْتِقَامَةِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ؛ جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ الرَّبَّانِيَّةُ تَدْعُو إِلَى كُلِّ مَا يُؤَدِّي إِلَى الاسْتِقْرَارِ، وَتُرَغِّبُ فِيهِ، وَتَقْطَعُ كُلَّ طَرِيقٍ تُؤَدِّي إِلَى الْفَوْضَى وَالاضْطِرَابِ، وَتَنْهَى عَنْهَا، وَتَمْنَعُ مِنْهَا، وَكَانَ هَذَا أَصْلاً مَتِينًا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ فِي إِجْرَاءَاتٍ عِدَّةٍ، وَتَشْرِيعَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ، فَمِنْ تَشْرِيعَاتِ الإِسْلاَمِ لإِدَامَةِ الاِسْتِقْرَارِ: الأَمْرُ بِاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الاخْتِلاَفِ وَالْفُرْقَةِ؛ لأَنَّ الاخْتِلاَفَ رُبَّمَا أَدَّى إِلَى الْفِتْنَةِ وَالْقِتَالِ، فَيَزُولُ الاِسْتِقْرَارُ: )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ( [آل عمران:105]، وَقَالَ النَّبِيُّ r: «يَدُ اللهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ ].
وَمِنْ تَشْرِيعَاتِ الإِسْلاَمِ لإِدَامَةِ الاسْتِقْرَارِ: مُجَانَبَةُ الْفِتَنِ وَأَهْلِهَا، وَالْحَذَرُ مِنْ مَسَارِبِهَا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.